مواجهة «مسيحية» بين جعجع وعون تستعيد أدبيات الحرب.. والراعي يدخل على خط التهدئة

بعد خروج «القوات» عن تأييد قانون الانتخاب «الأرثوذكسي»

قانون الانتخاب يوقظ الخصومة بين جعجع وعون
TT

أيقظ الانقسام اللبناني على قانون الانتخاب، خصومة مسيحية قديمة - جديدة، منهيا شهر عسل لم يدم طويلا بين حزب «القوات اللبنانية» برئاسة سمير جعجع، و«التيار الوطني الحر» برئاسة النائب ميشال عون، بعد اتفاقهما على القانون «الأرثوذكسي»، الذي ينص على أن تنتخب كل طائفة لبنانية نوابها حصرا.

وأعاد الخلاف، وما تبعه من اتهامات جاءت على لسان عون وفريقه لـ«القوات» وجعجع بـ«خيانة المسيحيين» و«التفريط في حقوقهم»، إلى الذاكرة مرحلة قاسية شهدتها بيروت خلال الحرب اللبنانية، تمثلت بحرب أطلق عليها تسمية «حرب الإلغاء»، تراجع على أثرها فريق جعجع إلى خارج بيروت بفعل حملة عسكرية قادها الجيش اللبناني بقيادة عون. لكن فريق جعجع، الذي رأى بعض أركانه في الحملة «العونية» ما يشبه حملة «إلغاء» سياسية، يؤكد أن «الزمن تغير»، و«لا يمكن أن يتحول الصراع السياسي والإعلامي إلى جولة عنف جديدة».

ورغم لقاءات ثنائية وأخرى بالوكالة شهدها الأسبوعان الأخيران أوحت بوجود اتفاق مسيحي على قانون الانتخاب «الأرثوذكسي»، انفرط عقد المصالحة وانتهى الاتفاق المسيحي عشية جلسة نيابية عامة عقدت الأربعاء الماضي، نتيجة تقدم «القوات» بمشروع قانون انتخاب مختلط، إلى جانب كتلة النائب وليد جنبلاط وحلفائها في قوى «14 آذار»، باستثناء حزب الكتائب.

وجاءت عودة القوات إلى سربها في «14 آذار»، بعد التزامها خلال اجتماعات رباعية عقدت في مقر البطريركية المارونية في بكركي، بتأييد القانون «الأرثوذكسي»، بصفته قانونا «يحسن التمثيل المسيحي، ويوصل النواب المسيحيين إلى الندوة البرلمانية بأصوات المقترعين المسيحيين». لكن هذا القانون، لاقى معارضة من الرئيس اللبناني ميشال سليمان بصفته «غير ميثاقي»، ومن تيار المستقبل الذي يتزعمه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، ومن الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه وليد جنبلاط، فضلا عن تجمع النواب والشخصيات المسيحية المستقلة، ومن أبرز أركانها النائب بطرس حرب.

خروج «القوات» خلال الأسبوع الماضي عن إجماع بكركي اعتبره الفريق المؤيد لـ«الأرثوذكسي» بمثابة «انقلاب» على المسيحيين. وشن فريق عون حربا كلامية «طاحنة» على القوات، اتهمه فيها بـ«خيانة المسيحيين»، وعدم الاكتراث بمصلحتهم. واستعاد فريق عون ومناصروه أدبيات «الخيانة» في الدين المسيحي، وشخصياته، كما استعادوا تجربة الحرب اللبنانية ومواقف جعجع منها، خصوصا موافقته على اتفاق الطائف الذي انتهت بموجبه الحرب اللبنانية.

على الضفة المقابلة، حاول جعجع الدفاع عن موقفه، متهما عون بشن «حرب إلغاء» تستمر ضده منذ عام 1989، متوعدا إياه بـ«حرب مفتوحة». ورأى في حملة غريمه التاريخي في السياسة محاولة «تهدف لاستعادة دوره في الشارع المسيحي» من خلال حملة تكسبه أصوات المسيحيين، عشية الانتخابات النيابية التي لا يزال مصيرها مجهولا. وقال النائب في كتلة القوات أنطوان زهرا لـ«الشرق الأوسط» إن «ما نقوم به من توضيحات لموقفنا، هو رد على تجني عون الذي يقود حملة مبرمجة ضدنا منذ بدأ الاتفاق على البحث بقانون الانتخاب المختلط»، موضحا أن «القيادة المسيحية وضعت بأجواء السير بهذا القانون».

