لوحات فنية إبداعية تستلهم روح المعاصرة والحداثة في كتابة الخط العربي

13 خطاطا بارزا في 50 لوحة في «معرض المعاصرة» بدبي

جانب من المعرض
TT

ينظم مركز دبي لفن الخط العربي «معرض المعاصرة» في «آرا غاليري» بداون تاون إعمار بوليفارد، وبمشاركة نخبة من الخطاطين المميزين والمختصين في مجال الخط الحديث.

وتتميز معارض وأنشطة المركز بأنها ذات نهج أكاديمي وموضوع فني متخصص، فكان أول معرض له بعنوان «البسملة»، وتلاها في يناير (كانون الثاني) 2009 سلسلة محاضرات بعنوان «الخط العربي في الحقبة العثمانية»، قدمها الخطاط الدكتور سليمان برق، ثم معرض «المشق»، في أكتوبر (تشرين الأول) 2010، بعدها كانت ندوة في فن الخط العربي شارك فيها أبرز الخطاطين الأكاديميين في أبريل (نيسان) 2011.

أما المعرض الحالي فيعرض خلاله 13 خطاطا نحو 50 لوحات فنية إبداعية تستلهم روح المعاصرة والطريقة الحديثة في كتابة الخط العربي، ويضم أعمالا للخطاطين تاج السر حسن (السودان)، وحسن المسعود (فرنسا)، وخالد الجلاف ومحمد مندي (الإمارات)، وخالد الساعي ومنير الشعراني (سوريا)، وشيرين عبد الصابر (مصر) وعمر الجمني (تونس)، وغيرهم. وتتميز هذه الأعمال بالحداثة والمعاصرة من ناحية الألوان والتشكيل للحروف العربية، حيث تحمل جميع اللوحات بصمة للفنانين الذين تم اختيار أعمالهم بعناية فائقة للمشاركة في معرض يستظل تحته مجموعة من اللوحات التي تجمعها أصالة الخط العربي والنهج الحديث في استخدام الألوان والتصاميم.

رئيس مجلس إدارة مركز دبي لفن الخط العربي، مروان بن بيات، صرح لـ«الشرق الأوسط»، قائلا: «للحرص على تسليط الضوء على تاريخ الخط العربي ومميزاته ووسائله، بالإضافة إلى أساليبه الحديثة، جاء معرض (المعاصرة) سادس فعاليات المركز ليحمل بين طياته مفهوم الحداثة والانتقالية التي أوجدها هذا النوع من الخط بطابع معاصر وحديث، وبدأ يميل له كثير من الخطاطين العالميين والمحليين. ويسعى المركز إلى جذب جميع الخطاطين من مختلف دول العالم، وجعل دبي المركز الرئيس لالتقاء الخطاطين والاحتكاك الإبداعي». وتبين موزة محمد العبار المؤسسة لمعرض «آرا غاليري» الذي أقيم فيه عرض اللوحات، لـ«الشرق الأوسط» بعض المعلومات عن المعرض، فتقول: «المعرض يسلط الضوء على لوحات كبار الخطاطين الذين اتجهوا للطابع الحديث».

وتضيف أنه سيمنح فرصة لزواره للالتقاء بالخطاطين المشاركين الذين سيوجدون في أيام المعرض للتعرف أكثر إلى النمط الذي تم استخدامه في كل من اللوحات المشاركة، والتعرف عن قرب إلى الخطاطين الذين وضعوا بصمة فريدة في مجال الخط العربي.

اللوحات التي عرضت امتازت بالألوان والأشكال والزخارف الإسلامية كما بين الخطاطون المشاركون في أحاديثهم لـ«الشرق الأوسط». وكانت أغلب الآراء تصب في أن كل فنان يجتهد لوضع بصمته، على أن يقوم كل منهم بشرح التفاصيل للزوار فيما يتعلق بأساليبهم وطرقهم التي استخدموها في لوحاتهم الفنية، ذلك النهج الحديث الذي بدأ يجذب كثيرا من المهتمين في مجال الخط العربي والفنون المصاحبة له.

وفي نظرة سريعة لمحتويات المعرض، نجد أنه ضم عددا من الأفكار والنماذج التي انتهجها المشاركون، فهناك لوحات امتازت بخليط من الألوان كما هو الحال مع العرض الذي قدمه الخطاط حسن المسعود (فرنسا) حيث قدم لوحات مختلفة امتازت بتمازج الألوان، بالإضافة إلى خطوط مميزة وتضمنت لوحة بعنوان «إن تتوفر الإرادة يسهل التنفيذ» وأخرى بعنوان «لا يستطيع أي إنسان أن يأخذ مكان إنسان آخر» ولوحتين مماثلتين بالخط الحر.

أما الخطاط تاج السر حسن من (السودان) فقد استنبط معظم لوحاته المشاركة من رباعيات الخيام مازجا الخط الكوفي بالحروف اللاتينية ومستخدما ألوان الأكريلك على القماش المخصص لهذا النوع من الفن العريق. بالإضافة إلى أعمال الخطاط خالد الجلاف (الإمارات) التي خط فيها أعماله بالخط الكوفي القيرواني والنيسابوري والأندلسي مصورا بعضا من الأذكار والحكم بتدرجات الألوان المعاصرة.

وبأعمال الخط الجلي الديواني، أبدع الخطاط خالد الساعي (سوريا) لوحات امتزجت فيها الألوان المائية المتداخلة منها الأخضر والأسود بخطوط معاصرة. وأعمال الخطاطة شيرين عبد الصابر (مصر) التي مزجت بين خط الثلث والخط الكوفي في تجسيد بعض من الحكم. وأعمال صباح الأربيلي (بريطانيا) الذي خط سورة الفاتحة في سطر واحد على الورق الطبيعي المعالج بخط الثلث ونص شعري بخط الإجازة.

