أوباما يتفوق على رومني.. ويسخر من قلة خبرته في السياسة الخارجية

اتفقا على دعم المعارضة في سوريا والضغط على إيران.. والخطة الهجومية للرئيس تفيده للمرة الثانية

أوباما يصافح رومني قبل بدء المناظرة فيما يبدو بينهما منسق النقاش بوبر شيفر مساء أول من أمس (رويترز)
TT

تبنى الرئيس الأميركي باراك أوباما موقفا هجوميا حيال خصمه الجمهوري ميت رومني، فاتهمه بأنه يعتمد مواقف «مخطئة ومتهورة»، خلال مناظرتهما التلفزيونية الثالثة مساء أول من أمس قبل 15 يوما من انتخابات رئاسية تشهد منافسة شديدة بينهما. وشكلت هذه المواجهة المخصصة لمسائل السياسة الخارجية فرصة للرئيس حتى يحاول تسديد ضربة لخصمه تضعف تأييد الناخبين له، فيما لزم المرشح الجمهوري موقفا حذرا متجنبا ارتكاب أي خطأ كبير يمكن أن يجعله يظهر غير مؤهل لتولي القيادة، غير أنه ظل في موقف دفاعي باستثناء الأوقات التي تمكن فيها من إعادة تصويب النقاش حول مسألة الاقتصاد.

وقال أوباما وهو يحدق في خصمه «أعلم أنك لم تكن في موقع يخولك عمليا تعاطي السياسة الخارجية، لكنك كلما عبرت عن رأي كنت مخطئا». وتابع: «قلت إنه يجدر بنا دخول العراق مع أنه لم يكن هناك أسلحة دمار شامل. قلت إنه يجدر بنا الإبقاء على جنود في العراق»، علما بأن الرئيس يشدد باستمرار خلال حملته الانتخابية على أنه وفى بوعده وسحب القوات الأميركية من العراق في نهاية 2011. ويبدو أن استراتيجية أوباما الهجومية آتت مفعولها بحسب استطلاعات الرأي الفورية التي جرت، حيث رأى 53 في المائة من الأشخاص «المترددين» الذين استطلعتهم شبكة «سي بي إس» أن الرئيس خرج منتصرا من المواجهة، مقابل 23 في المائة اعتبروا رومني منتصرا. كما كشف معهد «بي بي بي» عن نسبة تأييد قدرها 52 في المائة لأوباما لدى مستطلعين «مترددين» مقابل 42 في المائة لرومني، فيما أعطى استطلاع أجرته شبكة «سي إن إن» تقدما طفيفا للرئيس (48 في المائة مقابل 40 في المائة).

غير أن كريستوفر ارترتون خبير الشؤون السياسية في جامعة جورج واشنطن لفت إلى أن «رومني تمكن من أن يثبت أنه ليس المحافظ الخطير والشرس الذي حاول أوباما وصفه»، وهذا ما قد يساعده «بصورة خاصة في الولايتين اللتين يترتب عليه الفوز فيهما، وهما فلوريدا وأوهايو».

وعكس المناظرة الأولى عندما وقف الرجلان بعيدا بعضهما من بعض على المسرح، وعكس المناظرة الثانية عندما كان الرجلان يتجولان أمام المشاهدين، جلس المرشحان خلال مناظرة أول من أمس في فلوريدا، قريبا بعضهما من بعض، وأكثرا من النظر بعضهما إلى بعض مباشرة، غير أن أوباما كان الأكثر في تحريك يديه والإشارة بأصابعه، في استراتيجية متعمدة لإثبات أنه يفهم أكثر من رومني في السياسة الخارجية.

كانت استراتيجيته «التنازل» من قبل رومني واضحة منذ البداية، إذ تجنب انتقاد أوباما لتصرفاته بعد الهجوم على البعثة الدبلوماسية الأميركية في بنغازي، بل راح يشيد بسياسات أوباما في القضاء على تنظيم القاعدة، وامتدح إشرافه على عملية قتل أسامة بن لادن. كما اتفق رومني مع أوباما في موضوع تحاشي تدخل عسكري أميركي مباشر في سوريا. وسريعا، استغل أوباما هذه التنازلات، وقال: «أنا سعيد لأن رومني يتفق مع الخطوات التي نقوم بها. أيها الحاكم، بصراحة، أثناء هذه الحملة الانتخابية، بدا واضحا أنك كنت تعتقد أنك كنت ستفعل نفس الأشياء التي فعلناها. كان يمكنك أن تقولها بصوت أعلى. لو فعلت ذلك، كنا سنكون في وضع مختلف».

وبدلا من تقديم وجهة نظر مختلفة لدور الولايات المتحدة في العالم، سعى رومني إلى تمييز نفسه عن أوباما بتحويل النقاش إلى القضايا المحلية. لم يمض وقت طويل في النقاش الذي استمر 90 دقيقة، حتى دفع رومني أوباما نحو الحديث عن الاقتصاد الأميركي. وكان هذا موضوعا عاد إليه رومني مرارا وتكرارا أثناء المناظرة، بما في ذلك في بيانه الختامي. تعمد رومني ذلك لأنه يعرف أن السياسة الخارجية ليست هي العامل الحاسم في الانتخابات الأميركية، خاصة أن قتل بن لادن غير ميزة تاريخية كان الجمهوريون فيها يتفوقون على الديمقراطيين في المسائل المتعلقة بالأمن الوطني.

