استراتيجية المعسكرين خلال الـ14 يوما المتبقية تجعل المنافسة أكثر احتداما

المرشح الجمهوري تمكن من تغيير الصورة المرسومة لثري بعيد عن الطبقة الوسطى

TT

بعد انتهاء آخر مناظرة رئاسية وبقاء 14 يوما على موعد الاقتراع الرئاسي الأميركي، يواجه الرئيس باراك أوباما ما كان يسعى لتجنبه، وهو الدخول في سباق محموم مع منافس يكتسب أرضية صلبة في الأمتار الأخيرة من السباق. فقد نجح المرشح الجمهوري ميت رومني على مدار الشهر الماضي، من خلال المناظرات والاعتدال التدريجي في اللهجة المحافظة التي كان يتبناها خلال الانتخابات التمهيدية، في تقويض الجهود التي كان يبذلها الديمقراطيون خلال فصل الصيف بهدف تصويره على أنه مرشح الأثرياء فقط، وظهر كخصم عنيد بشكل لم يكن يتوقعه أوباما.

وتابع رومني السير على طريق الاعتدال مساء الاثنين في المناظرة الثالثة، واتفق مع أوباما بقدر ما كان يختلف معه في السابق. وفي إشادة بأداء رومني الجيد خلال المناظرة الأولى، قال السيناتور الجمهوري عن فلوريدا ماركو روبيو: «لأول مرة في السباق، يروق لي أداؤنا أكثر من أدائهم. لقد قضوا شهورا في تصويره على نحو معين، ثم جاء هو ليدحض ذلك بين عشية وضحاها».

ظهر الرئيس أوباما، الذي يدرك تماما قلق الديمقراطيين من احتمال فقدان البيت الأبيض، أكثر عدوانية خلال المناظرة، حيث قلل من خبرة منافسه في السياسة الخارجية في محاولة لثني الناخبين عن رؤية رومني كقائد عام ذي مصداقية. وكل ما يمكن أن يأمله الديمقراطيون هنا هو أن تبقي المناظرة الأخيرة على الوضع كما هو عليه، وأن يتوقف الزحف الكبير في شعبية رومني التي جعلته يصل إلى مستوى أوباما، أو حتى مستوى أفضل، في الكثير من استطلاعات الرأي. وأصبح السباق محتدما للغاية بصورة مفاجئة في الولايات التسع الحاسمة للدرجة التي تجعل كل مرشح يحرص على كل دائرة برلمانية في ولاية مين، لأن الصوت الانتخابي الواحد من الممكن أن يقرر من سيصل للبيت الأبيض.

هناك نوع من الإحساس المتنامي بالتفاؤل داخل حملة رومني بشأن وضعه في السباق، وهو ما يظهر على وجوه مستشاريه البارزين الذين كانوا يتسكعون بجانب حمام السباحة في الفندق الخاص بهم بمدينة ديلراي بيتش قبل المناظرة الثالثة، وهم يسجلون الولايات التي يرون أنها تمثل فرصا جديدة وتزايد أعداد مؤيدي مرشحهم في استطلاعات الرأي. وبالعودة إلى بوسطن، تعجب أحد كبار مساعدي رومني من التحول الهائل في الحالة المزاجية لحملة رومني مقارنة بالشهر الماضي، حيث أصبح هناك شعور بأن رومني قد أصبح منافسا شرسا للغاية.

لا يزال هناك سؤال يطرح نفسه بقوة، وهو هل ما زال رومني يحصل على قوة دفع تمكنه من مواصلة السباق أم أنه متفوق بالفعل خلال أقوى شهر له على مدار حملته الانتخابية؟ أكد مسؤولو حملة أوباما أن الأداء الذي قدمه الرئيس في مناظرة الاثنين سيذكر الناخبين المترددين بدوره الريادي في الشؤون الخارجية، وأشاروا إلى المزايا التي لا يزال يتمتع بها مرشحهم في الولايات المتأرجحة التي سيكون لها دور كبير في حسم السباق. وقال المرشح الرئاسي السابق السيناتور جون كيري: «أصبح السباق أكثر احتداما بصورة تلقائية كما كان يتوقع جميع القائمين على حملة أوباما، ولكن لا يزال أوباما متقدما في الولايات الحاسمة».