واعتبر أن من «أهداف عون» أن ينظر مؤيدوه المسيحيون إلى موقف جعجع المؤيد للمختلط بصفته انقلابا على الإجماع المسيحي، ونفى أن يكون هذا الموقف «انقلابا على اتفاقات بكركي». وقال زهرا: «ما حدث أن القيادة أكدت أن (الأرثوذكسي) ليس ميثاقيا ولن يمر، ودعتنا للبحث عن قانون مختلف يكون توافقيا»، معربا عن اعتقاده أنه «لا يهم عون وفريقه إجراء الانتخابات، وجل ما يتوقون إليه هو تضليل الناس لتحسين قاعدتهم الشعبية في الانتخابات المقبلة».

في المقابل، ينفي النائب في تكتل «التغيير والإصلاح» زياد أسود أن يكون الخلاف القائم حاليا «نابعا من الماضي أو من أي أحقاد قديمة». ويوضح لـ«الشرق الأوسط» أن الانقسام «جاء على خلفية مواقف جعجع»، ووصفها بـ«غير الحرة»، لا بل «المقيدة بتوجهات إقليمية لا تلتئم مع مصلحة المسيحيين، على الأقل بحدود قانون الانتخاب».

ووضع أسود هذا الانقسام في إطار «صورة معبرة عن التوجهات المختلفة والتباعد في وجهات النظر حيال مصلحة المسيحيين، كما التباعد في الممارسة التي تجلت بنتائج أظهرتها الجلسة النيابية الأربعاء الماضي»، لافتا إلى أن الصراع القائم هو «صراع نهجين، لكننا لن نحمل بارودة، ولن ندع الصراع يترجم حتى بضربة كف واحدة».

ويؤيد زهرا أسود في موقفه الأخير، ويقول إن «الزمن تغير ولا يمكن أن يتحول الصراع إلى قتال وجولات عنف»، في حين يحصر أسود المشكلة الراهنة بـ«عدم التزام جعجع بالوعود والقرارات المتفق عليها»، مصرا على أن الأخير «بتنصله من السير بالقانون الأرثوذكسي ضرب القرار المسيحي ودور المسيحيين».

ويسهب أسود في الحديث عن أن «الشرعية الكبيرة التي يحظى بها القانون الأرثوذكسي لدى المسيحيين». يقول إن «قاعدة القوات الشعبية ممتعضة من مواقف جعجع التي لا تتلاءم مع طروحات القوانين»، ويصل إلى حد الحديث عن «انفصام بين القاعدة والقيادة».

ويرى زهرا أن الهدف من الحملة ضد جعجع «تعويم عون لنفسه في الشارع المسيحي»، مشددا على ضرورة «اطلاع الرأي العام المسيحي على الموقف السياسي، وخباياه وتفاصيله، كي يتمكن من الحكم على الموقف». وأكد أنه «من غير المسموح أن يضلل عون وفريقه الناس، ويخضعهم للمزايدات والأكاذيب والأضاليل». وأعرب زهرا عن اعتقاده أن «الحملات ستهدأ عندما يتبين لعون أن الانتخابات ستجرى خلال شهر أو شهرين، ويكتشف أن حملته التي قادها لشد العصب المسيحي تجاهه، ستنتهي مفاعيلها كون الانتخابات لن تجرى غدا».

إزاء هذه «الحرب المفتوحة»، دخل البطريرك الماروني بشارة الراعي على خط التهدئة، إذ ناشد من كولومبيا - حيث يختتم زيارته الرعوية لبعض بلدان أميركا اللاتينية - المسؤولين السياسيين، وخصوصا رئيس المجلس النيابي نبيه بري، استكمال السعي للتوافق حتى التصويت على قانون انتخابي جديد.

وطالب الراعي كل الأحزاب والسياسيين «بوقف كل حملات التخوين والتجريح والتأويل وعدم العودة إلى ماض تخطاه الجميع، حتى المعنيين به شخصيا». وأمل من المعنيين «أن يتحملوا مسؤولياتهم التاريخية، أمام محكمة الضمير الوطني، وألا يكونوا من مخيبي آمال الشعب والأجيال القادمة».