«حرب المساجد» تستعر في العراق وتذكر بأحداث الحرب الطائفية

ممثل الأمين العام للأمم المتحدة: العراق يتجه نحو المجهول

TT

تستعيد دور العبادة السنية والشيعية في العراق الصورة الدامية التي كانت عليها إبان سنوات الحرب الأهلية الطائفية في ظل تزايد استهدافها مؤخرا بأعمال القتل والتفجيرات العشوائية التي تنسب إلى تنظيم القاعدة و«التكفيريين». ومع تصاعد التوتر الطائفي في بلاد تحكمها الغالبية الشيعية منذ إسقاط نظام صدام حسين عام 2003 بعد عقود من حكم السنة، تحول العنف اليومي خلال الأسابيع الماضية من استهداف للقوات الأمنية خصوصا، إلى ما يُسمى «حرب المساجد».

ويقول المحلل السياسي إحسان الشمري لوكالة الصحافة الفرنسية «هناك تصاعد في وتيرة الهجمات المتبادلة التي تستهدف المساجد السنية والشيعية، وذلك في محاولة لإعادة إنتاج العنف داخل النفس العراقية». ويضيف «الرعب يتسلل إلى النفوس، وشبح الحرب يسيطر على المشهد العراقي، الحرب السياسية والمذهبية والأمنية، إنها حرب على المساجد».

ويعيش العراق منذ 10 سنوات على وقع أعمال عنف يومية قتل فيها عشرات الآلاف. ومنذ انسحاب القوات الأميركية نهاية عام 2011، تركزت معظم الهجمات على القوات الحكومية والمناطق الشيعية، وهي أعمال عنف غالبا ما يتبناها تنظيم «دولة العراق الإسلامية»، الفرع العراقي لتنظيم القاعدة.

إلا أن هدفا جديدا أضيف إلى لائحة الأهداف المعتادة لهذه الهجمات بالتزامن مع تصاعد حدة المظاهرات التي ينظمها السنة والمناهضة لرئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي المتهم بتهميش السنة. فعلى مدى الأسابيع الماضية، عادت المساجد السنية إلى دائرة الاستهداف بالأحزمة الناسفة والقذائف الصاروخية والقنابل اليدوية، فيما تواصلت الهجمات ضد الحسينيات الشيعية. ولم تتبن أي جهة أعمال العنف الطائفية هذه.

وفي واحدة من أعنف هذه الهجمات، قتل 41 شخصا وأصيب العشرات بجروح في انفجار عبوتين ناسفتين الجمعة استهدفتا مصلين قرب مسجد سني وسط بعقوبة (60 كلم شمال شرقي بغداد).

وجاء ذلك غداة مقتل 12 شخصا في هجوم انتحاري بحزام ناسف عند مدخل حسينية شيعية في كركوك (240 كلم شمال بغداد) مساء الخميس الماضي. واستهدفت في أبريل (نيسان) الماضي سلسلة هجمات بعبوات ناسفة وقذائف صاروخية وقنابل يدوية نحو عشرة مساجد سنية في بغداد وبعقوبة ومناطق أخرى، وعددا من الحسينيات أيضا، قتل وأصيب فيها العشرات.

ويقول وكيل رئيس ديوان الوقف الشيعي الشيخ سامي المسعودي لوكالة الصحافة الفرنسية إن «الاستهداف الحالي للمساجد والحسينيات يمثل مراهنة على عودة العراق إلى مربع الطائفية». ويضيف «عندما تستهدف حسينية سيتبادر إلى الذهن أن السنة هم الذين قاموا بها، وحين يستهدف مسجد سيقال إن الشيعة قاموا بذلك، لكن في الحقيقة نحن مجمعون على أن من يقوم بهذه الأعمال هم التكفيريون وتنظيم القاعدة».

وتحدث المسعودي عن استهداف أكثر من 45 جامعا وحسينية تابعة للوقف الشيعي منذ بداية العام الحالي، معتبرا أن ما يحدث «هجمة شرسة تتعرض لها دور العبادة».

بدوره، قال مصدر مسؤول في الوقف السني رفض الكشف عن اسمه «نحن مهددون، حتى إننا لم نذهب إلى الدوام يوم الاثنين الماضي بعدما تلقينا تهديدات بمهاجمة مقر عملنا» في بغداد، مشيرا إلى «استهداف أكثر من عشرة مساجد في بغداد وحدها خلال شهر». وتدفع هذه الحوادث الكثير من العراقيين إلى تجنب الذهاب إلى المساجد والحسينيات، وتعيد إلى أذهانهم أيام الحرب الطائفية بين 2006 و2008 حين كانت دور العبادة الهدف الأول لأعمال العنف.

ويقول إحسان أحمد وهو تاجر «سني» يسكن في منطقة البيجية في غرب بغداد «توقفت عن الذهاب لتأدية الصلاة بعد إغلاق المسجد القريب من بيتنا بسبب الهجمات». ويضيف «آخر هذه الهجمات كان انفجار عبوة بالمؤذن قبل نحو أسبوعين حين اندفع المؤذن رحمه الله إلى العبوة قرب باب الجامع ووقف عنده يحذر المصلين من الاقتراب وفجأة انفجرت العبوة واستشهد هو». ويسأل أحمد «كل هذا حدث أمام عيني، فكيف لي أن أذهب مجددا؟ حتى إن زوجتي وأولادي يمنعونني من الذهاب».

من جهته، يقول علي (29 عاما) (شيعي) الذي يعمل حارسا أمنيا في شركة خاصة «الناس باتوا يترددون في الذهاب إلى الحسينيات مع أنني لم أتوقف عن ذلك. علينا أن ندرك أن هناك من يحاول العودة بنا إلى الوراء وأن نواجه ذلك».

وتصاعد التوتر الطائفي في العراق بشكل كبير عقب مهاجمة قوات الأمن الشهر الماضي لاعتصام مناهض لرئيس الحكومة في الحويجة غرب كركوك قتل خلاله 50 شخصا، ما أطلق شرارة أعمال عنف تحمل طابعا طائفيا قضى فيها أكثر من 200 شخص.

وحذر المالكي الذي أعلن مؤخرا عن إجراءات أمنية جديدة لحماية دور العبادة، في مناسبات عدة خلال الأسابيع الماضية من الانزلاق نحو نزاع طائفي جديد و«حرب لا نهاية لها»، معتبرا أن السبب الرئيس للعنف هو «الحقد الطائفي».

وجدد من جهته ممثل الأمين العام للأمم المتحدة مارتن كوبلر أول من أمس قوله إن العراق «يتجه نحو المجهول»، مشيرا إلى أن «الأطفال الصغار يحرقون داخل السيارات وهم أحياء، والمصلون يقطعون أشلاء خارج مساجدهم. لقد فاق الأمر حد عدم القبول به».

وتقول ليلى شيروان (سنية) وهي ربة منزل «أذهب منذ أكثر من 25 سنة إلى المسجد لأصلي، لكنني توقفت عن ذلك عندما بدأت الأحداث الطائفية قبل سنوات». وتضيف «في زمن صدام كنا نقول (لا يوجد أمل)، واليوم تأكدنا بالفعل أن الأمل في هذا البلد مات ولن يحيا مجددا».