الاستقلال الكردي.. آمال شعبية ومصدات إقليمية

مقرب من بارزاني: رغم تضحيات الأكراد فإننا لم نجن من النظام الجديد سوى المشكلات

TT

يمر العراق اليوم بأزمة سياسية خانقة، والعلاقات الوطنية تهشمت تماما، وانهارت التحالفات، وواجهت القوى السياسية بعضها بعضا حتى كادت في بعض مراحل الأزمة الحالية تصل إلى حد وقوع كارثة الحرب الأهلية وتجدد الفتنة الطائفية، خاصة بعد أن زادت الحكومة الحالية التي يرأسها نوري المالكي من حدة المواجهات السياسية والإعلامية تارة مع الكرد، وتارة مع السنة، في بعض المحافظات التي تشهد توترات في غاية الخطورة.

ويلفت السياسي الكردي المقرب من الزعيم الكردي مسعود بارزاني، وزير الثقافة السابق فلك الدين كاكائي، إلى نقطة جوهرية تنمي الشعور الكردي بالحاجة الملحة في هذا البلد المضطرب سياسيا إلى الاستقلال وإعلان الانفصال، حين يشير إلى ما جاء بديباجة الدستور العراقي الجديد ما نصه: «نحن شعب العراق الذي آلى على نفسه بكل مكوناته وأطيافه أن يقرر بحريته واختياره الاتحاد بنفسه». ويؤكد كاكائي أن «الالتزام بهذا الدستور هو الضمانة الأساسية لحماية وحدة العراق، ولكن اليوم هناك انتهاكات متكررة ومتعددة لمضامين هذا الدستور، وهناك أطراف سياسية لا تلتزم به، وعليه، فإن من حقنا أن نختار طريقا آخر ما دام هناك من لا يحترم الدستور ويلتزم به». ولا يخفي القيادي الكردي أن «حق تقرير المصير هو أحد الخيارات في هذا الطريق».

والأداء الحالي لقيادة وحكومة إقليم كردستان يتجه نحو تحقيق المزيد من الاستقلال الاقتصادي عن المركز، وطبعا سيجر تحقيق هذا الاستقلال الاقتصادي، استقلالا سياسيا في المراحل المقبلة، مما سيقرب الكرد من تشكيل دولتهم المستقلة، فهذه الدولة لم تعد مجرد حلم يداعب خيال قيادات وشعب كردستان، بل هناك خطط تعمل عليها الحكومة الحالية بالإقليم من أجل تحقيق ذلك، خاصة بعد أن وصلت الأزمة السياسية الحالية بالعراق إلى ذروة المواجهة، وكما قال كاكائي في حواره مع «الشرق الأوسط» فإنه «رغم الظلم والاضطهاد والمعاناة الكثيرة التي عانى منها شعبنا الكردي، فإن القيادة الكردية اختارت التوجه إلى بغداد فور سقوط النظام السابق لإعادة بناء العراق الجديد.. ولكن بعد عشر سنوات من بناء تلك الدولة المنشودة، ماذا كانت الحصيلة؟»، ويستطرد: «لم نجن من هذا النظام الجديد سوى المشكلات ومزيد من الأزمات المتلاحقة التي تهدد وحدة البلاد فعلا».

لقد كان الزعيم الكردي مسعود بارزاني واضحا عند طرحه تساؤلا في كلمة ألقاها بالمؤتمر الدولي الأول حول جرائم الإبادة البشرية المنعقد في أربيل قبل عدة أيام حين قال: «الذي يحصل الآن ليست شراكة، وإذا كانت تبعية، فإننا لن نقبل التبعية والوصاية من أحد. لذا، نحن شعب كردستان نريد جوابا عن هذا السؤال، إذا كان الجواب بنعم، فإننا لن نقبل عهودا من غير عمل، بل نريد عملا لأننا تعبنا ومللنا سماع وعود دون عمل. وإلا؛ فكل يدرك الطريق الذي سيسلكه».

