«لقد اخفى الشاه مرضه عن الشعب الايراني ومات في المنفى بعيدا عن وطنه وبدون تاجه، بينا صديقه الحميم العاهل الاردني الراحل الملك حسين عرض على شعبه تفاصيل مرضه وحينما جاءه الموت ودع شعبه معززا ومكرما، وبكى الشعب له وعلى رحيله. ويا ليت القادة الاخرين يتبعون منهج الملك حسين بدلا من اتباع خطى الشاه».
بهذه العبارات يتحدث احد علماء الدين الايرانيين لـ «الشرق الأوسط» حول مرض مرشد الثورة آية الله علي خامنئي متابعا الوضع الصحي لرجل «كان ينظر اليه الشعب حتى ما بعد الانتخابات البرلمانية الاخيرة (مطلع العام) برأفة واحترام خاص» وعقب تدخله الاخير في شؤون السلطة التشريعية المنتخبة، اصبح هدفا لاعنف الانتقادات والحملات بشكل علني ومباشر، ويكفي ان تركب سيارة اجرة في طهران او احد قطارات المترو حتى تسمع اقوالا غير معتادة في وصف آية الله خامنئي الذي حتى لو جردته من منصبه ولباسه الديني، يعد من ابرز الشعراء والادباء بين علماء الدين في ايران. وكما ان سلفه الامام الخميني كان ينشد قصائد غزلية ذات مضامين صوفية فان خامنئي ينشد ايضا قصائد ورباعيات ويهتم بالموسيقى الكلاسيكية وله آراء خاصة في الفن والسينما. والغريب ان رجلا بهذه الميزات، قد تحول ـ على حد قول صديق له من ايام الدراسة في حوزة مشهد ـ الى قطب محافظ يعارض الاصلاحات ويسعى لتطويق حركة الرئيس محمد خاتمي لتطوير النظام الاسلامي، وذلك نتيجة لتجمع عناصر مكروهة في المجتمع مثل مير حجازي واحمد جنتي وعلي فلاحيان حوله».
ومنذ اكثر من خمسة اعوام، تتردد في ايران اشاعات حول مرض خامنئي ومعاناته مع مرض السرطان، وغيابه في الاسبوعين الماضيين عن الساحة السياسية قد تسبب في مضاعفة الاشاعات حول عودة السرطان الى جسد الولي الفقيه، خاصة ان خطوة مجلس الخبراء بتعيين محمود هاشمي شاهرودي نائبا له (وقد كشفت «الشرق الأوسط» عن ذلك منذ ثلاثة اسابيع) عززت مصداقية قول بعض المصادر القريبة من السلطة العليا بان المرشد يقضي ايامه حاليا بين فريق من اطبائه ومنهم وزير الخارجية السابق علي اكبر ولايتي الذي رغم اختصاصه في طب الاطفال يتولى بنفسه رئاسة الفريق المعالج لآية الله خامنئي.
وللكشف عن حقيقة هذه الاشاعات، تحدثت «الشرق الأوسط» مع شخصية دينية بارزة في ايران جمعته وخامنئي سنوات من الدراسة والبحث في الحوزات الدينية فضلا عن كونه احد المقربين من الامام الخميني. وردا على سؤال حول مدى صحة الاقوال بشأن مرض مرشد الثورة الايرانية، قالت الشخصية الدينية القريبة من السلطة العليا ان الاطباء اكتشفوا قبل خمس سنوات اوراما سرطانية في البروستاتا عند خامنئي، وحسب رأيهم فانها لم تكن من النوع الخبيث، ولهذا قرروا علاجها بالاشعة وبعض الادوية. وبعد عودة الاورام قبل ثلاث سنوات اجرى الاطباء عملية لاستئصال الاورام، وخضع مرشد الثورة بعد ذلك لـ«ريجيم» خاص، كما زاد من نشاطه الرياضي حيث بدأ يتسلق الجبال، ويمشي ساعات طويلة في استراحة بمدينة آمل بشمال ايران.
