القضاء المصري يعلق مصير «تأسيسية الدستور» ويحيلها لـ«الدستورية»

البرادعي وصباحي يقودان جبهة وطنية لدستور مواز

قاضي المحكمة الإدارية في مصر نزيه تانغو يتلو، وسط مجموعة من القضاة، قرار المحكمة بشأن لجنة الدستور، في القاهرة أمس (أ.ب)
TT

قررت محكمة القضاء الإداري في مصر أمس وقف دعاوى حل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور الجديد، وإحالتها للمحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية القانون الذي تشكلت على أساسه، ما يعني تعليق حسم مصير الجمعية التي يسيطر عليها «إسلاميون»، وتواجه انتقادات حادة من جانب قوى مدنية وتيارات ليبرالية في المجتمع تطالب بحلها.

ووفقا للوائح المحكمة الدستورية العليا، فإنها لن تبدأ النظر في دعاوى حل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور إلا بعد 45 يوما من الآن، وهو ما يتيح للجمعية الانتهاء من أعمالها وإجراء استفتاء شعبي على الدستور الجديد وإقراره، قبل أن يصدر حكم من المحكمة الدستورية، التي يتهمها «إسلاميون» بأنها تتربص لإصدار حكم ببطلان الجمعية.

وشكل البرلمان «المنحل» جمعية من 100 عضو لكتابة دستور جديد للبلاد، هي الثانية بعد حل الأولى بحكم قضائي في أبريل (نيسان) الماضي، بسبب وجود أعضاء من البرلمان السابق بها. وتواجه الجمعية الحالية انتقادات كثيرة من القوى الليبرالية بسبب ما اعتبروه سيطرة للإسلاميين عليها، وأعلن عدد من القوى والأحزاب السياسية المدنية، بزعامة الدكتور محمد البرادعي رئيس حزب الدستور، وحمدين صباحي مؤسس «التيار الشعبي»، المرشح الرئاسي السابق، أمس تأسيس «جبهة وطنية من أجل ضمان دستور يعبر عن كل المصريين وعن روح ثورتهم».

وأقام عدد من المحامين والمراكز الحقوقية 43 دعوى قضائية مطالبين بحل الجمعية التأسيسية الثانية للدستور، التي يرأسها المستشار حسام الغرياني، وأكد الطاعنون أن التشكيل الجديد للجمعية جاء مخالفا لحكم محكمة القضاء الإداري الصادر ببطلان تشكيل اللجنة الأولى، حيث إنها ضمت من بين أعضائها أعضاء من مجلسي الشعب والشورى تحت ذريعة أنه مجرد تمثيل حزبي، وهو ما يعتبر التفافا على حكم المحكمة ومخالفته وعدم تنفيذه وإفراغه من مضمونه القانوني.

وقررت الدائرة الأولى في محكمة القضاء الإداري أمس، برئاسة المستشار فريد نزيه تناغو نائب رئيس مجلس الدولة، وقف الدعاوى الـ43 المطالبة بحل الجمعية التأسيسية، وإحالتها للمحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية القانون الخاص بمعايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية. وعقب إصدار الحكم تعالت الصيحات والتكبيرات ورفع الأذان، سواء من المدعين أو المدعى عليهم، وهتف المعارضون للحكم «يسقط يسقط حكم المرشد» و«الشعب يريد حل التأسيسية».

وبهذا القرار أصبح مصير الجمعية التأسيسية في يد المحكمة الدستورية العليا، التي أعلنت الأسبوع الماضي رفضها للمسودة الأولى لمشروع الدستور الذي أعلن مؤخرا، وقوبل برفض كبير.

وأثار قرار محكمة القضاء الإداري ردود فعل متباينة أمس بين أعضاء التأسيسية والقوى السياسية. وقال وحيد عبد المجيد المتحدث باسم الجمعية، إن المحكمة الإدارية أرادت بهذا القرار التخلص من مشكلة أمامها وانحازت للرأي الذي يرى أن قانون تشكيل الجمعية صحيح، وأهملت الرأي الآخر الذي يرى أن القانون منعدم وبذلك تكون المشكلة القانونية قد ألقيت في ملعب «الدستورية العليا»، مضيفا أن الأمر الأهم هو الانقسام الذي تشهده الجمعية من الداخل فلم يتم حتى الآن الوصول لتوافق حول مواد تعد أعمدة أساسية في الدستور، مؤكد أن التهديد الرئيسي للجمعية لم يعد من خارجها إنما من داخلها.

