السفيرة الأميركية في القاهرة لـ «الشرق الأوسط»: لا توجد علاقة بين الأصدقاء دون «مطبات»

آن باترسون: قضية تمويل منظمات المجتمع المدني أثرت سلبيا على صورة مصر في واشنطن

سفيرة أميركا في القاهرة
TT

كشفت السفيرة آن باترسون، سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في القاهرة، عن أن اتهام عدد من المنظمات الأميركية في قضية تمويل منظمات المجتمع المدني بمصر مثلت صدمة لواشنطن، وقالت إن «المنظمات المعنية كانت تعمل بشفافية وحسن نية في محاولة لتعزيز المجتمع المدني المصري، ولا شك في أن تلك القضية كان لها تأثير سلبي على صورة مصر في الولايات المتحدة».

وأضافت باترسون، في حوار مع «الشرق الأوسط»، أنه «لا توجد علاقة بين الأصدقاء دون (مطبات) بين وقت وآخر، ولكن الشراكة تتحمل ذلك، لأنها تقوم على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل».

وأعربت باترسون عن اعتقادها أن ثورة 25 يناير تمثل بداية جديدة لشراكة مصرية - أميركية أكثر قوة، وقالت: «نتوقع أن تزدهر هذه الشراكة بغض النظر عن نتائج الانتخابات (الرئاسية) لدينا».

وقالت السفيرة الأميركية إن الشيخ عمر عبد الرحمن، الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية، الذي يقضي عقوبة السجن مدى الحياة في أحد السجون الأميركية، يتلقى كل الرعاية الطبية اللازمة والمناسبة في محبسه، ولديه إمكانية دائمة للتواصل مع محاميه، وهو قادر على الاتصال بأسرته، ولديه فرصة للصلاة في محبسه، مشيرة إلى أنه أدين بعدة تهم، من بينها ارتكاب أعمال إرهابية والتخطيط لتفجير مركز التجارة العالمي، ومقر الأمم المتحدة، وعدة أماكن أخرى.

ونفت السفيرة باترسون أن تكون واشنطن قد ضغطت من أجل فوز الرئيس محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وقالت: «هذا غير صحيح على الإطلاق، كان هدفنا الوحيد هو عملية ديمقراطية حقيقية، تعبر فيها النتائج عن إرادة الشعب المصري، التي أعرب عنها في صناديق الاقتراع».

كما نفت أي علم لبلادها بقرار إقالة المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع السابق، والفريق سامي عنان رئيس الأركان السابق، قبل صدوره في شهر أغسطس (آب) الماضي، وقالت: «خلال الفترة ما بين بداية ثورة يناير وتنصيب الرئيس محمد مرسي، عملنا بشكل وثيق مع المجلس العسكري لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي في مصر، وضمان انتقال سلس وسلمي للحكومة المنتخبة ديمقراطيا».

ورفضت السفيرة الأميركية الرد على سؤال بشأن استقدام قوات من المارينز لحماية مقر السفارة عقب مظاهرات اندلعت في عدة عواصم عربية وإسلامية، من بينها القاهرة، بسبب فيلم مسيء للرسول الكريم في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، قائلة: «إن سياستنا هي عدم التعليق على الترتيبات الأمنية، ولكن من المهم أن نؤكد أننا، مثل السفارات الأخرى، نعتمد على الحكومة المضيفة لحمايتنا».. وفي ما يلي نص الحوار:

* قال ميت رومني، المرشح الجمهوري في الانتخابات الأميركية الرئاسية المقبلة، إنه سيستخدم المعونة الأميركية للضغط على مصر من أجل الحفاظ على السلام مع إسرائيل، وسبق للرئيس الأميركي باراك أوباما التصريح بأن مصر ليست حليفا للولايات المتحدة وليست عدوا.. هل تعكس هذه التصريحات والمواقف تغيرا في الموقف الأميركي من العلاقة مع مصر بعد ثورة 25 يناير؟

- تستند الخطوط العريضة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة على المصالح الوطنية وتحظى بدعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي، والاختلافات بين الأحزاب السياسية والمرشحين للرئاسة اختلافات في التكتيكات ووسائل تحقيق الأهداف، وعموما لا تمس هذه الاختلافات الأهداف نفسها، ونحن واثقون بأن ثورة 25 يناير تمثل بداية جديدة، لشراكة مصرية - أميركية أكثر قوة.. علاقة شراكة بين دولتين ديمقراطيتين، ونتوقع أن تزدهر هذه الشراكة بغض النظر عن نتائج الانتخابات لدينا.