وتابعت الشخصية الايرانية حديثها قائلة: الى جانب السرطان، فان آية الله خامنئي يعاني من آلام شديدة في الكتف والعضد الايمن منذ ان تعرض لمحاولة اغتيال في مسجد محطة السكة الحديد في جنوب طهران حيث وضع عناصر من منظمة «مجاهدين خلق» عبوة ناسفة في جهاز تسجيل صغير انفجر بينما كان خامنئي يلقي كلمة في المسجد.
ورغم مرور اكثر من 19 عاما على ذلك الحادث، ما زال مرشد الثورة يعاني من الالام التي يعيدها اطباؤه الى انفجار مسجد السكة الحديد.
وافادت الشخصية الدينية الايرانية ايضا بان خامنئي خلافا لما يحاول بعض رجاله تصويره، بأنه ليس متشددا او اصوليا متزمتا، بل ان فكرة الدين السمحة والسهلة التي بدأ الحديث حولها عقب وفاة الخميني كان خامنئي قد اثارها اول مرة في رسالة بعث بها الى مؤتمر لاحياء ذكرى الشاعر الايراني الكبير حافظ الشيرازي في شيراز حيث مزار الشاعر. وفي مناسبات مختلفة اظهر خامنئي تباعدا في الآراء عن استاذه الخميني، واعلن دعمه المستمر لخاتمي، وفي اوقات حرجة حصل خاتمي على دعم حاسم من خامنئي، كما حدث في قضية الاغتيالات السياسية التي كشف خاتمي في مقابلته الاذاعية الاخيرة انه لم يكن قادرا على كشف بؤرة الفساد في وزارة الاستخبارات لولا دعم خامنئي له. وبعد الانتخابات البرلمانية الاخيرة التي كان احمد جنتي امين مجلس صيانة الدستور بصدد الغاء نتائجها وحرمان الاصلاحيين من الفوز فيها تدخل خامنئي مباشرة وامر باعلان النتائج. وكان ذلك مؤشرا بارزا على وجود تفاهم كامل بين المرشد ورئيس الجمهورية.
واضافت الشخصية الدينية القريبة من السلطة العليا في حديثها الخاص مع «الشرق الأوسط» قائلة «ان التغييرات التي طرأت على مواقف خامنئي اخيرا وتشدده في امر تعطيل الصحف الاصلاحية واعتقال ابرز الكتاب والصحافيين الاصلاحيين ثم مطالبة خاتمي بالكف عن الاصلاحات السياسية والتركيز على الاصلاحات الاقتصادية على غرار الاصلاحات الصينية، هي جميعا من اثار اشتداد المرض عليه، وكثرة الادوية التي يتناولها يوميا».
والمثير في احوال مرشد الثورة، حسب صديقه منذ سنوات الدراسة في الحوزة، انه يقضي ساعات طويلة من يومه اما في الاستماع الى الاذاعات الفارسية الموجهة الى ايران كاذاعة اسرائيل الاكثر عنفا في حملاتها ضد الحكومة، وهيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) و«صوت اميركا» واذاعة المانيا، او بمشاهدة برامج «NIRT»، وهي قناة فارسية فضائية تبث برامجها من لوس انجليس. ومن يقابله هذه الايام يكتشف مشاعر الابتئاس والغضب التي تنتابه ازاء الانتقادات والحملات الموجهة ضده شخصيا من هذه الاذاعات.
ونقلت الشخصية الدينية الايرانية عن طبيب معروف عمل بعض الوقت مع الفريق الطبي المعالج لخامنئي، قوله ان المرشد يعاني من نوع خاص من سرطان البروستاتا الذي لا يتسبب في وفاة الشخص سريعا، غير انه (اي المريض) يواجه متاعب شديدة والاما وارهاقا، الى جانب تغييرات مثيرة في افكاره ومواقفه. وعلمت «الشرق الأوسط» ان طبيبا صينيا اجرى فحوصات لخامنئي اخيرا واوصى باخضاعه للعلاج الكيماوي، غير ان خامنئي رفض ذلك عزاه الى ان الرجل كان طوال حياته مهتما في ان يبدو للناس في صحة واحسن حال.