حراك سياسي لبناني لمنع فتنة طائفية بعد الاعتداء على 4 مشايخ

10 اعتداءات على علماء سنة خلال عام.. والحريري يتهم النظام السوري

متظاهرون يحتشدون وسط بيروت أمس للاحتجاج ضد الهجمات على رجال دين سنة مساء أول من أمس (أ.ب)
TT

تجاوز لبنان، ليل أول من أمس، اختبارا صعبا كاد يشعل فتنة سنية - شيعية، إثر الاعتداء على أربعة مشايخ سنة في حادثين متزامنين بمنطقتي الخندق الغميق والشياح اللتين تسكنهما أكثرية شيعية، مما دفع الجيش اللبناني لحسم الأمر بسرعة؛ إذ أوقف المعتدين على المشايخ بعد ساعة من الحادثتين في حملة مداهمات فورية.

وتداعت القيادات الدينية والسياسية الشيعية لاستنكار الحادثين ورفع الغطاء السياسي عن المعتدين، فيما أكد مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني أنه «يستحيل» أن يكون الاعتداء «صدفة»، مشيرا إلى أن هناك «محرضا»، في وقت اتهم فيه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري النظام السوري بمحاولة إشعال الفتنة بين السنة والشيعة لإنقاذ نفسه من السقوط.

وأكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن الفتنة الطائفية والمذهبية التي يسعى البعض لإحداثها لن تمر، «لأن هناك إرادة وطنية جامعة بحماية لبنان وإفشال المؤامرات التي يعمل البعض على حبكها».

ورأى ميقاتي أن الاعتداء على المشايخ يؤكد ضرورة أن تعمد كل الأطراف في لبنان إلى وقف الشحن والخطابات الانفعالية بدل محاولة التنصل من المسؤولية الجماعية في حماية البلد ورمي التهم جزافا على الحكومة.

وفي تفاصيل الحادثة، اعتدى شخصان على الشيخين مازن الحريري وماهر فخران لدى مرورهما في الخندق الغميق على دراجة نارية بعد صلاة العشاء، وانهالا عليهما بالضرب عندما عرفا أنهما شيخان في مسجد «محمد الأمين»، ثم قام أحدهما بحلق لحية أحد الشيخين وفرا إلى جهة مجهولة لدى تجمهر الناس، قبل أن توقفهما مخابرات الجيش اللبناني بعد ساعة من الحادث.

وفي حادث متزامن، اعتدى شخص على الشيخين عدنان أمامة وشقيقه عمر أثناء مرورهما في منطقة الشياح للعبور إلى البقاع، وما لبث أن استدعى ولديه اللذين شاركا في الاعتداء على الشيخين، وغادرا المكان، إلا أن الجيش أوقف الولدين، وهما من آل منصور، فيما بقي والدهما متواريا عن الأنظار.

ونُقل الشيخان اللذان اعتدي عليهما في الخندق الغميق إلى مستشفى «المقاصد»، حيث عادهما النائب نهاد المشنوق، والشيخ أحمد الأسير، وأمين دار الفتوى الشيخ أمين الكردي للاطمئنان على صحتهما، وسط تجمهر المؤيدين أمام المستشفى، استنكارا للاعتداء.

وقال مصدر عسكري لـ«المؤسسة اللبنانية للإرسال» إنه «على أثر الحادث، نزلت مجموعة تابعة لجمعية التقوى الإسلامية، وبينها نحو 30 مسلحا وهتفوا (الشعب يريد إعلان الجهاد)». وأكدت المصادر العسكرية أن غياب القرار السياسي الموحد وارتفاع الخطاب التحريضي في المقابل ينعكس سلبا على الأوضاع الأمنية في البلد، مشددة على أن «الجيش يقوم بما عليه ولن يفسح المجال أمام الفتنة».

ووسط تأكيد من قيادة الجيش أن الحادث فردي، استنكر الحزبان الشيعيان حركة «أمل» وحزب الله، في بيان مشترك، حادث الاعتداء الذي تعرض له الشيخان مازن حريري وأحمد فخران، واعتبرا أن الاعتداء «محاولة لإثارة الفتنة». ودعا الطرفان الجهات الأمنية والمختصة إلى ملاحقة الفاعلين وتوقيفهم ومحاسبتهم «لأي فئة انتموا».

لكن مفتي الجمهورية اللبنانية، شدد على أن «ما حصل (أول من) أمس يستحيل أن يكون صدفة وهناك محرض»، مؤكدا أنه «على القيادات الشيعية في حركة أمل وحزب الله، الذين هم إخواننا، رفع الغطاء عن هؤلاء المجرمين الذين حلقوا ذقن عالم مسلم وضربوا 4 مشايخ»، معتبرا أن «هذه القيادات لا ترضى بهذا الأمر لأنه يستحيل أن نقول إن (أمل) وحزب الله يسعيان لفتنة بين السنة والشيعة ولا نتهمهما، ولأنهم مسؤولون، يجب أن يضربوا بيد من حديد على السفهاء».

