الغنوشي: التونسيون ممتنون للجيش.. والبلد يحتاج أمطارا أكثر من قنوات تلفزيونية

زعيم «النهضة» في حوار مع «الشرق الأوسط» : الشريط المسرب مدته 112 دقيقة واستخدم منه 12 دقيقة لإفساد علاقتنا بالنظام السياسي والجيش والشرطة

رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي يصافح الرئيس التونسي المؤقت السابق فؤاد المبزع خلال اجتماع المجلس التأسيسي الذي حضره رؤساء الترويكا بمقر البرلمان بتونس أمس (أ.ف.ب)
TT

قال الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة» الإسلامية الحاكمة في تونس لـ«الشرق الأوسط» ردا على انقطاع بث 4 قنوات تلفزيونية في وقت واحد والذي أثار حالة من الرعب والشك في تونس، مما طرح أرضية لتأويلات حول حقيقة ما يحدث في البلادانه يعتبر «ما وقع مسائل عادية ولا علاقة للأمرين كليهما بالآخر.. إيقاف بث القنوات التلفزيونية كان بسبب ظاهرة جوية شهدها موقع البث في منطقة الدخيلة التي نزلت فيها أمطار غزيرة وتسببت بذلك، وأعتقد أن البلد محتاج للأمطار أكثر منه للقنوات التلفزيونية».

وحول علاقة الجيش بالحكومة قال رئيس حركة «النهضة» ان «الجيش التونسي يقوم بوظيفته وليس له تاريخ تدخل في السياسة، هو يخضع للسلطة السياسية في البلاد، ولم يحصل أنه حكم. والشعب التونسي ممنون للجيش الذي رفض أمر الرئيس السابق بن علي بإطلاق الرصاص على الناس».

كما أوضح الغنوشي إن الوضع التونسي مثالي ونموذج في العالم العربي وينبغي أن لا يطمس أحد هذه الحقائق.

وحول مسألة حقوق الإنسان في تونس، قال الغنوشي إن «تسجيل خروق قانونية يمكن أن يقع ومفهوم، لكن يجب التمييز إن كانت المسألة سياسة ثابتة أم مجرد خروق وحوادث عارضة. لا ننكر أنه سجلت بعض حالات التعذيب، لكن فتح فيها تحقيق».

وقد أجرت «الشرق الأوسط» حوارا هاتفيا مع الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية الحاكمة في تونس أمس بمناسبة مرور عام على الانتخابات الأولى بعد الثورة في تونس، وهذا نص الحوار:

* وجود الجيش في الشوارع اليوم (أمس) وانقطاع بث 4 قنوات تلفزيونية في وقت واحد أثار حالة من الرعب في تونس، مما طرح أرضية لتأويلات حول حقيقة ما يحدث في البلاد واعتبار أن هذا تصعيدا في الأمور، كيف تردون على هذا الأمر؟

- أعتبر ما وقع مسائل عادية ولا علاقة للأمرين كليهما بالآخر.. إيقاف بث القنوات التلفزيونية كان بسبب ظاهرة جوية شهدها موقع البث في منطقة الدخيلة التي نزلت فيها أمطار غزيرة وتسببت بذلك، وأعتقد أن البلد محتاج للأمطار أكثر منه للقنوات التلفزيونية، وليس لهذا الشأن علاقة بالتونسيين، بل يعود لمالكي القمر الصناعي لـ«النايل سات» المصري والعطب كان فنيا بسبب العاصفة.

أما بالنسبة لوجود الجيش في الشوارع، فإن البلد ما زال يعيش في حالة طوارئ، وهذا ما يجعل الجيش يعزز وجوده بين الحين والآخر، وكلما قدر أن وزارة الداخلية تحتاج لدعم أو تعزيزات.

والجيش ومنذ الثورة لم يخرج من الساحات العامة، فقد كان موجودا بكثافة أو ندرة تحددها مدى الحاجة، وكان دائما نزوله عبارة عن احتياط من احتمال اضطرابات.

وما حدث كان بسبب أن اليوم (أمس) 23 أكتوبر (تشرين الأول) يعتبر يوما فاصلا حيث تنتهي فيه شرعية السلطة باعتبار أن من منح شرعية المجلس التأسيسي وحددها بسنة هو الرئيس المؤقت السابق فؤاد المبزع.