وكان عدد من أعضاء الجمعية، من بينهم المرشح الرئاسي السابق عمرو موسى، ورئيس حزب غد الثورة أيمن نور، قد أعربوا عن عدم ارتياحهم لتوزيع مجموعة مواد لا تزال في معظمها مطروحة للنقاش باعتبارها مسودة للدستور. وقال أعضاء التأسيسية، في بيان لهم أمس «هذه المسودة تتضمن نصوصا لم نوافق على عدد كبير منها، وإن هناك نصوصا مؤقتة تحتوي على أفكار تتداول، ولم تصل إلى مرحلة التوافق عليها، بل إن هناك نصوصا لا يمكن لنا قبولها باعتبارها تخرج عن أنماط الدساتير وصياغتها ورصانتها».

من جانبه، أكد النائب الإسلامي السابق عصام سلطان، أنه «بصدور حكم القضاء الإداري تكون الجمعية التأسيسية في مأمن تام من حالة التربص بل التغول عليها من قبل من لا يؤمنون بمبدأ الفصل بين السلطات»، موضحا، في بيان له أمس، أنه حتى لو أصدرت المحكمة الدستورية التي وصفها بـ«المتربصة» حكما بعدم دستورية القانون، وهو ما توقعه بـ«حكم أن بعض قضاتها أعلن رأيه في موضوع الدعوى صراحة قبل وصول ملف الدعوى لمبنى المحكمة»، فإن «حكم عدم الدستورية المتوقع يكون منصبا على القانون الذي أصدره مجلس الشعب وليس على الجمعية التأسيسية التي اختيرت بإرادة المواطنين، فالجمعية التأسيسية تستمد وجودها من إرادة المواطنين التي انتخبت نواب الشعب والشورى ثم قام هؤلاء بدورهم بانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية مباشرة استنادا إلى الإعلان الدستوري الصادر عام 2011».

وقال صبحي صالح عضو لجنة نظام الحكم بالجمعية التأسيسية إن «المحكمة الدستورية العليا هاجمت الجمعية واختصمتها في مؤتمر صحافي على الهواء وهو ما يجعلها الآن في مأزق لأنها تتصدى لقضية ولديها خصومة مع أحد أطرافها (الجمعية التأسيسية)».

وقال المستشار ماجد شبيطة عضو الجمعية التأسيسية إن «إحالة الطعون على الجمعية للمحكمة الدستورية العليا للفصل في نظر دستورية قانون انتخابات أعضاء الجمعية سيعطيها مهلة 45 يوما للانتهاء من الدستور، وهي المدة المقررة لهيئة المفوضية لوضع تقريرها حول القانون، مؤكدا أن هذه المهلة كافية للانتهاء من الدستور وإرساله إلى الرئيس محمد مرسي خاصة أن مدة عمل الجمعية تنتهي في 12 ديسمبر (كانون الثاني) المقبل».

إلا أن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان اعتبرت قرار المحكمة بـ«مثابة عودة إلى مربع الصفر مرة أخرى فيما يخص وضع الدستور المصري»، وطالبت بوقف أعمال جلسات الجمعية التأسيسية لحين الفصل في دستورية قانون إنشائها من قبل المحكمة الدستورية العليا، حتى لا تمارس الجمعية أعمالها في غيبة حكم القانون والقضاء.

وقال حافظ أبو سعده، رئيس المنظمة في بيان له أمس، إن «الجمعية التأسيسية فقدت مشروعيتها شعبيا، وبكل تأكيد لا تصلح لأن يصدر عنها دستور»، مؤكدا أن «كل من يحاولون تمرير الدستور، كمن يسعى لسرقة وطن بليل».