* هل تبحث واشنطن إعادة هيكلة المعونة أو توزيعها بشكل مختلف بعد انتخاب الساكن الجديد للبيت الأبيض في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل؟

- نحن، بالفعل، أبلغنا الكونغرس عزمنا على تقديم 450 مليون دولار في شكل تحويلات نقدية إلى الحكومة المصرية، ونحن حاليا في مناقشات مع الحكومة المصرية حول كيفية المساعدة في المستقبل بما يمكن أن يعزز الأهداف الإنمائية للأفضل، ويلبي تطلعات الشعب المصري.

* هل تأثرت العلاقات المصرية - الأميركية بعد قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني التي كان متهما فيها عدد من المواطنين الأميركيين؟

- قضية منظمات المجتمع المدني مثلت صدمة بالنسبة لنا، بالنظر إلى أن المنظمات المعنية كانت تعمل بشفافية وحسن نية في محاولة لتعزيز المجتمع المدني المصري، ولا شك في أن تلك القضية كان لها تأثير سلبي على صورة مصر في الولايات المتحدة.. العلاقات الثنائية بين البلدين تعود إلى أكثر من مائة وخمسين عاما ولديها جوانب متعددة ومفيدة للطرفين، ولا توجد علاقة بين الأصدقاء دون «مطبات» بين وقت وآخر، ولكن الشراكة تتحمل ذلك، لأنها تقوم على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل.

* في أول خطاب للرئيس مرسي بميدان التحرير، أبدى اهتماما بقضية الشيخ عمر عبد الرحمن الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية، فهل تلقيتم اتصالات رسمية مصرية من أجل الإفراج عنه، أم أن الأمر اقتصر على مطالبات غير رسمية؟ وكيف تنظرون إلى تلك المطالبات؟

- في أكتوبر 1995، أدين عمر عبد الرحمن وآخرون في المحاكم الأميركية بتهمة التآمر لإحداث فتنة وارتكاب أعمال إرهابية والتخطيط لتفجير مركز التجارة العالمي، ومقر الأمم المتحدة، والجسور المختلفة، والأنفاق، والمعالم حول وفي مدينة نيويورك، وأدين أيضا بالقتل، والتآمر للقتل، والسعي لمهاجمة منشأة عسكرية، والتآمر للتفجير، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، وجدد الاستئناف إدانته وأيد الحكم الصادر بحقه، وهو حاليا في المركز الطبي الاتحادي في برتنر بنيويورك، حيث يتلقى كل الرعاية الطبية اللازمة والمناسبة، ولديه إمكانية دائمة للتواصل مع محاميه، وهو قادر على الاتصال بأسرته، ولديه فرصة للصلاة في محبسه.

* لواشنطن اتصالات وعلاقات قديمة مع قيادات بجماعة الإخوان المسلمين منذ نظام مبارك، والآن بعد وصول «الإخوان» إلى الحكم في مصر، ما طبيعة العلاقة بين الجماعة وواشنطن؟

- أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، أصبحوا حاليا جزءا من الحكومة المصرية المنتخبة ديمقراطيا، ونحن نلتقيهم كما نلتقي ممثلي الحركات والأحزاب الأخرى من مختلف الأطياف السياسية في مصر، ونحن نرحب بالحوار مع أي شخص ملتزم عدم اللجوء إلى العنف والعملية الديمقراطية، وهذا لا يعني أننا نتفق دائما، والمهم هو أن نتمكن من معالجة هذه الخلافات بطريقة بناءة وبروح من الشراكة والاحترام.

* قيل إن واشنطن ضغطت بقوة من أجل فوز مرشح الإخوان المسلمين بالرئاسة في الانتخابات الأخيرة، ما مدى صحة ذلك؟

- هذا غير صحيح على الإطلاق، كان هدفنا الوحيد هو عملية ديمقراطية حقيقية، تعبر فيها النتائج عن إرادة الشعب المصري التي أعرب عنها في صناديق الاقتراع.. أردنا ما يريده المصريون، وهو أن يكون للمصريين، أخيرا، الفرصة لاختيار زعيمهم، بعد عقود من عدم القدرة على القيام بذلك.

