تلوث المياه في سوريا يهدد بأزمة إنسانية

الكلور محظور استيراده بسبب المخاوف من استعماله في الأسلحة الكيماوية

TT

إضافة إلى المأساة التي يعيشها النازحون السوريون في الداخل والخارج، ظهرت إلى العلن مشكلة جديدة قديمة، تهدد بأزمة إنسانية وبتفشي الأمراض والأوبئة، إذا لم يتم تداركها ومعالجتها في أسرع وقت وهي تلوث المياه في عدد من المناطق السورية. هذا الواقع الذي سبق لمنظمات إنسانية أن أشارت إليه منذ أشهر قليلة، من خلال دراسات موثقة، عادت اليوم تقارير جديدة لتؤكده، داعية إلى ضرورة إيجاد حلول سريعة لها. وكان آخر هذه الأدلة ما صدر قبل يومين عن صندوق الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» الذي حذر من تفاقم نقص المياه في سوريا وتلوث الإمدادات في بعض الأحيان، مما يعرض الأطفال إلى خطر الإصابة بالأمراض بشكل متزايد، وما أكّدته منظمة الصحة العالمية التي أشارت إلى انتشار الأمراض التي تنتقل عن طريق المياه الملوثة الناتجة عن انهيار شبكات المياه والصرف الصحي، في سوريا، وذلك بعد أيام قليلة من نفي الحكومة السورية لتلوث المياه على لسان مدير مؤسسة مياه الشرب والصرف الصحي.

وقالت ماريكسي ميركادو، المتحدثة باسم «يونيسيف»: «هذا الوضع يشير إلى أعطال كبيرة في الخدمات وضرر لحق بشبكات المياه والصرف الصحي وتوافر محدود للخدمات الصحية الأساسية، مما يجعل الأطفال أكثر عرضة لخطر الإصابة بالأمراض».

هذا الواقع «المزمن»، يؤكده أيضا عمار القربي، رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة تلوث المياه بدأت منذ نحو 6 أشهر في سوريا مع استهداف القصف لشبكات المياه والكهرباء، لا سيما في جبل الزاوية وإدلب وحلب وريفها، كنوع من العقاب لأبناء هذه المناطق، وقد بدأت نتائجها تظهر بشكل واضح في الأسابيع الأخيرة». وفي حين لفت القربي إلى أن الأمراض التي يصاب بها المواطنون، لا سيما الأطفال منهم، لم تصل إلى حدود الأوبئة، حذر في الوقت عينه من أن عدم إيجاد حلول سيؤدي إلى تفاقم المشكلة، مشيرا إلى انتشار مرض جلدي يعرف بـ«جرثومة لاشمانيا»، في بعض المناطق، لا سيما حلب، نتيجة المياه الملوثة، مضيفا: «نعتبر أن تأمين وسائل معالجة أزمة تلوث المياه هو من أولوياتنا كمنظمات إنسانية، وهذا ما يأتي على رأس الطلبات التي نقدمها إلى الاتحاد الأوروبي، مشددين على ضرورة صيانة هذه الشبكات، أو على الأقل إدخال أجهزة خاصة لتنقية المياه، لكن للأسف حتى اليوم، وعلى الرغم من الوعود الكثيرة، ليست هناك أي خطوات تنفيذية».

ويلقي القربي الضوء على مخيمي النازحين السوريين اللذين تم إنشاؤهما داخل الأراضي السورية على الحدود التركية للتخفيف من الازدحام في تركيا، ولإيواء السوريين الهاربين الذين لا يملكون أوراقا ثبوتية، لكنهما يفتقدان أيضا أدنى متطلبات الرعاية، وهما «الكرامة» و«القاح»، ويضم الأخير نحو 10 آلاف نازح.

وتطرق القربي إلى مشكلة تأمين الدواء التي عانى منها المواطنون في الداخل لأشهر طويلة، كاشفا أنها تم تخطيها منذ سنة تقريبا، وذلك من خلال المساعدات التي يرسلها السوريون في الخارج، ولا سيما من الخليج، إضافة إلى بلغاريا واليونان، حيث يتم إيصالها إلى سوريا عن طريق تركيا في سيارات تحمل أرقاما تركية مؤقتة، ويتم تسجيلها بأسماء منظمات إنسانية تركية.

كذلك، وفي الإطار نفسه، فقد أعربت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، أمس، عن قلقها إزاء المعاناة التي يفرضها النزاع الدامي في سوريا على المدنيين، بمن فيهم اللاجئون الفلسطينيون، مؤكدة أن هذه المعاناة بدأت تتزايد بشكل واضح خلال الأسابيع الماضية. وكشفت عما وصفته بأزمة إنسانية حادة على وجه الخصوص في محافظة ريف دمشق حيث يوجد كثير من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وفي المناطق التي كانت قد شهدت أشهرا عدة من انعدام الأمن. ونبهت إلى أن «الفلسطينيين الذين لا يزالون في مخيمات خان عيشة والحسينية وقبر الست وسبينة محاصرون في ظل أجواء شديدة الصعوبة».

يذكر أن منظمة الصحة العالمية كانت قد أعلنت منذ يومين أن الأمراض التي تنتقل عن طريق المياه الملوثة الناتجة عن انهيار شبكات المياه والصرف الصحي تنتشر في سوريا، مما يعقد مشكلات المستشفيات التي تعاني من نقص شديد في الأدوية والأطباء، مشيرة إلى أن عددا كبيرا من الأطباء هربوا وأغلق كثير من المستشفيات، كما أن معظم سيارات الإسعاف إما لحقت بها أضرار أو يستخدمها الجانبان كوسيلة سرية لنقل المقاتلين، مضيفة أن تقارير وردت عن إصابات بالالتهاب الكبدي الوبائي (إيه) الذي يمكن أن يسبب أوبئة في حلب وإدلب حيث يحتدم القتال، وفي بعض الملاجئ المكتظة بالنازحين في العاصمة. واضطرت منظمات المساعدات للبدء في استخدام بدائل لتنقية المياه لأن استيراد غاز الكلور محظور خوفا من استخدامه كسلاح كيماوي.

وفي حين سبق للحكومة السورية أن نفت ما وصفته بشائعات حول تلوث المياه هدفها تهديد أمن البلد، وذلك على لسان مدير مؤسسة مياه الشرب والصرف الصحي حسام الدين الحريدين، وبالتحديد فيما يتعلّق بما أشيع عن وضع مواد سامة في نبع عين الفيجة الذي يغذي العاصمة دمشق، الذي أكد أن «المؤسسة تقوم بتحاليل دورية»، كان آخرها منذ أيام، ولم تظهر النتائج أي جديد، أشارت منظمة الصحة العالمية، في تقرير لها منذ 5 أشهر، إلى أن تفشيا لمرض الإسهال وقع بين سكان جزء من محافظة ريف دمشق بسبب تلوث إمدادات المياه بالصرف الصحي. وأعلن ريتشارد برينان مدير قسم إدارة مخاطر الطوارئ والاستجابة الإنسانية في المنظمة حينها أنّه كان هناك 103 حالات اشتباه بالـ«إيكولاي» في منطقة واحدة في ريف دمشق، وذلك بسبب تلوث إمدادات المياه، بينها 61 طفلا تحت سن العاشرة.