مصابو ثورة سوريا.. أعاقهم بشار وضمد الحج جراحهم

أجساد حجاج الجيش الحر لوحات إرشادية

TT

بعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، تكلمت أجساد السوريين ألما قبل ألسنتهم، وتركتهم ويلات الحروب كساحى، ينهش أجسادهم دوي الرصاصات، وقذائف قاذفات راجمات.

كان وراء بطء حركة الحاج تيسير بكر الدمشقي مأساة لفظها الألم نفسه، فندوب الرصاصات التي اخترقت ساقيه كانت بمثابة اللوحات الإرشادية لـ«جادة الألم» ولعنات الحروب.

دموع وجنتي الدمشقي جنحت بمأساتها في مئذنة الشحم، ذلك الحي الدمشقي القديم التي تزينت نوافيره طوال قرون فائتة وهي تشتهي شم الزيزفون والكباد وأعذاق العنب، لتعانق حينئذ جسده المرخى الذي اشتدت عليه الإصابات والإعاقة كما تشتد الزيم في أوانها.

ولا مواربة ولا صدفة في أن يقاسم تاريخ مئذنة الشحم تاريخ اسمه نزار قباني، الشاعر الذي حبلت به حارة مئذنة الشحم ليكون للكارثة شهود من الشعر والبيان، فلم تعتد «قطة البيت تغفو حيث ترتاح» كما يرويها الشاعر الدمشقي، بل حيث «تجتاح»، ضاربة مآسي تحدثت عن انتهاكات للأعراض في جادته كما يرويها بألم الحاج المكلوم.

كان للحاج السوري الذي تلقفته قطارات المشاعر المقدسة، ورحمته من وطء الأرض، أزهى معالم الالتفافة، فلم تعد ساقاه اللتان أتخمتا رصاصا إلا ذاكرة للأسى. في هاتين الساقين تلافيف «حرية»، ومعارك جسد أبى أن تداس كرامته ضد نظام بشار الأسد الذي يصفه تيسير بأنه ستاليني المخلب، جهبذ الجريمة.

«الناس تأكل أجسادها رغائف الخبز، والسوريون يتجرعون البارود»، بهمهمة لا تخفى على حاذق، تقدمت مفردات الحاج السوري، مكتنفة تاريخا اسمه «دمشقيات»، وهو يحكي فصول معاناته للوهلة الأولى من دمشق، حين كان مع أسرته قائما على رعاية الأرامل السوريات اللائي توفي أزواجهن جراء تعذيب النظام السوري في دمشق.

يحكي تيسير ذو العقد الرابع من عمره بأنه سيق إلى فرع المخابرات في دمشق فردا، تحت وطأة التعذيب بتهمة دعمه للجيش الحر، مستلهما حديثا قاله له أحد الشبيحة بعد سيل جارف من التعذيب: «سأقوم بتصوير كل ما جرى في هاتفك، ليكون تاريخا لا ينسى في حياتك».

قاد التعذيب المرير، الذي يرويه تيسير صوتا وصورة من هاتفه، فكره نحو الالتحاق بأعقاب الجيش الحر، الذي توسع نشاطه بعد ذلك في مناطق عدة من سوريا، ليقدم له الأخير تسهيلات المرور نحو الأردن الذي أمضى به ما يقارب الشهر، في عمّان، علاجا متواصلا لآثار الرصاصات الأربع في ساقيه، التي خلدت ذكرى الكرامة والسؤدد.

ومن ثرى الأردن، اشترى تيسير «فيزا» الدخول بـ8 آلاف دولار، وهي قيمة اضطر كما يقول إلى دفعها، جراء دخوله في مضمار سماسرة متصل، خلصت فيه المباحثات نحو رسم الدفع مع الإكراه بعد أن أمن إرسال أسرته إلى لبنان، حفاظا على أرواحهم التي يتوق النظام السوري لسحقها ووأدها.

وفي السعودية قادته الصدف للقاء أحد السعوديين في مكة المكرمة، الذي أسكنه في حي العوالي لعمارة يمتلكها شريطة خروج الحج، وواصل مع مستضيفه واجب الضيافة حين ابتاع له «إسوارة» القطار كنوع من تأمين وسائل النقل، والتي كفلت له حرية التنقل من مشاعر العاصمة المقدسة وسهلت له مشاوير الذهاب لرمي الجمرات طيلة أيام التشريق في يسر وسهولة.