وقد صدرت تهديدات اتخذت من هذا الأمر ذريعة واهية للمطالبة بإنهاء شرعية السلطة اليوم وكان المحرضون يتوقعون أحداثا كبيرة في تونس اليوم (أمس) لكن الحياة عموما هادئة جدا وكل الإدارات والجامعات تعمل بشكل طبيعي.

والمجلس انتخب وبدأ عمله بنظام داخلي حدد مهمته من الدستور وسيبقى المدة التي يحتاجها لسن الدستور لأنه منتخب بينما الرئيس السابق فؤاد المبزع لم يكن منتخبا بل أملته الضرورة وقتها.

المجلس منتخب لأداء مهمة وسيستمر في إنجازها، والآن هناك اتفاق حول موعد الانتخابات، والقانون مهيأ لذلك والمدة لم تعد مفتوحة.

* ما طبيعة العلاقة بين الجيش والحكومة في تونس؟

- الجيش التونسي وظيفي، هو يقوم بوظيفته وليس له تاريخ تدخل في السياسة، هو يخضع للسلطة السياسية في البلاد، ولم يحصل أنه حكم. والشعب التونسي ممنون للجيش الذي رفض أمر الرئيس السابق بن علي بإطلاق الرصاص على الناس، ولو كان له طموح للوصول للسلطة لمارسها منذ البداية، أي بعد الثورة مباشرة، وهذا ما عزز مكانته في أنه قوة دعم وحماية للثورة وحدود البلاد، وليست هناك مشكلات مع الجيش الذي يعمل في إطار الحكومة وبأوامرها، وهي التي عينت وزير الدفاع.

* في تصريحات أول من أمس رفضتم حل «الرابطة الوطنية لحماية الثورة» (جمعية غير حكومية يقول الناشطون بها إنهم يعملون على حماية الثورة)، فهل تونس بحاجة لمثل هذه الرابطة ثم ألا ترون أن عملها ينتقص من قيمة الشرطة، وقدرة وزارة الداخلية على حماية البلاد؟

- تونس تمر بمرحلة انتقالية من نظام ديكتاتوري إلى نظام ديمقراطي، مما يجعلنا نخشى من الانزلاق نحو الفوضى. والأمن الآن بصدد إعادة تشكيله الثقافي والعقائدي. فهو في مرحلة انتقال مفاهيمه إلى أنه في خدمة القانون وليس في خدمة الحاكم وأن وظيفته حماية القانون والدولة وليس الحاكم. ونحتاج لأن يكون المجتمع مساهما في تحقيق الأمن، وهذه المنظمات تأسست منذ الأسابيع الأولى من قيام الثورة حين كانت البلاد تمر بمرحلة فراغ أمني وكانت بحاجة لمؤسسات شعبية ولا تزال الحاجة قائمة لها.

* هل «لجان حماية الثورة» جماعات مسلحة، وما دورها بالضبط؟

- لا هي ليست مسلحة، هم أشخاص يعملون في إطار القانون، وهم جزء من المجتمع المدني، ودورها أن ترعى حفظ الأحياء وتعمل على مقاومة الجريمة، دورهم مساعدة الشرطة وليسوا بديلا عنها، هم شباب ثوري متطوع يحرس الثورة حتى تصل إلى بر الأمان.

* التأخر من طرف المجلس التأسيسي في إنهاء كتابة الدستور، وتأخير حكومة الترويكا الإعلان عن موعد الانتخابات، اعتبرته المعارضة بمختلف توجهاتها نوعا من المماطلة، وتمسكا من طرف الحكومة بالمناصب، ما رأيكم في هذا؟

- برهن الائتلاف الحاكم (الترويكا) في تونس على رغبته في التسريع بتحقيق المرحلة الانتقالية، وليس من مصلحتها التمديد كما أعلن عن هذا رئيس الحكومة السيد حمادي الجبالي اليوم (أمس)، وقد اتفقت الترويكا على موعد 23 يونيو (حزيران) المقبل موعدا للانتخابات وسيقدم هذا المقترح للمجلس التأسيسي للتصويت عليه، لكن الغريب الآن أن المعارضة هي التي تحتج على هذا التاريخ وطلبت التأخير حتى الخريف المقبل.

