بمناسبة العيد.. بيروت تتخلص من طابع الحرب في يوم وليلة

الشوارع والطرقات والأسواق استعادت الفرح والحركة

طفل يستمتع بالعيد فوق صهوة جواد في بيروت (أ.ف.ب)
TT

قد لا تصدق أن طرقات وشوارع العاصمة اللبنانية بيروت، وبعض المدن الأخرى، التي ارتدت قبل أيام قليلة زي الحرب، وقُطع معظمها بفعل المناوشات المسلحة أو الإطارات المشتعلة، هي نفسها بيروت فرحة العيد.

وبعدما خيم السكون المتوتر على عدد من الأحياء مع ظهور الوجود المسلح، ومن ثم حواجز الجيش وآلياته العسكرية، إثر «تفجير الأشرفية» الذي ذهب ضحيته رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن ومرافقه، أسدل الستار على أجواء الحزن والاحتقان في يوم وليلة.. وكأن عصا سحرية لامست بيروت ومدنا أخرى مثل طرابلس (عاصمة الشمال) وصيدا (عاصمة الجنوب). وما إن اقترب موعد عيد الأضحى المبارك، وبالتحديد عشية الاحتفال به، انقلبت الأحوال الميدانية فجأة، وازدحمت الشوارع بالناس والسيارات وارتفعت وتيرة التسوق في مختلف المناطق، وعاد اللبنانيون يضغطون على أبواق سياراتهم للتعبير عن تعجّلهم فتح الطريق أمامهم بسرعة. حتى قيل إن بعض الأحياء في طرابلس، وعلى الرغم من الاشتباكات التي وقعت بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة، شهدت نشاطا ملموسا في أسواقها حيث حرص المواطنون على شراء كل متطلبات الاحتفال بالعيد.

في بيروت، في جولة سريعة بشارعي الحمراء وفردان الرئيسين تلفت الزائر الأعداد التي تؤم أسواقها من هنا وهناك، متنقّلة أمام واجهات المحلات لتقتصر جولة البعض على مجرد سؤال يتعلق بالأسعار قبل أن يكملوا طريقهم بيدين فارغتين، بينما يعود البعض الآخر وهو ينوء تحت أكياس المشتريات. وهنا يتبين أن معظم المشترين من المواطنين السوريين الموجودين في ضيافة لبنان.

ولأنه يصعب استيعاب ما يجري حقيقة على الأرض، لاختلاف المشهد بين لحظة وأخرى، تقترب من أحد الباعة مستفسرا فيأتيك الجواب الشافي شارحا أن اللبناني «مهما بلغت معاناته فهو مقاوم شرس للحرب، ويحاول أن يستغل أوقات السلام ولو للحظات لأنه يحب الحياة».

في حين يقترب بائع ملابس رجالية في المقابل ليقول: «لا تصدّق ما تراه عيناك.. القصة كلّها في رأيي (حركة بلا بركة)، والدليل على ذلك أنني لم أستفتح ببيعة واحدة حتى الآن».

أما نانسي خزام، التي التقتها «الشرق الأوسط» في مركز «أ.ب.ث» التجاري في حي الأشرفية البيروتي فقالت: «لماذا لا نحتفل بالعيد طالما أننا ما زلنا أحياء في هذا البلد؟ هذا السبب وحده كاف لدفعنا إلى الاحتفال بالعيد وكأنه عيدان». إنها فلسفة عميقة يقدر ما هي بسيطة.. فالناس صاروا يعتبرون الصمود أمام الحرب أو الموت (من دون شك) نعمة تستحق الاحتفال بها.

كل شيء اختلط بعضه بعض في موسم العيد هذا العام في لبنان، إن لجهة الاحتفالات الفنية التي أبقى بعض أصحاب المطاعم والفنادق على برامجها الخاصة، في حين اضطر آخرون لإلغائها لأن الفنانين المشاركين فيها أو متعهدي الحفلات الذين يقفون وراء تنظيمها خافوا من تكبّدهم خسائر مادية كبيرة بسبب نقص الحجوزات المشجعة لحفلاتهم في ظل الأحوال الأمنية المضطربة في البلاد.

على صعيد مختلف، دخلت مسيرات بيضاء من هنا وإضاءة شموع من هناك أيضا ضمن نشاطات العيد، مع أنها في الأساس نظمت لأهداف أخرى، منها التضامن مع المتضررين من تفجير الأشرفية، غير أنها في الواقع تلامس معاني العيد الحقيقية، لا سيما أنها تقام أثناء الاحتفال به.

اللبنانيون، على الرغم من كل شيء، لم ينسوا التقاليد المرافقة لعيد الأضحى، إذ أقبل سكان بعض المناطق اللبنانية في البقاع والشمال وسكان منطقتي المزرعة والصنائع في بيروت على شراء الخراف لذبحها كأضحية تقدم لحومها على مائدة العيد، ويوزع قسم كبير منها على المحتاجين والفقراء. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» أشار خليل، وهو جزّار يملك محلا لبيع اللحوم في منطقة الصنائع بغرب بيروت، إلى أن الموسم الحالي «يشهد إقبالا ملحوظا على شراء الأضاحي التي يبلغ سعرها المتوسطي للخروف الواحد 300 دولار أميركي»، موضحا أن «هذا التقليد لم يغب عن أهل بيروت أيام العيد، في مختلف الظروف التي عاشوها لأنه فريضة دينية.. ويحرص أهل بيروت على جانبي الشراء والتوزيع على المحتاجين».

وفي هذه الأثناء، لم تغب كذلك الصفوف الطويلة لسيارات الزبائن أمام محلات الحلويات للحصول على حلويات العيد من «المعمول» بالجوز والتمر والفستق، بينما قدّم أصحاب «السوبر ماركت» عروضا خاصة للمناسبة هي عبارة عن صناديق خشبية صغيرة تحتوي على مجموعة من الحلويات الشرقية مثل «معمول العيد» والبقلاوة، وكذلك قطع الشوكولاته، التي لا تتجاوز أحجامها حجم حبة الجوز.

وأخيرا وليس آخرا، لأن عيد الأضحى التقى بموعده مع مناسبة «الهالوين» التي يحتفى بها في البلدان الغربية، دعت شركة «سوليدير» لوسط بيروت إلى احتفالات ينظمها أصحاب المحلات التجارية في منطقة الصيفي على الواجهة البحرية للعاصمة اللبنانية أول أيام العيد ويعود ريعها لمساعدة ضحايا الأشرفية.

ولقد تقرر أن تشهد حفل موسيقى جاز حيّا تحييه فرق محلية، إلى جانب استعراضات وألعاب لشخصيات «الهالوين» يتخللها تقديم هدايا العيد وحسوم تجارية خاصة يحصل عليها المشاركون في الاحتفالات المذكورة من المحلات المنظمة لها. وأيضا استفاد بعض أصحاب الفنادق من تزامن العيد مع «الهالوين» فدعوا إلى حفلات تنكّرية يقيمونها بالمناسبة تلزم المشاركين فيها بوضع الأقنعة وتمضية سهرة لا تشبه سابقاتها.. يتخللها التسلية والضحك وتقدم فيها وجبات الطعام.