نعوم تشومسكي: صورة العالم الذي سنورثه لأولادنا ليست جميلة على الإطلاق

آلاف المصريين افترشوا جنبات الجامعة الأميركية للاستماع للمفكر العجوز

تشومسكي يلقي محاضرته بالجامعة الأميركية بالقاهرة
TT

تكدس آلاف من الشباب على مداخل المبنى الرئيسي القديم للجامعة الأميركية بالقاهرة، على بعد خطوات من ميدان التحرير، أيقونة ثورة 25 يناير في مصر، قبل ساعات من الموعد المحدد لمحاضرة المفكر الأميركي الشهير نعوم تشومسكي، بعد يوم من عودته من قطاع غزة.

وبدأ تشومسكي حديثه بالقول إنه على الرغم من سنه التي قاربت 84 سنة، فإنه لا يستطيع أن يتوقف عن التفكير في العالم الذي سنورثه لأولادنا وأحفادنا، فصورته ليست جميلة على الإطلاق، بسبب تزايد المخاطر الناتجة عن الأسلحة النووية والتغيير المناخي العالمي.

ووسط عدد من الشخصيات العامة، وجموع من الطلاب والأساتذة والمثقفين المصريين، ولساعة كاملة، تحدث الكاتب والمفكر الأميركي مساء أول من أمس (الثلاثاء)، معتليا منبر قاعة «إيورت» التاريخية بالجامعة الأميركية عن النظام العالمي الناشئ والربيع العربي. وأبدى عدد من الناشطين تذمرهم من صعوبة دخول محاضرة تشومسكي بعد إغلاق باب الدخول في الوقت الذي اضطر مئات من الحاضرين للتزاحم لساعات لمتابعة المحاضرة.

وأكد الكاتب الأميركي، أن الحلم النووي الإيراني لا يعتبر تهديدا للأمن والسلام العالمي إذا ما قورن بالتهديد الذي تمثله أميركا وإسرائيل وباقي الدول التي تملك بالفعل أسلحة نووية قادرة على تدمير العالم، وذكر تشومسكي أن مصر «مبارك» كانت أكبر الدول التي تضغط على إيران بسبب الملف النووي، وأشار إلى أن حل هذا الملف المعقد يتمثل في إيجاد عالم خالٍ من أسلحة الدمار الشامل، وليس عالما يمتلك فيه القوي أسلحة التدمير النووية ويمنعها من الضعيف.

وقال منتقدا عددا من السياسات الأميركية في المنطقة: «إن الولايات المتحدة تقتنع فقط بالديمقراطية التي تتماشى مع مصالحها وترفض تلك التي تتعارض مع سياساتها أو تضر بمصالحها».

وتناول تشومسكي، وهو أيضا أستاذ في علم اللغويات في معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا، مواقف الرؤساء الأميركيين المتلاحقين من قضايا الطاقة والبحث عن مصادرها، وهو ما فتح أعين الأميركيين على مناطق الشرق الأوسط بعد أن بدأوا يفقدون نفوذهم تباعا في أجزاء أخرى كانت تابعة بشكل شبة كامل في القرون الماضية لهم، مثل الصين ودول أميركا الجنوبية.

وتابع تشومسكي: «الأمر الأخطر بالنسبة للولايات المتحدة سيكون التحركات نحو استقلالية القرار في منطقة الشرق الأوسط، فصانعو القرار أدركوا منذ أربعينات القرن الماضي أن السيطرة على مناطق مخزون الطاقة في الشرق الأوسط لها علاقة كبيرة بالسيطرة على العالم».

وأشار تشومسكي إلى أن عددا من استطلاعات الرأي العام في العالم العربي أجرتها وكالات أميركية، تفيد نتائجها بأن أميركا لا تريد أن تعبر سياسات دول الشرق الأوسط كمصر وغيرها عن الرأي العام لشعوب المنطقة، وأنه على الرغم من أن هياكل الديكتاتورية في بعض دول الربيع العربي كمصر وغيرها ما زالت كما هي، فإن انتفاضة شعوب المنطقة مثلت مبعث قلق حقيقي للغرب.