وقد سلكت حكومة الإقليم هذا الطريق منذ وقت، حينما نجحت في إقناع تركيا لمد أنبوب ناقل لنفط كردستان إلى تركيا ومنها إلى الأسواق العالمية، فما دام الاقتصاد هو أحد الأركان الأساسية للدولة، فإن حكومة الإقليم بدأت بخطوتها الأولى لتحقيق استقلالها الاقتصادي تمهيدا لإعلان استقلالها السياسي.. ويبدو بارزاني متفائلا بهذا الشأن حين يقول: «إنني متفائل وينتظرنا مستقبل مشرق، ولن نتراجع خطوة واحدة إلى الوراء، بل نتقدم إلى الأمام».

ورغم سنوح فرصة ذهبية، كما يعتقد البعض لتأسيس الدولة الكردية، فإن السياسي المقرب من بارزاني يؤكد أنه «ما زالت هناك آفاق واسعة أمام الحوار والتعايش»، ويؤكد على استعداد القيادة الكردية للحوار، ويدعو الحكومة العراقية الحالية إلى تثبيت أسس النظام الفيدرالي الذي تم الاتفاق عليه من قبل جميع قوى المعارضة العراقية قبل سقوط النظام السابق، ولكنه يستدرك أيضا أن «من حق الشعب الكردي أن يختار طريقا آخر إذا تعذرت الحلول ولم تعد هناك إمكانية للحوار والتعايش».

وبسؤاله عما إذا كان هذا الطريق يقصد منه الانفصال عن العراق، قال كاكائي: «لا أعتقد أن القيادة الكردية ستخاطر في هذه المرحلة بالانفصال وخوض مغامرة غير محسوبة. وعلى العموم، فنحن على أبواب انتخابات جديدة وهي ستحسم الوضع الحالي».

وحول الوضع الإقليمي والدولي الذي أشار إليه السياسي الكردي، يتحدث الباحث في الشؤون الاستراتيجية الدكتور يوسف كوران من «مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية» لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «الظروف الدولية والإقليمية غير ناضجة حاليا لإعلان الدولة الكردية، فالعامل الإقليمي ما زال بغير صالح الكرد، وإعلان الدولة من طرف واحد لن يحقق الحلم الذي يراودنا منذ زمن بعيد، خاصة أن الدولة المزعومة ستقع تحت تأثير تركيا التي لها دور مهم على صعيد المنطقة، وهذا يعني أن الاستقلال الكردي سيكون ناقصا».

المسيحيون مكون أساسي في العراق، ويعيش أغلبيتهم في إقليم كردستان، وهذا يعني أنهم معنيون مباشرة بالوضع فيه، يصيبهم ما يصيب الأكراد سلبا كان أم إيجابا. وبسؤاله عن موقفهم من الدعوة الكردية للانفصال والاستقلال، قال سالم توما النائب في البرلمان الكردستاني عن الحركة الديمقراطية الآشورية: «أي قرار بهذا المستوى لا بد أن يعود إلى الشعب، وأعتقد أن القيادة الكردية سوف تفعل ذلك، وستعود إلى الشعب لتقرير المصير، وبالنسبة لنا، فنحن على الرغم من أننا كنا مساهمين في ثورات شعب كردستان وكنا جزءا من جهد المعارضة ضد النظام الديكتاتوري السابق، فإننا بالتأكيد سنعود أيضا إلى شعبنا لاتخاذ قراره».

للإسلاميين وجهة نظرهم أيضا، فهم جزء من النسيج الكردستاني ولهم تأثير مهم على الأحداث في الإقليم، وحول موقفهم من قضية الانفصال وتقرير المصير، أوضح صلاح الدين بابكر، العضو القيادي في الاتحاد الإسلامي الكردستاني: «كانت كردستان قبل غزو العراق تتمتع بنوع من الاستقلال الذاتي، وكان خيار قيادته هو الذهاب إلى بغداد بإرادته الحرة ودون ضغط من أحد، واختار الشعب الكردي الاتحاد الاختياري مع بقية مكونات العراق، وهذا دليل على أنه يريد العيش ضمن إطار العراق الموحد، ولكن مع ذلك، فهو يسعى إلى تثبيت حقوقه الدستورية والتمتع بها بما فيها حقه في تقرير المصير».