ورغم أن رومني قدم تنازلات لأوباما في مجالات الحرب ضد الإرهاب، وقتل بن لادن، ومطاردة منظمة القاعدة، وحتى سياسة أوباما نحو الهجوم في بنغازي، ونحو عدم التدخل العسكري المباشر في سوريا، تعمد رومني أن يركز هجومه على أوباما في موضوع إسرائيل. واتهمه بأنه لا يؤيد بصورة كافية «حليفتنا التقليدية إسرائيل». ورغم عدم تقديم تفاصيل وبدائل واضحة، انتقد رومني أوباما لسياسته نحو «ربيع العرب». وأشار إلى أن «الإسلاميين وصلوا إلى الحكم في مصر»، لكنه لم يقدم تفاصيل أو خطة مختلفة عن سياسة أوباما الحالية. غير أن إجابات على سؤال حول ما إذا كان أوباما أخطأ في تأييد الثورة في مصر ضد نظام الرئيس السابق حسني مبارك، جعلت رومني كأنه كان يفضل لو بقي مبارك في الحكم بسبب تأييد مبارك لكثير من السياسات الأميركية في المنطقة. ووجد رومني نفسه بين تأييد وانتقاد سياسة أوباما نحو الثورة المصرية.

وبالنسبة لسوريا أعرب أوباما عن ثقته بأن أيام الرئيس السوري بشار الأسد «معدودة»، لكنه أكد أنه «سيترتب في نهاية المطاف على السوريين أن يحددوا مستقبلهم بأنفسهم». وقال إنه عارض تسليح المعارضة في سوريا خشية تسبب الأسلحة الأميركية الثقيلة إلى تفاقم الحرب، وتوسعها إلى خارج حدود سوريا، وربما وقوع تلك الأسلحة في أيدي إرهابيين. ولهذا قال أوباما إنه يكتفي بتقديم مساعدات لوجيستية وإنسانية. وبدوره، دعا رومني إلى «تسليح» المعارضة الساعية إلى إطاحة النظام. وقال إن ذلك، بصورة أو أخرى، سيكون مواجهة لبرنامج إيران النووي، ولدعم إيران للإرهاب، وذلك بسبب التحالف بين إيران ونظام الرئيس السوري بشار الأسد. كما استبعد رومني مشاركة أميركية في فرض منطقة حظر جوي فوق سوريا. وقال: «نحتاج للتأكد من أن الأسلحة لا تصل إلى الأيدي الخطأ»، وأن إرسال الأسلحة إلى الثوار السوريين يجب أن يكون منسقا مع إسرائيل.

وبالنسبة لإيران، أكد أوباما أن الهدف هو منعها من امتلاك السلاح الذري من خلال «عقوبات ساحقة»، مضيفا: «لا يمكننا السماح بحصول سباق تسلح نووي في المنطقة الأكثر اضطرابا في العالم». من جانبه دعا المرشح الجمهوري إلى تشديد العقوبات على إيران وعزلها على الصعيد الدبلوماسي. كما اتهم رومني الرئيس أوباما بإثارة توتر بين أميركا وحليفتها. كذلك، أيد رومني قرار أوباما الانسحاب من أفغانستان بحلول عام 2014، كما أيد استخدام الرئيس الطائرات من دون طيار ضد ناشطين يشتبه بأنهم إرهابيين.

وإضافة إلى الشرق الأوسط، تناولت المناظرة العلاقات مع الصين. ومرة أخرى، تعمد رومني أن يكون النقاش عن الصين حول تأثير الصين على الاقتصاد الأميركي. وانتقل سريعا إلى انتقاد جهود أوباما لتحسين الاقتصاد الأميركي. ووجد أوباما نفسه يدافع عن إجراءات كان اتخذها في بداية سنواته في البيت الأبيض. ورأى محللون أن إشارات رومني إلى الاقتصاد الأميركي في حين أن المناظرة مخصصة للسياسة الخارجية، تشير إلى إدراك رومني أن السياسة الخارجية أقل أهمية من الاقتصاد بالنسبة للناخب الأميركي.

ونقض أوباما اتهامات رومني بأنه خفض القوات المسلحة إلى مستويات غير مسبوقة منذ أوائل القرن العشرين، وقال ساخرا: «ذكرت البحرية على سبيل المثال، وقلت إن لدينا عددا أقل من البوارج مما كان لدينا في عام 1916. حسنا أيها الحاكم، لدينا أيضا عدد أقل من الخيول والحراب، ذلك لأن طبيعة قواتنا العسكرية تغيرت». وتابع مثيرا ضحكا في الصالة: «لدينا ما يعرف بحاملات الطائرات التي يمكن للطائرات أن تحط على متنها، لدينا تلك القطع البحرية التي تغوص تحت الماء، الغواصات النووية».

وبعيد انتهاء المناظرة قال مدير حملة أوباما جيم ميسينا: «إن الولايات المتحدة رأت قائدها الأعلى، وشخصا غير جاهز لتولي القيادة». من جانبهم أكد الجمهوريون أن المناظرة عززت موقع مرشحهم الرئاسي. واستأنف المرشحان حملتهما بعد المناظرة، إذ كان مقررا أن يبدأ الرئيس أمس جولة تشمل ست ولايات هي فلوريدا وأوهايو وكولورادو ونيفادا وفرجينيا وإيلينوي، حيث يدلي بصوته مسبقا الخميس. كما كان مفترضا أن يزور رومني نيفادا وكولورادو أمس ثم ينتقل إلى أيوا اليوم.