وافد سياسي جديد يثير الرعب بين الحزبين الرئيسيين في الهند

أرفيند كيجريوال قرر تحويل نشاطه الاجتماعي إلى حزب وبدأ بفتح النار على الحكم والمعارضة

كيجريوال يتحدث أمام أنصاره في نيودلهي في 13 من الشهر الحالي (أ.ب)
TT

في الهند، حيث يعد العمل السياسي مرادفا لأسر سياسية محصنة وصل الكثير منها إلى الجيل الرابع أو الخامس وما زال متشبثا ببقايا السلطة، فإن قيام شخص من خارج هذه الدائرة بتأسيس حزب سياسي لمحاربة الفساد في الحياة السياسية العامة يعتبر بمثابة ثورة كبيرة. فقد أعلن أرفيند كيجريوال (44 عاما)، وهو مسؤول حكومي سابق تمكن من الفوز بجائزة «ماغسايساي» في مجال الخدمة العامة، عزمه الوقوف في وجه النظام السياسي في البلاد، ولم يجد فرصة أفضل من تاريخ الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) للقيام بذلك، وهو اليوم الموافق لذكرى مولد بطل كفاح الهند من أجل الحرية والأب الروحي للأمة المهاتما غاندي. وأثناء الإعلان عن تأسيس حزبه الجديد، صرح كيجريوال أمام حشد من أنصاره وجيش من المصورين «إننا نعلن أن شعب هذا البلد سيتدخل من اليوم في النظام السياسي الانتخابي. أيها الفاسدون، لقد صارت أيامكم معدودة».

وتدور «وثيقة الرؤية» الخاصة بمؤسسته السياسية حول تغيير شكل الحياة السياسية، والانتقال من الاحتجاج الشعبي إلى سلطة الشعب، وتغيير طرق الحكم، ووضع حد لثقافة تمييز الشخصيات المهمة، وتعزيز دور المجتمعات المحلية. وقد دافعت «وثيقة الرؤية» هذه عن دخول معترك الحياة السياسية بهذه الكلمات «السياسة هي خشبة المسرح الرئيسية للنظام الحالي، المسرح الذي يتشكل فيه النظام أو لا يتشكل. والمرء عليه أن يقبل بتحدي الصعود على هذا المسرح».

وعلق المحلل السياسي يوغيندرا ياداف على هذه الخطوة بقوله «يعتبر الإسهام المهم لحركة كيجريوال هو إشراك الطبقات المتوسطة وتمكينها. فقد ظلت الطبقة الوسطى المتعلمة في الهند تشعر بالتهميش داخل الحياة السياسية العامة، أما الآن فقد أصبحت تشعر بأن لديها صوتا له قيمة. هذا الحزب الجديد قد يصبح الوسيلة والأداة التي كانت الحركات الشعبية تفتقر إليها».

كان كيجريوال مساعدا سابقا لأنا هازاري (75 عاما)، وهو ناشط قديم مناهض للفساد اختلف معه كيجريوال حول مسألة الانخراط في السياسة، حيث إن كيجريوال يمتلك قدرة متميزة على أن ينهل من ينبوع الغضب الذي تشعر به الطبقة المتوسطة في الهند ضد حكامها، بينما يصف هازاري السياسة بأنها «قذارة». ويقول كيجريوال حول هذه النقطة «إذا انتظرنا، فإن الساسة سوف يبيعون البلاد».

ومنذ أن أطلق حزبه السياسي هذا الشهر، أقدم السياسي المبتدئ كيجريوال على ما لا يمكن تصديقه، حيث وجه أصابع الاتهام إلى روبرت فادرا، زوج ابنة سونيا غاندي زعيمة حزب المؤتمر الحاكم، بسبب تجميعه ثروة ضخمة في فترة زمنية قصيرة من خلال صفقات عقارية مشبوهة. وقد رد فادرا على فريق كيجريوال في رسالة وضعها على موقع «فيس بوك» وصفهم فيها بأنهم «مجموعة من تجار المانجو في جمهورية الموز»، مما أثار استياء الصحف والقنوات التلفزيونية وصب على رأسه غضب المواطنين من عجرفته وغروره، حيث فات على فادرا أن والدة زوجته ترأس الائتلاف الحاكم لما يصفه هو بجمهورية الموز. وقد تم إغلاق حسابه على موقع «فيس بوك» في اليوم التالي، ولزم هو جانب الصمت منذ ذلك الحين. ودخل مصطلح «تجار المانجو» القاموس السياسي هناك، حيث درج محررو الصحف ومذيعو التلفزيون على استعماله للإشارة إلى احتقار الدوائر السياسية للمواطنين الذين يصلون بها إلى المناصب بفضل أصواتهم الانتخابية.

