مصبات «المرجين» ومكبات النفايات تفسد فرحة جني الزيتون في تونس

تهدد الحياة البرية والصحة في البلاد

أحد مصبات المرجين.. على مقربة من أحد البيوت («الشرق الأوسط»)
TT

في كل عام ومع بداية موسم جني محصول الزيتون في تونس، تعود مشكلة صب «المرجين» (الزيبار في بلاد الشام) – وهو السائل العصاري الذي يترسب من الزيت الصافي المستخرج من الزيتون – للظهور وكأنها تطرح للمرة الأولى. وهكذا تفسد الفرحة بهذا «العرس» الموسمي بالنظر إلى ما يعوده به محصول الزيتون من فوائد على جميع من يعمل في هذا الحقل، إلى جانب أهميته الكبرى بالنسبة للدخل الوطني التونسي.

جذور المشكلة تبدأ بعد عصر الزيتون، إذ يتحول في معاصر الزيت إلى ثلاثة مواد هي: زيت الزيتون الصافي، والمرجين– أو الزيبار – والفيتورة (الجفت أو تمز الزيتون في بلاد الشام) وهي المادة الصلبة الناتجة عن سحق نواة ثمرة الزيتون، وهي تستخدم في تونس علفا للحيوانات، كما يستفاد منها في مجالات كثيرة وتصدر منها كميات كبيرة إلى الخارج، مثل زيت الزيتون. أما «المرجين»، وهو بيت القصيد وأساس المشكلة، فيلقى في أحواض ترابية سرعان ما تنبعث منها روائح كريهة تؤذي القاطنين بجوار هذه الأماكن الموبوءة. ذلك أنها تشكل بيئة ملائمة يتكاثر فيها الذباب والبعوض، ومن ثم تؤدي إلى القضاء على الكثير من الحياة البرية، وهذا الأمر سبب خلافات كثيرة بين أصحاب معاصر الزيت والمواطنين في المناطق التي أقيمت فيها أحواض صب «المرجين».

إبراهيم مالوش، وهو مالك معصرة تحمل اسمه، تحدث إلى «الشرق الأوسط» وقد بدا عليه القلق والضيق من هذه المشكلة، فقال «هذه الأرض اشتريتها من صاحبها، قبل عدة سنوات، ولم يعترض أحد في ذلك الوقت على صبنا المرجين فيها. ولكن بعد الثورة، وتحديدا في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 أجبرت على إغلاق المصب»، مضيفا: «أنا لا أدري أين سأصب المرجين الآن.. مع العلم أن موسم عصر الزيت انطلق في الشهر الماضي».

غير أن محنة أصحاب معاصر الزيت لا تفوقها سوى محنة المواطنين الذين يسكنون بالقرب من المصبات. ومن هؤلاء التقينا المواطن حاتم السبري، الذي قال لنا: «لقد مررنا بعدة مراحل، عبرنا خلالها عن غضبنا ورفضنا لمصب المرجين، فإلى جانب الروائح الكريهة المنبعثة منها، التي تؤذي المرضى وصغار السن بالأساس، تؤثر المصبات سلبيا على الحياة البرية والمائية». وأردف: «لقد ذهبنا إلى إدارات الحفاظ على البيئة، ونظافة المحيط، واشتكينا إلى السلطة المحلية، وعندما لم نجد استجابة منها بادرنا إلى إغلاق الطريق المؤدية إلى مصب المرجين عن طريق أخاديد شقتها جرافة كانت موجودة في المكان».

وحقا، هذا ما حدث بالفعل في منطقة الباطن (تبعد 142 كلم غربي العاصمة تونس)، إذ تجمهر أبناء المنطقة البلدة قرب المصب وأمروا جرافة مؤجرة للعمل في مشروع آخر، بقطع الطريق المؤدي إلى مصب المرجين. وكذلك منعوا الشاحنات المحملة بالنفايات من إلقاء حمولتها في مركز إعادة تأهيل النفايات بالمنطقة، مطالبين بجعل المكان متنزها لأهالي المنطقة. وللعلم، فإن المنطقة مرشحة لأن تكون مركزا تعليميا بعد إنشاء معهدين أحدهما إعدادي والآخر ثانوي في طور الإنجاز، وثمة آمال تهدف لتأسيس جامعة في المنطقة.

أضف إلى ما سبق، أن المشكلة لا تقف عند أصحاب المعاصر والسكان، بل أيضا تمتد إلى رعاة المواشي، الذين يشتكون من سقوط بعض مواشيهم في أحواض المرجين.. وفي معظم الحالات يستحيل عليهم إنقاذها. وهذا ما أكده أحد الرعاة، واسمه رمضان الذويبي، الذي فقد ست نعاج في أحد المصبات قريبا من أماكن الرعي.

في المقابل، لدى الاتصال بالجهات الإدارية التي استضافتنا بكل ترحاب، أبلغنا أن «المصب في منطقة الشبيكة (تبعد 160 كلم تقريبا غربي العاصمة) الذي حفر عام 2006 حاصل على ترخيص لكن الذي في منطقة الباطن مخالف للقوانين».

إلى ذلك، يفكر أهالي الباطن اليوم في استكمال مساعيهم من أجل بيئة نظيفة، لا سيما بعد رؤيتهم أعدادا من الطيور تموت داخل أعشاشها التي بنتها بالقرب من المصب، وقيل لنا في الباطن، إن وزيرة البيئة التونسية وعدت بزيارة المنطقة إلا أن الزيارة الموعودة لم تحصل بعد.

اليوم، يشعر الأهالي بالغبطة لأنهم لم يسجلوا قدوم شاحنات جديدة تحمل المرجين إلى المصب، لكنهم قلقون من تأخر ردم الأحواض حتى الآن، وكذلك انعدام المراقبة من قبل وزارة الصحة والبيئة لمكب النفايات وشركة صناعة القطران. ولقد اختتم أحد المواطنين شكواهم، أمامنا، قائلا: «نحن ما عدنا نريد ذكر عنوان بيتنا عندما يسألنا سائل كم يبعد البيت عن مكب النفايات؟ أو كما سمعت أخيرا من أحدهم.. آه أنتم حيث مكب النفايات!!».