*هل اختلفت علاقة واشنطن بالمجلس العسكري بعد فوز مرشح جماعة الإخوان المسلمين برئاسة مصر؟

- نحن نقدر، بشدة، العلاقات العسكرية المصرية - الأميركية، القائمة منذ فترة طويلة، والعلاقة بين الجنود والضباط في الجانبين، ونرى أن علاقتنا بالقوات المسلحة المصرية جزء لا يتجزأ من علاقة أوسع نطاقا لدينا مع الحكومة المنتخبة ديمقراطيا في مصر. ونحن نتطلع إلى استمرار هذه العلاقة ونموها في المستقبل. وعلى سبيل المثال، نحن نخطط حاليا لمناورات النجم الساطع، وهي مناورات عسكرية سنوية متعددة الأطراف بقيادة القوات المسلحة المصرية والأميركية.

* كيف كانت علاقة واشنطن بالمجلس العسكري؟ وهل علمتم بقرار إقالة المشير طنطاوي والفريق عنان قبلها؟

- لم يكن لدينا أي علم بإقالة المشير طنطاوي والفريق عنان قبل حدوثها، وخلال الفترة ما بين بداية ثورة يناير وتنصيب الرئيس محمد مرسي، عملنا بشكل وثيق مع المجلس العسكري لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي في مصر، وضمان انتقال سلس وسلمي للحكومة المنتخبة ديمقراطيا.

* بعد تدهور الأوضاع الأمنية في سيناء مؤخرا، طالب البعض بتعديل اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل، هل يمكن أن تلعب الولايات المتحدة دورا في هذا الأمر بصفتها راعية للاتفاقية؟

- الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة اتفاقية كامب ديفيد، بالإضافة إلى تحقيق الهدف العام المتمثل في تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وبين إسرائيل وجميع جيرانها العرب، ونحن نعتقد أن الأطراف يجب أن تعمل معا لتحقيق دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن. ونرحب بتأكيد الحكومة المصرية التزامها المستمر معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، ويمكن ملاحظة أن المتحدث باسم الرئيس مرسي في الحكومة المصرية أكد مؤخرا إمكانية توفير الأمن في سيناء دون إدخال تعديلات على المعاهدة.

* في عهد الرئيس السابق مبارك، دائما ما كان يطالب تقرير الحريات الذي تصدره الخارجية الأميركية القاهرة بتحسين أوضاع حقوق الإنسان، هل تغيرت أوضاع حقوق الإنسان في مصر بعد الثورة أم ما زالت محل انتقاد من قبل واشنطن؟

- نحن نصدر تقارير سنوية عن حالة حقوق الإنسان، وهذه التقارير مستمرة في التوثيق الدقيق لحالة حقوق الإنسان في مصر، شأنها شأن بقية الدول في العالم، ويمكن الاطلاع على آخر تلك التقارير على الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الأميركية.

* وماذا عن حقوق المسيحيين، هل تحسنت في ظل تزايد هجرتهم من مصر بعد الثورة؟

- أولا: لا يوجد لدينا دليل على زيادة هجرة المسيحيين إلى الولايات المتحدة منذ الثورة، وثانيا نحن نعتقد أن الحرية الدينية هي عنصر أساسي للديمقراطية، والتنوع هو حجر الزاوية في التاريخ والثقافة والمجتمع المصري، ويجب ألا يتعرض أي شخص للتمييز بسبب معتقداته، وعندما نلاحظ انتهاكات للحرية الدينية، نرفع هذه المخاوف للحكومة المصرية.

* أثار الفيلم المسيء للرسول محمد (ص)، الذي عرض مؤخرا، موجة عنف طالت السفارات الأميركية في عدد من العواصم العربية والإسلامية، كان أعنفها في ليبيا، ما مدى صحة ما تردد عن استقدام قوات من المارينز لحماية السفارة بالقاهرة؟

- إن سياستنا هي عدم التعليق على الترتيبات الأمنية، ولكن من المهم أن نؤكد أننا، مثل السفارات الأخرى، نعتمد على الحكومة المضيفة لحمايتنا.