ولكن الشيء الذي لا لبس فيه الآن هو أن أوباما، الذي انحنى إلى الأمام في الكثير من النقاط أثناء المناظرة وحدق في وجه منافسه، يركز على حماية مكتسباته الآمنة في هذا السباق، في حين يرى رومني أن هناك بعض الفرص الجديدة التي يجب اقتناصها. ورغم أن استطلاعات الرأي قد أظهرت نتائج متباينة، فإن رومني كان في منحنى تصاعدي في أغلب الأحيان، إن لم يكن يتجاوز أوباما أو يقلل الفارق بينهما في الكثير من الدوائر الانتخابية الهامة، فعلى سبيل المثال أظهر استطلاع للرأي أجرته قناة «سي بي سي نيوز» ونشرته يوم الاثنين الماضي أن نسبة تفوق رومني على أوباما بين النساء قد انخفضت بـ5 نقاط مئوية من 12 نقطة مئوية منذ شهر. وأظهر استطلاع آخر أجرته قناة «سي بي سي نيوز» وجامعة كوينيبياك أن تقدم أوباما في أوهايو قد انخفض إلى 5 نقاط مئوية مقابل 10 نقاط مئوية الشهر الماضي.

وسيعمل القائمون على حملة أوباما خلال الأسبوعين المقبلين إلى دفع المؤيدين إلى استطلاعات الرأي للتصويت ضد إحساس رومني بالتفوق وظهور علامات جديدة من الأمل في الولايات التي كانت بعيدة عنه تماما منذ شهر واحد فقط. ومع ذلك، لا يزال رومني يواجه الكثير من التحديات في المجمع الانتخابي، ويتعين عليه الفوز بعدد أكبر من الولايات الرئيسية مقارنة بأوباما الذي فاز بها جميعا قبل أربع سنوات.

ورغم إحساسهم بحالة من الزخم الكبير في حملتهم وزيادة فرص مرشحهم، فإن القائمين على حملة رومني قد اعترفوا بأن العمل الشاق لم يأت بعد، ويحاولون الآن اختراق الولايات الداعمة لأوباما والبحث عن فرص جديدة في الولايات التي كانت تبدو بعيدة المنال في السابق، مثل نيوهامشير ونيفادا. وستكون هناك معركة حاسمة في الفترة القادمة، لا سيما أن أوباما ومساعدوه يسعون لإعادة تصوير رومني على أنه شخص ثري ستضر سياساته بالطبقة الوسطى. وبدأت الإعلانات المتلفزة من جانب الجماعات الديمقراطية تظهر بدءا من الاثنين، متهمة رومني بأنه عصف بالكثير من الوظائف لتحقيق مكاسب في شركة «باين كابيتال». وقال مساعدو رومني إن الناخبين يعرفونه الآن بالقدر الذي يمكنهم من رفض الصورة التي يود أوباما تصويرها، ويقولون إنهم سيستمرون في تصوير رومني على أنه زعيم ذو مصداقية تروق خططه بشكل خاص للنساء، اللاتي شكلن الجزء الأكبر من مؤيدي أوباما في الانتخابات الماضية.

ومع اقتراب المرحلة الأخيرة من الحرب الإعلانية بين كلا المرشحين، نجد أن هناك حالة من التناقض بين رومني وأوباما؛ فرومني يسعى للفوز بأصوات الناخبين المترددين، والكثير منهم أيدوا أوباما في انتخابات عام 2008. عبر تقديم نفسه رئيسا جديرا بالثقة مستعدا للعمل بصيغة العمل المشترك بين الحزبين التي يؤيدها الناخبون الذين لم يحسموا أمرهم بعد. وهو ما ينبغي على أوباما أن يحول دون إظهاره. والسؤال بالنسبة لأوباما هو ما إذا كان الهجوم على سجل أعمال رومني لا يزال مجديا. يؤكد مساعدو رومني أن أوباما وحلفاءه قد استخدموا الكثير من الإعلانات الدعائية التي تصور رومني حاكما ثريا ستضر سياساته بالطبقة الوسطى إلى حد تشويه صورته. لكن ذلك تداعى عندما ظهر شخصا مختلفا تماما، وبصورته الحقيقية، كما يقولون، على مسرح المناظرة.

* خدمة «نيويورك تايمز»