وأعتبر أن الطريق قد انفتح الآن وبدأت تنجلي مجالات الخلافات بعد أن طالبت الحكومة بتسريع موعد الانتخابات، كما تم التوصل إلى نوع النظام الذي ستتبعه تونس والذي سيجمع بين الرئاسي والبرلماني معا، فالمشكلات الكبرى الانتخابية وحول نوع النظام قد حددت.

* هناك اضطرابات تتجلى من خلال المظاهرات والإضرابات تعم عدة مناطق في البلاد، خاصة المناطق الداخلية، فهل تعود بالفعل لسوء وتدهور الحالة الاجتماعية، أم إنها مفتعلة من أطراف داخلية وخارجية تريد إفشال الثورة والتشويش على عمل الحكومة؟

- هناك عدد من الإضرابات المحدودة، منها النقابية، وبعض المسيرات هنا وهناك، وقد خلف بن علي خرابا واسعا.. خلف مناطق كاملة في فقر مدقع، والثورة انطلقت من هذه المناطق الأشد فقرا والذي لا يمكن القضاء عليه في سنة أو اثنتين، بل سنحتاج إلى 6 سنوات أو أكثر.

والناس مطالبهم عالية جدا، مما دفع عددا من الأطراف السياسية لاستغلال الأوضاع ودفع الجماهير للإضرابات لتعطيل المصانع والطرقات، وأضرب لك مثلا على ذلك، فمنذ أسبوعين اصطدم سائق حافلة بسيارة سيدة ثم أوسعها شتما وسبا مما استدعى تدخل الشرطة التي اعتقلته، فما راعنا إلا أن رأينا نقابة السائقين تدعو إلى إضراب عام. فهناك إذن جهات توظف القضايا الاجتماعية وتسيسها.

وهذا مفهوم، فنحن ديمقراطية ناشئة ونحتاج إلى وقت لتحقيق الانسجام، والنظام والالتزام بالقانون.

وإذا قارنا تونس بأوضاع ثورية مشابهة، فالوضع التونسي أفضل بكثير والبلاد تشهد انتعاشة اقتصادية، والبطالة تنخفض فتوفر منذ تسلم الحكومة 95 ألف موطن شغل، ونسبة النمو عندما تسلمنا البلاد كانت 2 تحت الصفر والآن تفوق 3.5 فوق الصفر. لكن هناك تهويل للأحداث وتصويرها بحالة اضطراب شديد خاصة في الخارج من طرف إعلام الفلول الموالي لنظام بن علي، الذي هو نفسه يحاول أن ينتقم من الثورة وأن يصدر فكرا عن تونس وأنها تحترق حتى تتضرر مصالح البلاد واقتصادها وسياحتها.

المعارضة في تونس تلعب لعبة غير نظيفة؛ فمن حقهم أن يعارضوا لكن ليس من حقهم أن يحرضوا على العنف.

* هل تشكون في جهات خارجية تريد إثبات فشل الثورة وبالتالي هي التي تساعد من في الداخل على ما يقومون به من «بلبلة»؟

- ليس لنا أدلة، ولكن نرى أن الإعلام الصهيوني هو من يساهم في تشويه سمعة البلاد خاصة بعد استقبالنا خالد مشعل وإسماعيل هنية. واللوبي الصهيوني واسع ويمكنه فعل ذلك. ولكن بالنسبة لعلاقاتنا الدولية لا عداوة لنا مع أية دولة أخرى.

* كذبتم صحة ما جاء في الشريط الذي تم تسريبه حولكم، والذي دار فيه حوار «طمأنة» منكم للسلفيين في تونس، ما صحة ما وقع ولماذا تم تسريب هذا الشريط حسب رأيكم؟

- الشريط سجل في شهر مارس (آذار)، وكان موجودا على موقع «يوتيوب» ومدته 112 دقيقة لكن لم يستعمل منه سوى 10 أو 12 دقيقة بعد التركيب لإعطاء تشكيك في خطاب «النهضة»، ومحاولة إفساد علاقتها بالنظام السياسي والجيش والشرطة، ونحن نعتبر هذا افتراء لأن خطابنا واضح ومستقر ويؤكد على الإسلام المعتدل وعلى العلاقة بين الإسلام والحداثة والديمقراطية والمساواة بين الجنسين وهذه هي المبادئ التي نشأت عليها حركتنا الإسلامية.

