شوارع القاهرة تتأهب لوداع «السهر»

قرار يلزم المحال التجارية بالإغلاق في العاشرة مساء يثير جدل المواطنين

وسط القاهرة يجذب الزوار وهواة السهر حتى الساعات الأولى من الصباح
TT

لا أحد يعرف بالضبط متى سيدخل قرار إغلاق المحال في تمام العاشرة مساء حيز التنفيذ على أرض الواقع، لكن القرار الذي يمكن وصفه بـ«الحائر»، يرى مسؤولون بالحكومة المصرية أن من شأنه أن يخفف من أعباء انقطاع التيار الكهربائي الذي عانت منه البلاد في الآونة الأخيرة، كما سيخفف من أعباء الزحام والضجيج الذي أصبح سمة لشوارع القاهرة، كما أنه سيدعم أجواء الأمن بها.

ورغم أن وزير التنمية المحلية، اللواء زكي عابدين، صرح بأن التنفيذ سيبدأ من اليوم، فإن القرار يواجه كثيرا من الجدل والغضب بين المواطنين وأصحاب المحال التجارية، حيث يرون أن هذا الغلق الإجباري سيحاربهم في أرزاقهم وسيزيد من فجوة البطالة خاصة بين قطاع الشباب، كما ستعاني الفنادق أيضا من جراء هذا القرار والذي يلزم المطاعم والمقاهي الفندقية بالغلق في منتصف الليل، الأمر الذي يجعل ليل القاهرة في حالة ترقب لتحديد مصيره.

يهدف هذا القرار إلى توفير الكهرباء. وبحسب تصريحات مسؤولين، فإن بقاء المحال التجارية لفترات عمل مسائية طويلة يهدر نسبة كبيرة من الطاقة رغم حاجة البلاد إليها، بعد أن تعرضت المحافظات المصرية خلال أشهر الصيف المنقضي إلى الانقطاع المتكرر للكهرباء.

ويأتي تنفيذ الغلق وسط حالة من الاختلاف بين مؤيدين ومعارضين، ليس فقط بين أصحاب المحال أنفسهم، بل امتد الأمر إلى المواطنين بمختلف فئاتهم العمرية، الأمر الذي دعا إلى تدشين صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بعضها مع القرار وبعضها الآخر ضده تحت أسماء مختلفة، منها «أنا ضد قرار غلق المحلات الساعة 10 بالليل» و«معا ضد قرار غلق المحلات التجارية».

ورغم إعلان رئيس الوزراء المصري قبل أيام أن غلق المحال التجارية في مواعيد محددة كان مطلبا من أصحاب المحال أنفسهم؛ فإن هناك اعتراضات شديدة من جانب أصحاب المحلات الذين التقت بهم «الشرق الأوسط»، فيقول أحد باعة الملابس بمنطقة وسط البلد التجارية بالعاصمة القاهرة: «تطبيق هذا القرار غير ممكن في القاهرة المعروفة بأنها لا تنام على مدار 24 ساعة صيفا وشتاء، كما أن السوق حاليا تعاني من حالة ركود وليس رواج، فكيف بنا إذا أغلقنا أبوابنا في الساعة العاشرة؟».

أما جاره، محمد علي، بائع الأقمشة، فيقول بغضب: «على المسؤولين أن يفكروا في طرق بديلة لتوفير الكهرباء فهذه مهمتهم، بدلا من التفكير في محاربتنا في أرزاقنا». ويتابع: «لا نعرف موعد التطبيق، والغرف التجارية المتحدثة باسمنا لا تعلم، إذا نفذ ذلك القرار دون علمنا فسيكون ذلك عبثا».

في ضاحية الدقي، يقول صاحب أحد الأكشاك: «القرار سيؤثر على المحلات الصغيرة وتعطيلها، وأصحاب المحلات سيتكبدون خسارة كبيرة والمستفيد هنا المراكز التجارية (المولات) الكبيرة والتي يستثنيها القار حتى منتصف الليل».

الشارع المصري أيضا لم يخف استنكاره للقرار، فتقول ربة منزل: «القرار يؤذينا، فالمناطق الهادئة المحلات التجارية هي التي تجعلها آمنة، كما أن المناطق الفقيرة سيعاني تجارها الذين يفتشون عن لقمة العيش».

أما الخمسيني حسن سعد، فيقول: «الجميع سيخاف النزول من بيته وعلى الأخص السيدات والفتيات، كيف ستضمن لنا الحكومة الأمان في الشوارع عندما يحل الظلام منذ الساعة العاشرة ليلا».

أمان الشوارع؛ عالجته الحكومة المصرية مؤخرا بالعودة إلى فكرة «عسكري الدرك»، الذي يعني وجود هيئة عسكرية مكلفة بواجبات الشرطة بين السكان المدنيين خاصة أثناء الليل، حيث بدأت الشرطة في إجراءات استعادة «عسكري الدرك» لدوره من جديد إلى الشوارع بوسائل جديدة، حيث سيكون على هيئة نقاط شرطة صغيرة موزعة في نطاق المربعات السكنية، يتم تجهيزها بأحدث أجهزة الاتصالات والانتقال، وبما يحقق الانتقال السريع إلى مكان الوقائع والبلاغات تفعيلا للدور الأمني بالشارع المصري.

وارتبط عسكري الدرك بذاكرة المصريين بعبارته الشهيرة «ها مين هناك؟»، ورغم اختفائه عن الساحة المصرية منذ قيام ثورة 23 يوليو (تموز) 1952، فإن السينما خلدته بشكل ملحوظ في أفلام الأبيض والأسود.

ورغم أن فكرة عسكري الدرك تلاقي استحسان كثير من المواطنين، من بينهم العشرينية سمر فؤاد، فإنها تشير إلى أن قرار غلق المحلات التجارية لن يؤثر فقط على الأمان، وسوف يؤدي إلى مشكلات عديدة أخرى، فتقول: «القرار سيعمل على التأثير سلبيا على قطاع السياحة، فمن ناحية تسوق السائحين سيقل عندما تغلق المحال أبوابها في العاشرة، ومن ناحية أخرى المقاهي والمطاعم السياحية ستغلق أبوابها في وجوه زوارها منتصف الليل، فأين سيذهب السائحون بعد تلك الساعة؟».

ويقول الشاب وائل خيري، الذي يقطن بعيدا عن العاصمة، إنه اعتاد شراء ملابسه ومستلزماته من القاهرة التي يتوفر بها كل شيء يرغبه، حيث يتوجه إليها عقب انتهاء عمله للتسوق وشراء ما يرغب، وهو ما يستلزم وقتا طويلا، لكن القرار الجديد يعني أنه لن يستطيع فعل ذلك لضيق الوقت.

على العكس، يقول مدحت شنودة، ويعمل مهندسا، إنه يوافق بشدة على تطبيق القرار، معللا أن ذلك سيحد من الزحمة في الشوارع، ويتساءل: «هل يعقل أن مسافة صغيرة تتطلب دقائق للعبور بالسيارة يتم عبورها في أكثر من ساعة بسبب زحام المتسوقين الذين في أغلبهم لا يشترون؟ لذا أعتقد أن هذا القرار سيكون مفيدا في الحد من الزحام».