«حالة طلاق» بين المرأة والسيارة.. و«زواج كاثوليكي» عند الرجل

نادي السيارات الأوروبي: شراء النساء للسيارات انخفض بنسبة 33%

تقدمت «ميني» قائمة السيارات المفضلة نسائيا
TT

تقول الباحثة الألمانية دوريس كورتس - شولتيس، رئيسة «مركز أبحاث المرأة والسيارة في مونشنغلادباخ»، عن دورة حياة خاصة للسيارة عند المرأة. فرغبة المرأة في اقتناء السيارة المطلوبة تتغير بتغير سنها ومزاجها وفرز الهرمونات لديها. ولذلك تختار المرأة الشابة، بعد نيلها إجازة قيادة السيارة مباشرة، سيارة صغيرة تتناسب مع سنها ومواردها المالية. ثم تتحول إلى سيارة أغلى وأكبر قليلا عندما تتخرج وتبدأ بالعمل، وتختار سيارة أفضل بعد الزواج، بعد أن تشعر بدعم الزوج المالي. قد تنقلب السيارة الصغيرة إلى سيارة كومبي تتسع للأطفال لاحقا، وقد تبقى على حالتها، لكنها تتحول إلى سيارة سبورت وأنيقة حينما تتعدى المرأة سن الأربعين ويبدأ الشعور بالحاجة إلى سيارة ما تعوضها عن سنواتها المفقودة.

على أي حال لا يبدو أن حاجة المرأة إلى السيارة تقل عن حاجة الرجل في مجتمع تشكل صادرات السيارات مصدره الاقتصادي الأكبر. لكن غرام النساء الألمانيات بالسيارات صار يقل، بل إنه انخفض في السنوات العشر الأخيرة بنسبة 33 في المائة، وهو ما يقلق شركات إنتاج السيارات، الألمانية والأجنبية، لأنه يعني فقدان نصف المجتمع كزبائن. ويأتي هذا الانخفاض بعد أن تضاعف عدد النساء اللاتي يقدن السيارات في الـ25 سنة الماضية.

ونشر نادي السيارات الأوروبي (ACE) دراسة جديدة تؤكد وجود «حالة طلاق» بين المرأة والسيارة من جهة، ووجود «زواج كاثوليكي» بين الرجل والسيارة من جهة ثانية. وكان عدد السيدات اللاتي اشترين سيارات جديدة ينخفض طوال السنوات الـ7 الماضية، وبلغ أدناه في النصف الثاني من عام 2012.

المشكلة هي أن رغبة النساء في قيادة السيارة زادت كما يبدو من الإحصائيات، إلا أن شراء السيارات انخفض. بل إن عدد النساء اللاتي نلن إجازات قيادة السيارات في العام الماضي ارتفع عن عدد الرجال لأول مرة، وكان عددهن 395 ألفا مقارنة بالرجال؛ 384 ألفا.

وتتساءل شركات السيارات الكبرى عما إذا كان إنتاجها صار يتجاهل خصوصيات المرأة، وإن هذا هو سبب عزوف النساء عن شراء لسيارات. الباحثة كورتس - شولتيس أجابت بـ«لا» واضحة عن هذا السؤال، وقالت إن أولويات المرأة تغيرت. فالسيارة في السبعينات والثمانينات كانت تعبيرا عن «الاستقلالية» و«التحرر»، لكنها ما عادت كذلك اليوم. ثم إن السعي وراء الملابس الجميلة ومستحضرات التجميل الغالية، وأجهزة «سمارت فون».. إلخ حل محل الرغبة في الحصول على السيارة.

المهم أن قطاع إنتاج السيارات الألمانية يعترف بأن إنتاج السيارة الصغيرة والبيئية والملونة (المزاج الأنثوي) لا يشكل سوى 30 في المائة من إنتاج السيارات العام. ولو لاحظنا قائمة السيارات المفضلة لدى النساء للاحظنا أن النساء الألمانيات يفضلن السيارات الأجنبية على الألمانية. ومن بين عدد كبير من أنواع السيارات في العالم جاءت سيارات «فولكس فاغن» بالمرتبة الـ16، وكانت السيارة الألمانية الأولى المفضلة عند الألمانيات.

وجاءت «أوبل» بالمرتبة الـ17 و«أودي» بالمرتبة 20، و«بي إم دبليو» في المرتبة 21، و«مرسيدس» في المرتبة 25. في حين تقدمت «ميني» قائمة السيارات المفضلة نسائيا، تليها «دايهاتسو»، ثم «فيات» و«بيجو» و«سوزوكي» و«سيات» و«رينو» و«هيونداي» و«تويوتا» و«مازدا» و«فورد». إلا الموديلات المفضلة، فكانت «فيات 500» و«فورد كا»، و«هيونداي آي 10» و«بيجو 206» و«بيجو 107». الطريف في الأمر هو أن الألمانيات يفضلن الرجال الإيطاليين والفرنسيين على الرجال الألمان، وذلك حسب استطلاع للرأي أجراه موقع «فراونتايل». فالنساء الألمانيات يشكلن 45 في المائة من زبائن شركة «بيجو»، ويشكلن نسبة 41 من شركة «رينو».

