أمطار غزيرة تعيد الأجواء الربيعية إلى المملكة بعد موسم حافل بالغبار والحرارة

لم تشهدها السعودية منذ ثلاثة عقود

السيول في منطقة القصيم
TT

أعادت الأمطار التي عمت معظم مناطق السعودية خلال الأيام الماضية الأجواء الربيعية إلى هذه المناطق، بعد أن مر الموسم دون أن يحمل معه سماته من أمطار واخضرار الأرض وظهور نبات الكمأة.

وفي سابقة مناخية لم تشهدها البلاد منذ 3 عقود، انقلب طقس معظم المناطق السعودية رأسا على عقب، بعد تغييرات مفاجأة تسببت في هطول أمطار متفاوتة على معظم المناطق، بين متوسطة وغزيرة، ووسط توقعات باستمرارها حتى الخميس المقبل.

وعكست هذه الأمطار حالة من عدم الاستقرار المناخي في البلاد، حيث أجمع خبراء الأرصاد الجوية على أن هذه التقلبات المتسارعة التي تعرضت لها أغلب المناطق السعودية ستستمر حتى منتصف مايو (أيار) المقبل، بعد موسم كانت العواصف الترابية والغبار سمته، وساهمت الأمطار في تسجيل انخفاض لافت في درجات الحرارة وصل إلى 20 درجة مئوية عن معدلها خلال الأسبوعين الماضيين التي لامست فيها درجة الحرارة الـ40 درجة مئوية، وأجبرت هذه التغييرات على إغلاق أجهزة التكييف الباردة في المنازل، خصوصا في المناطق الوسطى في البلاد، وفتح السكان خزائن الملابس الملونة وقاموا بارتدائها، وهو ما أعاد الأجواء الربيعية، خصوصا في المناطق الصحراوية، حيث سالت أغلب الأودية والشعاب وامتلأت السدود في موسم غير مطير.

وتسببت هذه الأمطار في حدوث احتجازات في بطون الأودية وتعطل المركبات داخل الأنفاق، كما تسببت في حدوث انهيارات في المباني الطينية القديمة، واشتعال الحرائق وحدوث التماس كهربائي، في حين لم تسجل حالات وفيات جراءها، وتلقت المديرية العامة للدفاع المدني أكثر من 10 آلاف بلاغ، تركز معظمها في منطقة الرياض بأكثر من 2000 بلاغ.

وقدم المهندس عبد العزيز الكهلان كبير الاختصاصيين رئيس شعبة الهيدرولوجيا بوزارة المياه والكهرباء لـ«الشرق الأوسط» قائمة بكميات الأمطار التي هطلت على معظم المناطق السعودية خلال الأيام الماضية، كما قدم قائمة بمنسوب المياه في معظم السدود السعودية، حيث اتضح أن محافظة الخرج سجلت بداية الأمطار يوم الجمعة الماضي أكبر نسبة من الأمطار في منطقة الرياض بـ37.5 ملليمتر، تليها شقراء بـ31 ملليمتر، وسجل حي القدس في الرياض نسبة أمطار بلغت 24 ملليمتر، وسجل سد بيش أعلى منسوب للمياه بنحو 60 مترا، وبكمية تخزين بلغت أكثر من 184 مليون متر مكعب.

ووضع بعض المزارعين الجدد والسكان أيديهم على قلوبهم خوفا من تأثير الأمطار الأخيرة على محصول التمور في موسمه بعد أشهر، خصوصا أن موسم اللقاح لم ينتهِ إلا منذ أسبوع، حيث أوضح ناصر عبد الوهاب الوهيب، وهو موظف متقاعد فضل العمل في حقله الكائن على ضفاف وادي الغاط، التي تشتهر بزراعة النخيل وشهدت خلال الأيام الماضية أمطارا بلغت نسبتها 20 ملليمترا، أن المزارعين استبشروا خيرا بهذه الأمطار التي ستساهم في ارتفاع منسوب المياه بمزارعهم؛ سواء تلك التي تستخدم في السقيا الآبار الارتوازية أو العادية، مشددا: «لا تأثير على محصول التمور في موسمه المقبل، لأن الأمطار الأخيرة مفيدة لغسل الثمار في مراحل إنباتها الأولى، وبعد أيام من تلقيحها، لأنها ستساهم في غسلها من الغبار والأتربة العالقة بها، كما تجنب إصابة الثمرة بالأمراض»، لافتا إلى أن موسم تلقيح النخيل تم خلال الأسابيع الماضية، وكانت آخر عمليات التلقيح تمت في الأسبوع الماضي متزامنة مع موجات غبار تأثرت بها الأشجار المثمرة، خصوصا النخيل، لتأتي الأمطار الأخيرة لتغسل ما علق بها من أتربة وغبار، وهو ما سيساهم في تحقيق السلامة لمراحل الإنبات.

وأجبرت التغييرات المناخية المفاجئة إلى تغيير السكان لبرنامجهم اليومي بالخروج إلى مناطق التنزه استغلالا للإجازة الأسبوعية، وتعليق الدراسة في بعض المدن والمحافظات، كما قام السكان بزيارة للأودية والسدود التي شكلت شلالات طبيعية غاية في الروعة والجمال، وشهدت المخيمات ومحلات تأجير مستلزمات الرحلات إقبالا واسعا، حيث سجلت المخيمات في أطراف المدن نسبة إشغال وصلت إلى 100 في المائة، بعد أن تراجعت خلال الشهر الماضي.

ونشر الدفاع المدني مئات الفرق الميدانية في جميع المواقع المعرضة لتجمعات المياه وجريان السيول، وتم تجهيزها بقوارب الإنقاذ والغواصين ومعدات البحث، تحسبا لأي تطورات مفاجئة، كما تم دعم هذه الفرق بأسطول «طيران الأمن»، وواصل الدفاع المدني تحذيراته للسكان بتوخي الاقتراب من الأودية وتجمعات المياه، بعد أن سجلت بلاغات ونداءات استغاثة، في معظم مناطق السعودية. كما انتشرت في معظم نقاط تجمع المياه صهاريج سحب المياه، لتسهيل حركة مرور السيارات والمشاة.

وفي الوقت ذاته، تواصل «الدفاع المدني» مع المواطنين عبر حساباته الإلكترونية على موقعي التواصل الاجتماعي «تويتر» و«فيس بوك»، وراح يحدّث الحالات، وينشر التوصيات المتعلقة بمختلف المدن والمحافظات التي هطلت فيها الأمطار، كما بث الدفاع المدني رسائل تحذيرية عبر أثير الإذاعات المحلية، ورسائل الـ«إس إم إس» على الهواتف الجوالة.