ومع انفتاح أبواب جهنم، أصيب كل من حزب المؤتمر الحاكم، وحزب بهاراتيا جاناتا (المعارضة الرئيسية في البلاد) بحالة من الصدمة، حيث لم يفاجئهما ما يقال عن فادرا بقدر ما فاجأتهما جرأة كيجريوال، فالوافد الجديد على الحياة السياسية قد خرق لتوه «قانون الصمت» الذي يحكم السياسة في الهند وينص على عدم توجيه الانتقادات إطلاقا إلى أقارب كبار المسؤولين على الملأ. كما جعل كيجريوال وزير العدل الهندي سلمان خورشيد يتلعثم، وهو يشرح ما حدث لآلاف الدولارات التي كانت مخصصة للأعمال الخيرية، بالإضافة إلى اتهام زعيم بهاراتيا جاناتا نيتين جادكاري بانتزاع الأراضي من المزارعين، وتحديه لرئيس الوزراء في مناظرة علنية عن ظاهرة الفساد.

ويقوم مذيعو القنوات التلفزيونية بسلخ المسؤولين والساسة - وكذلك ممثليهم - بالأسئلة على الهواء مباشرة، وبدأت الأحزاب تندفع لنفي المخالفات المنسوبة إليها أمام أضواء التلفزيون، وتشعر الدوائر السياسية في الهند بغضب شديد من جماعة كيجريوال بسبب خرقها لقانون الصمت غير المكتوب المعمول به بين أفراد المافيا السياسية. وعندما برزت الحركة الشعبية لمحاربة الفساد إلى النور لأول مرة قبل عامين، كان ذلك بمثابة مفاجأة كبيرة بالنسبة للحكومة والأوساط السياسية، وحاول كثيرون من كلا جانبي مجلس النواب إظهار تأييدهم لها، بل إن البعض اقتسموا المنصة لفترة قصيرة مع أنا هازاري وهو صائم أمام الخلفية العملاقة للزعيم الخالد المهاتما غاندي من أجل الإدلاء ببعض التصريحات التلفزيونية. والآن وقد تمخض عن حركة محاربة الفساد حزب سياسي برئاسة كيجريوال، فقد أعلنت الدوائر السياسية الحرب.

ويتمتع الساسة العاديون بخبرة كبيرة وجذور عميقة في أسلوب الضرب تحت الحزام، فهم أساتذة في تحريك الشارع والاستعانة بالبلطجية واستغلال المال في السياسة، وهم مصممون على إبادة حزب سياسي مطلبه الوحيد هو إقامة حياة سياسية نظيفة، وهو من وجهة نظرهم تناقض عبثي في الهدف. وقد ذكر كيجريوال في مؤتمر شعبي عقد مؤخرا «نريد أن نثبت أن كلا الحزبين السياسيين الرئيسيين، حزب المؤتمر وحزب بهاراتيا جاناتا، غارق في الفساد. إنهم جميعا متورطون في هذا».

وفي وقت يعاني فيه المواطن العادي من وطأة تفشي الفساد، فإن هناك شيئا يبعث على الرضا في رؤية الأقوياء والوجهاء وهم ينكشفون. والكثير من الهنود سوف يتفقون مع الملحوظة التي أبداها كيجريوال بأن الأحزاب السياسية التي ابتليت بالفضائح في البلاد قد صارت آلات مصممة من أجل «تحويل المال إلى سلطة ثم إعادة تحويل السلطة إلى مزيد من المال». وتقول مصادر في حركة «الهند ضد الفساد» إن الحركة لديها مزيد من الأهداف السياسية، إلا أن خطتهم الكبيرة الأخرى تقوم على استهداف مسؤولي الشركات بعد ذلك، حيث يتم حاليا جمع بيانات عن النافذين الذين لديهم مصالح في شركات النفط والغاز الطبيعي، بل قد تم تسليم مستندات وأوراق عن عمليات نصب تمت في جميع أنحاء البلاد إلى الجماعة، وهناك إحساس بأن الأفراد الذين لم يكن من الممكن من دون ذلك أن يتكلموا أو يتحركوا في حالات معينة سوف يتشجعون على القيام بذلك الآن.

ومن يعرفون كيجريوال منذ سنواته المبكرة كناشط يقولون إن لديه طموحا مفزعا ورغبة دائمة في الوجود في بؤرة الأضواء، وما من شك في أن الأعمال الجريئة التي أقدم عليها مؤخرا قد تمت إدارتها بحيث تنتزع أطول وقت ممكن على شاشات التلفزيون.

وكان كيجريوال يذكر باستمرار أن دخوله الحياة السياسية ليس بهدف الفوز أو الخسارة في الانتخابات، بل بهدف تغيير الطريقة التي تسير بها الحياة السياسية في البلاد، بحيث تصبح متمركزة حول الناس وقائمة على المشاركة، بدلا من أن تتحرك في اتجاه من أعلى إلى أسفل. وسوف يخوض الحزب أول اختبار له في الانتخابات التي ستجرى في مدينة نيودلهي العام المقبل، وهناك إحساس بين أعضاء الحزب بأنه إذا أبلى بلاء حسنا في نيودلهي فإنه سيفعل الشيء نفسه في أي منطقة أخرى من البلاد.

ومن أجل المحافظة على استمرار حملته إلى أن يحين موعد الانتخابات، التي سيتم فيها اختبار تأثير كيجريوال، سيتعين عليه أن يضمن أن يكون متقدما دوما بخطوة واحدة عن حزب المؤتمر وحزب بهاراتيا جاناتا، وأن يحافظ على تدفق مستمر من الأفكار الجديدة، وألا تزل قدمه أثناء تسلقه إلى ارتفاعات أكبر.