ومرورا بدولة الكويت، استخدم الخطاط علي البداح الخط الكوفي القيرواني بألوان مائية متمازجة في كتابة البسملة. وأعمال المبدع الخطاط علي طوي (تركيا) الذي خط اسم النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بالخط الكوفي التربيعي مستخدما لونين كحد أقصى في كل لوحة من لوحاته الخمس المشاركة في المعرض.

أما الخط الكوفي المغربي فقد غلب على أعمال المشارك عمر الجمني (تونس) حيث خط عددا من آيات القرآن الكريم. في المقابل استخدم محمد امزيل (المغرب) ألوان الأكريلك المذهبة في لوحته بعنوان «انفراج». الخطاط محمد مندي (الإمارات) حوال استغلال عدد من الكلمات التي قالها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في مناسبات مختلفة، وحاول تجسيدها بصورة تحلت بالمعاصرة في استخدام الخط العربي الأصيل.

ويصف الفنان حسن المسعود لـ«الشرق الأوسط» الأجواء بقوله: «إنها لفكرة رائعة أن يجتمع فنانو الخط العربي الجديد في جعل الأعمال المعاصرة المحور الرئيسي الذي تستند إليه الأعمال، مع احترام الأساليب القديمة للخط. وتُعد دبي المقر الأمثل لاستقبال هذا المعرض الذي يجمع إبداعات وابتكارات مجموعة من الخطاطين القديرين. إن الابتكار شيء صعب يحتاج لمناقشات عدة بين الفنانين والجمهور ومن خلال عمل المعرض والندوة المصاحبة يتمكن الفنان من تطوير ذاته واستقبال الآراء البناءة».

وصاحب المعرض ندوة «المعاصرة» التي شارك فيها مجموعة من أبرز أساتذة فن الخط العربي الحديث الذين تحدثوا عن أهم المواقف التي واجهوها خلال مسيرتهم الفنية وما استنتجوه من خلالها لتبادل الخبرات والأفكار.

شارك في الندوة، التي نظمها مركز دبي لفن الخط العربي بالتعاون مع مجلة «حروف عربية»، ضمن إطار برامج تظاهرة «عالمية الخط العربي» في دورتها الثالثة، خطاطون متخصصون قدموا محاضرات متنوعة في المجال، منهم الإماراتي خالد الجلاف، الذي أدار الندوة بالإضافة إلى تقديمه ورقة بعنوان قدم ورقة بعنوان «مدخل إلى الحداثة» والإسباني ميغيل خوسيه، بورقة عنوانها «خطوط قصر الحمراء»، والعراقي حسن المسعود، بورقة عنوانها «الخطاط العربي في باريس»، أما السوداني تاج السر حسن فقدم ورقة بعنوان: «التجديد في الخط العربي».

وجاءت الآراء التي ألقاها المحاضرون متنوعة وتحوي كثيرا من المعلومات، وتطرق الإماراتي خالد الجلاف في موضوع مشاركته، عن مشروعه في تقديم الحداثة ضمن حقل فنون الخط العربي، بدءا من التقليد، ثم المحاكاة والتعلم في الخط التقليدي، وعقبها، البحث عن الذات والأسلوب المختلف، مشيرا إلى موضوع فن الخط والحروفية، من خلال التعمق أكثر في الفنون المختلفة.

وركز أيضا، على كون الحداثة تأتي من خلال المزج بين عناصر: اللون والخط والعمارة الإسلامية والعربية والمحلية، مؤكدا على ابتكار الفنان العربي لمصادر جديدة في فن الخط، عبر البحث في الفنون الأخرى. من جهته، تطرق ميغيل خوسيه إلى أهمية ازدهار فنون الخط العربي في الأندلس، إذ استعرض تميز فنونه في قرطبة وغرناطة، كما في مدن الشمال الإسباني. وأشاد الخبير الإسباني بالعمارة الإسلامية التي أبدعها المسلمون في الجامع الأموي في غرناطة، بما فيها من زخارف ولوحات فسيفساء وآيات قرآنية، معترفا، في هذا السياق، بتأخر بلده في استقبال الخطاطين العرب.

واستعرض حسن المسعود، في مشاركته، ملامح تجربته الخاصة في حقل فن الخط العربي، التي تمتد على مدار 43 عاما. وأكد في حديثه أن تعلم فنون الخط العربي والإجادة فيها، يتطلبان زمنا طويلا. ثم شرح أبرز محطات وخلاصات وفوائد رحلاته إلى القاهرة وإسطنبول ومراكش، بغرض اكتشاف أصول الخط العربي.

وتوسع المسعود في بيانه سمات مذهبه الإبداعي في فنون الخط العربي، الذي وصفه بالمبني على النهل من تجارب الأسلاف من الخطاطين. وذكر بعدها أنه لم يعرف قيمة الخط العربي وفنونه، إلا عندما اكتشف كنوز الكلمة وإمكانات رسمها بطرق مختلفة، موضحا أنه اقتطف الأقوال وقام بخطها من جميع الثقافات، كي يقدمها في عاصمة ثقافية عالمية، مثل باريس، مستفيدا بهذا من الشعراء والمسرحيين. بينما خاض تاج السر حسن في سبر أغوار تجربته، من خلال التعمق في مكنون فنون الحرف العربي، مبينا أنه بقي يحافظ على الخط التقليدي إلى أن اكتشف مظاهر التجديد، فيما بعد. ولخص ماهية الرموز التي تجمع الخط والرسم، مشيرا إلى تجربته التي تجمع بين الفنين: الرسم والخط، وكذا ابتكاره الضوء في الحرف العربي، إذ كون وشكل بهذا أسلوبا خاصا به.