وفي كلمة له بعد اجتماع العلماء المسلمين في دار الفتوى، أمس، طالب الحزبين الشيعيين بـ«رفع الغطاء عن المعتدين»، مؤكدا أن «الأمنيين والقضاة مسؤولون عن معالجة هذه القضية»، مشددا على أن «أي توقيف لمتورطين بالحادث غير كاف ولا بد من المحاسبة».

وأوضح مدير عام الأوقاف الإسلامية في لبنان الشيخ هشام خليفة لـ«الشرق الأوسط» أن مطالبة المفتي قباني برفع الغطاء على المعتدين «لا تعني اتهاما لحزب الله وحركة أمل»، مشيرا إلى أنه «ينطلق من كون الحادثين وقعا في منطقتهما، مما يعني أنهما يتحملان مسؤولية ضبط (الزعران) في الشوارع التي يوجدون فيها».

وقال خليفة إن المفتين في اجتماعهم «تخوفوا من الفتنة كون حادث منطقة الخندق الغميق تزامن مع حادث الشياح، مما يعني أن الحادثين قد لا يكونان فرديين أو وقعا بالصدفة»، مشددا على ضرورة «كشف ملابسات الحادثين لمعرفة الفاعلين والمحرضين والداعمين للاعتداء على المشايخ»، وأشار إلى أن مناشدة المفتي للحزبيين الشيعيين لعدم تغطية الفاعلين «تعني أيضا وجوب عدم التدخل لدى الأجهزة الأمنية والقضائية لإطلاق سراح المعتدين».

وبحث المفتي في الاجتماع الطارئ في دار الفتوى، مع المفتين والقضاة الشرعيين، في الجوانب الأمنية التي يتعرض لها المشايخ السنة. وقال خليفة إنه «تم اتخاذ قرارات جدية منعا لحدوث تجاوزات بحق المشايخ، خصوصا أنه وثقت 10 اعتداءات على المشايخ السنة خلال عام، أحدهما حادث (أول من) أمس». وأضاف: «كان لا بد من التوقف عند كيفية حماية المشايخ من الزعران (المارقين) التابعين لمختلف الأحزاب والجهات السياسية».

في هذا الوقت، حذر الرئيس سعد الحريري من مخاطر التحريض الطائفي والمذهبي، ورأى فيه وسيلة إلى استدراج لبنان لفتنة كبرى.

وقال الحريري، في نداء وجهه إلى اللبنانيين: «لا نريد استباق عمل القضاء، لكن الوضع أخطر من أن يعالج بالمسكنات وسياسة الهروب إلى الأمام»، مشيرا إلى أن نظام بشار الأسد لا يريد للبنان أن يرتاح، بل يجد في إشعال الفتنة بين اللبنانيين، وتحديدا بين السنة والشيعة، سلاحا من شأنه أن ينقذ هذا النظام من السقوط.

وشدد الحريري على أن المطلوب تأكيد التضامن على مواجهة الفتنة أكثر من أي وقت مضى.

بدوره، استنكر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الاعتداء الذي تعرض له رجال دين من الطائفة السنية، داعيا الأجهزة القضائية والأمنية المختصة إلى إكمال سوق المعتدين إلى العدالة وإنزال العقوبة المناسبة في حقهم، مناشدا الجميع عدم اللجوء إلى قطع الطرق، إنما التزام الهدوء ووقف أي رد فعل انفعالي لا يخدم منطق الدولة.

وثمن جعجع، في بيان، موقف حركة أمل وحزب الله في الاستنكار الذي «يجب أن يقترن بمساعدة الأجهزة الأمنية على توقيف كل المعتدين ليكون كاملا وفعليا».

حكوميا، أكد وزير المال محمد الصفدي وجود مخطط لإشعال فتنة بين السنة والشيعة في لبنان، لافتا إلى أن «الاعتداء الذي تعرض له عدد من المشايخ السنة، كان الهدف منه استدراج ردة فعل مذهبية في جو إقليمي ومحلي متشنج».

وذكر الوزير الصفدي أن قرارات الحكومة والمجلس الأعلى للدفاع واضحة لجهة إعطاء الأوامر للجيش والقوى الأمنية بالضرب بيد من حديد على كل من يعبث بالأمن ويستهدف الاستقرار والسلم الأهلي، ودعا إلى إنزال أشد العقوبات بالمرتكبين ومن يقف وراءهم.