* طالب الرئيس مرسي بسن تشريع دولي لتجريم الإساءة للرموز الدينية، هل يمكن سن مثل هذا التشريع في الولايات المتحدة، أم أنه سيتعارض مع حرية الرأي والتعبير؟

- نحن نعتقد أن حرية التعبير عنصر حاسم للديمقراطية، وحمايتها أمر بالغ الأهمية، وإذا استسلم أحد لسيطرة الحكومة على حظر نوع واحد من وسائل التعبير، فما الذي سيمنعهم من حظر أشكال التعبير الأخرى، ومن الذي يقرر ما يعتبر إهانة؟ ومن الذي يحدد الرموز الدينية؟ أفضل وسيلة لمكافحة خطاب الكراهية في النظم الديمقراطية هو أن تضاعف الجهود لتعزيز التسامح والتفاهم المتبادل، ونبذ العنف.

* أغلب المصريين ينظرون إلى السفارة الأميركية بحذر وريبة.. ما السبل التي تبذلها السفارة لتحسين صورتها الذهنية لدى المصريين؟

- نحن نقدر علاقتنا مع الشعب المصري، وهي العلاقة التي تعود إلى 1849 عندما وصل أول دبلوماسي أميركي إلى مصر، ومنذ ذلك الوقت، شرعنا في عدد كبير من المشروعات المشتركة مع الشعب المصري والحكومة المصرية، من مشاريع البنية التحتية التي تهدف إلى توفير المياه الصالحة للشرب لملايين من الناس، وبناء آلاف المدارس، إلى برامج التبادل التي تمكن الآلاف من المصريين والأميركيين لتجربة كل منهما بلد الآخر مباشرة. واليوم، لدينا مشروعات مشتركة يجري تنفيذها، تهدف إلى زيادة تطوير العلاقة بين مصر والولايات المتحدة، وحكومة الولايات المتحدة تسعى لتعزيز الاستثمار الأجنبي في مصر، بما في ذلك رعاية مؤتمر السياحة في الإسكندرية الأسبوع الماضي، كما زار أكبر وفد من رجال الأعمال الشرق الأوسط في سبتمبر الماضي. وفي السنة المالية 2011، أصدر القسم القنصلي بالسفارة الأميركية في القاهرة ما يقرب من 40 ألف تأشيرة للمصريين الراغبين في الزيارة والدراسة والقيام بالأعمال التجارية أو العمل مؤقتا في الولايات المتحدة، كما أصدرت أكثر من 6500 تأشيرة لمصريين يخططون للهجرة إلى الولايات المتحدة، ونحن على اتصال منتظم مع المصريين من مختلف ألوان الطيف السياسي والمجتمع، لشرح وجهات نظرنا وسياساتنا، ونحن نتطلع إلى استمرار هذه الشراكة والنمو في السنوات المقبلة.

* وعدت الولايات المتحدة مصر بمنحها 450 مليون دولار، ولكن الكونغرس علق تلك المساعدات، فهل هناك مفاوضات تجري لإعادتها، أم أنها ستؤجل حتى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية؟

- المفاوضات ما زالت جارية في الكونغرس، ونحن نتشاور معهم بشأن هذه المسألة، ونعتقد أن تحقيق الاستقرار في الاقتصاد المصري وتشجيع التنمية والاستثمار يصبان في مصلحة كل من بلدينا.

* زار عدد كبير من رجال الأعمال الأميركيين مصر بعد الثورة، للاطلاع على الفرص الاستثمارية المتاحة في البلاد، إلا أن تلك الزيارات لم تسفر عن إعلان مشروعات جديدة؟ في رأيك، ما الذي يجب أن تفعله مصر لجذب المستثمرين؟

- هناك الكثير من الشركات الأميركية، ومن بينهم بعض الذين زاروا مصر في شهر سبتمبر الماضي، لديهم بالفعل استثمارات ضخمة في مصر، وهم يستثمرون في مصر منذ عقود ويوظفون ملايين المصريين، ويمكن لبعض التصرفات التي تتخذها مصر أن تشجع مزيدا من الاستثمار، وتشمل تلك الإجراءات تبسيط اللوائح وتحسين التعليم، وتحديث البنية التحتية، ونحن على استعداد للشراكة مع مصر في هذه الإجراءات الثلاثة، وهيئة المعونة الأميركية بمصر لديها مشروعات حالية للمساعدة في هذه الجهود.