وبنبرة صوت هادئة، استرسل تشومسكي في حديثه، موضحا أن الولايات المتحدة كانت للسبب السابق تدعم الأنظمة الديكتاتورية السابقة على عام 2011، كذلك فعلت تونس مع نظام زين العابدين بن علي قبل ثورة الياسمين إلى أن أصبح من المستحيل الاستمرار في هذا الدعم، ولفت إلى وجود محاولات لإعادة بناء النظم القديمة في الدول التي شهدت تغيرات تتجه نحو التحول الديمقراطي، ضاربا مثلا بموقف أميركا من الانتخابات الفلسطينية في عام 2006، التي وصفها المراقبون بأنها أول انتخابات نزيهة وحرة في الوطن العربي، والتي جاءت نتيجتها بفوز حركة حماس، حيث حاولت أميركا وإسرائيل دفع نتيجة الانتخابات نحو مرشحهم المفضل، ونتيجة لمخالفة توقعاتهم، اتجهوا بمساعدة الاتحاد الأوروبي لمعاقبة الشعب الفلسطيني، زاعمين انتهاكه الديمقراطية عن طريق التصويت، الذي لم يأتِ كما ترغب أميركا، التي سارعت في الإعداد لانقلاب عسكري للإطاحة بالحكومة التي لا تستهويها.

وبينما امتلأت أقدم قاعات الجامعة الأميركية بحيث لم يكن هناك مكان لقدم، التي كانت في السابق مقرا لجامعة القاهرة وعرفت باسم سراي الخواجة نستور جناكليس، أبى طلاب الجامعة وعدد من الشباب المصريين إلا أن يفترشوا ساحات وحديقة الجامعة الأميركية مستمعين إلى محاضرة تشومسكي عبر شاشة عرض كبيرة، حيث استغرق المفكر الأميركي، الذي اشتهر بكتاباته عن البروباغاندا السياسية ودراساته في السيطرة على الإعلام، في سرد تاريخ الهيمنة الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وبداية الحرب العالمية الثانية، مرورا بالهيمنة النووية والتفوق العسكري اللذين اعتبرهما تشومسكي بداية لاعتلاء الولايات المتحدة مركز القطبية في العالم.

وتجمع أمام أسوار الجامعة وبشارع محمد محمود، الذي يحمل كثيرا من ذكريات الثورة المصرية وما بعدها، شباب صغار ربما لا يعلمون شيئا عن تشومسكي، إلا أنهم ذهبوا يخلدون أسماء وصور شهداء الثورة على الأسوار، في الوقت الذي أكد فيه تشومسكي أن الربيع العربي الذي طال عددا من دول المنطقة لم يكن بتخطيط مسبق من قوى كبرى، بقدر ما بدأت مؤشراته في الظهور منذ أمد بعيد، وغفلت عنها هذه الحكومات.

وتحدث تشومسكي عن تراجع قوة الولايات المتحدة الأميركية، التي كانت وصلت إلى ذروتها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، إلا أنه أكد أنها لا تزال تسيطر على ثلاثة أرباع السوق العالمية، وتعد أكبر قوة عسكرية في العالم بلا منازع، مشيرا إلى أي قوى تبغي السيطرة على العالم ستضطر إلى إعطاء المزيد والمزيد من الاهتمام لمنطقة الشرق الأوسط.

وتابع تشومسكي شرحه لمظاهر تداعي القوة الأميركية في العالم من خلال ما يعرف بفقدان الصين، في عام 1949، عندما أصبحت الصين مستقلة وخرجت عن نفوذ أميركا، كذلك ما يسمى بفقدان أميركا الجنوبية، ويقصد به النزعة الاستقلالية في بلدان القارة التي تحركت بشكل أكبر نحو التكامل وطرد القواعد العسكرية الأميركية، بعدما كانت تعتبر باحة أمان خلفية للولايات المتحدة.