والنساء يقدن السيارات بسرعة أقل، وبحرص أكبر. وعلى الرغم من أنهن يأخذن مهدئات أكثر مما يتعاطاه الرجال، فإنهن نادرا ما يتشاجرن بسبب مكان رصف السيارة أو يجري تغريمهن بسبب المخالفات. وتظهر الدراسة أن النساء يعطين قيمة كبيرة لمعدل استهلاك البنزين من قبل السيارة عند شراء سيارة (97 في المائة)، ثم للحجم واللون، في حين يركز الرجال على «السلامة» وكبر الحجم والماركة.

فضلا عن ذلك يستخدم 97 في المائة من الرجال سياراتهم يوميا، في حين تستخدم 57 في المائة من النساء سياراتهن بهذه الكثرة. وإذا يطالب 37 من الرجال بتخصيص جراجات خاصة بالنساء وصفت نسبة 50 في المائة من النساء مثل هذا الإجراء بـ«عديم الأهمية». وفي حين ينظر الرجل للسيارة كـ«زوجة» أولى، تنظر معظم النساء إلى السيارة كجهاز استعمال وأي «سلعة استهلاكية».

هناك نسبة 10 في المائة من النساء ممن يتطابق مزاجهن عند شراء السيارات مع ذوق الرجال، وهذه هي فئة النساء المستقلات اقتصاديا، والمقصود هنا ربات العمل الصغيرات، وصاحبات بوتيكات الملابس.. إلخ لأنهن يبحثن عن سيارات تظهر كفاءاتهن واستقلاليتهن. وهذه الفئة تشتري طبعا سيارات «مرسيدس» و«بي إم دبليو» و«أودي».

وعلى الرغم من صغر سياراتهن، وحرصهن في قيادة السيارة، تتعرض النساء إلى إصابات أكثر من الرجال عن حصول حادث. ولا يتعلق هذا بتركيبتهن الجسدية الأضعف، وإنما لأن السيارة مصنوعة للرجال أكثر مما هي مصنوعة للنساء، وبغض النظر عن حجمها («ميني» أو «مرسيدس»).

ويقول زيغفريد بروكمان، من اتحاد شركات التأمين، إن المرأة (والقصيرة بشكل خاص) تضطر لأن تقرب نفسها من زجاج السيارة الأمامي، وإلى رفع مقعدها، وهو ما يعرضها لخطر أكبر عند حصول اصطدام أمامي.

البروفسور جيرهارد شتوكر، المحلل النفسي من جامعة أوغسبورغ، علق على الموضوع بالقول إن الرجل يريد كسب الحظوة لدى النساء من خلال قيادته السيارات الفارهة والأنيقة، وإنه يشعر بنفسه «عاريا» حينما يكون من غير سيارة. وحسب رأي شتوكر، فإن النساء ينجذبن فعلا إلى السيارات «القوية». ولأن الرجال يعرفون تماما ماذا يريدون، فرئيس شركة ألمانية لن يشتري سيارة رخيصة أو صغيرة، ثم لا بد أن يكون لونها أسود أو فضيا، وإلا تضاءلت حظوظه مع النساء.

من ناحية أخرى، تفضل النساء السيارات الصغيرة والبيئية والعملية، ولا يهتممن كثيرا باستخدام السيارات بغرض لفت أنظار الرجال.

طالبت الباحثة دوريس كورتس - شولتيس بإنتاج سيارة خاصة بالمرأة، وعدم الاكتفاء بإنتاج سيارات صغيرة «مناسبة للمرأة». إذ لا بد من الانتباه إلى بُعد المقعد علن الزجاج الأمامي، كما أنه من الضروري جعل دواسات الفرامل والبنزين متحركة وقابلة للرفع والخفض مراعاة لحجم المرأة. ولا بد أخيرا من التحول تماما إلى إنتاج السيارات الكهربائية، لأن النساء يهتممن بالبيئة أكثر مما يهتممن بالسرعة.

عام 1886 نال الألماني كارل بنز، من مدينة مانهايم، براءة الاختراع رقم 37435 عن اختراعه أول «عربة بلا حصان». وصنع كارل أول نموذج وعرضه للبيع، لكن لا أحد اهتم بشرائها بسبب الخوف من هذا الجديد المتحرك على إطارات.

وجاء الانفراج على يد زوجته بيرتا بنز التي قادت السيارة مسافة 106 كلم إلى بفورتهايم دون توقف. وهكذا كانت المرأة أول من قاد السيارة الشهيرة، لكن نادرا ما يتذكر الناس ذلك.