وما يتم الآن هو محاولة إرباك العلاقة بيننا وبين حلفائنا خاصة الترويكا، ومع الغرب، وكأننا متحالفون مع السلفية ونشبههم، ولكننا نظهر اعتدالا سجل بشكل عالمي وكان مندرجا في سياق الدستور، حيث طرحت مشكلة أن تدرج الشريعة أو لا تدرج، ووقعت عدة مسيرات من أطراف سلفية للضغط حتى كاد ينقسم البلد إلى نصفين.

ورأينا مصلحة التحول الديمقراطي لا سيما أن النص الأول في الدستور يكفي ثقافيا وتشريعيا، والمهم ليست النصوص وإنما النفوس وثقافة البلاد، وعشت أكثر من 20 سنة في بريطانيا التي ليس لها دستور لكن الثقافة والوعي والقانون كانت تحكم الناس.

وقد رأيت أننا نسير في معركة من أجل نص لم نر منها مصلحة فكان علي أن أدخل في حوارات مع الحركات السلفية لإقناعهم بأن يندرجوا في إطار الشرعية على أنهم جمعيات أو في العمل السياسي أحزابا أو أن يعملوا في المساجد.. لماذا يطالبون بأكثر من ذلك وقد حصلوا على حريتهم ومطلوب أن يحافظوا عليها ويعملوا في إطارها؟

* السلفي المتشدد الذي شارك في أحداث الهجوم على السفارة الأميركية ولم يتم القبض عليه إلى حد الآن هدد اليوم بإنشاء «حماية الشعب في حال حدوث قلاقل» ولم تتمكن الداخلية من القبض عليه رغم أنه ظهر علنا في مناسبتين الشهر الماضي، هل يعتبر هذا عجزا أمنيا؟

- أنا ليس لدي علم عن تجاوزه القانون، لكن القانون يجب أن يطبق مثلما يطبق على السائق الذي يتحدى الضوء الأحمر ويقع إيقافه ومساءلته.

وهنا أسأل: علي العريض كان مختفيا في ظل نظام بن علي لست سنوات ولم يقبض عليه، حمى الهمامي تمكن من البقاء في حالة فرار 3 سنوات رغم أن الأمن في عهد بن علي كان يزعم أنه قوي ولا حواجز أمامه، وبن لادن بقي فارا 15 إلى 20 سنة من الأنظمة العالمية، فلماذا الانتقاد للأمن التونسي في هذه الحالة.

وعن مزاعمه بتكوين لجان، أنا لا أعلم أن أي جهة في تونس تحمل السلاح غير الجهة الرسمية.

* منظمة العفو الدولية أصدرت تقريرا اليوم (أمس) تقول فيه إن «حقوق الإنسان في تونس تعود إلى الوراء» على يد الحكومة الحالية، ما ردكم؟

- الجنة ليست على وجه الأرض؛ بل في السماء، وتسجيل خروق قانونية يمكن أن يقع ومفهوم، لكن يجب التمييز إن كانت المسألة سياسة ثابتة أم مجرد خروق وحوادث عارضة، لا ننكر أنه سجلت بعض حالات التعذيب لكن فتح فيها تحقيق مثل الشرطيين اللذين اعتديا على فتاة وهما الآن سجينان، ماذا يراد من الدولة بعد؟

نحن ديمقراطية ناشئة نتدرب على الديمقراطية ولا نزعم امتلاكها وبلوغها في السنة الأولى، ونتعلم ولا نقول إن وضعنا مثالي، لكن نؤكد أن في تونس لا يوجد صوت مقموع ولا حزب ممنوع، وليس فيها محاكمات سياسية ولا صحف ممنوعة أو مقموعة.. وهذه منجزات الثورة. والوضع التونسي مثالي ونموذج في العالم العربي وينبغي أن لا يطمس أحد هذه الحقائق.