البريد الملكي البريطاني.. مخاوف من اختفاء صناديقه الحمراء من الشوارع

بعد خدمة دامت 497 عاما.. بات يواجه محاولات لخصخصته

لاعب التنس البريطاني آندي موراي أمام صندوق البريد في منطقته وقد طلي باللون الذهبي تكريما له لحصوله على ميدالية ذهبية في أولمبياد 2012 (تصوير: جيمس حنا)
TT

تعتبر صناديق البريد ذات اللون الأحمر التي ختم عليها بالتاج الملكي من أهم معالم لندن مثلها مثل الحافلة الحمراء الشهيرة والتاكسي الأسود، وساعة بيغ بين. وتعتبر تلك الصناديق المميزة الشكل شاهدة على تاريخ بريطانيا فتحمل عادة نقشا برسم الملك أو الملكة الحاكمة في تلك الفترة مع الحروف الأولى من الاسم. وتاريخيا يرجع تاريخ أول صندوق بريد إلى منطقة كارلايل في عام 1853. ومن الملوك والملكات إلى أبطال الأولمبياد حيث تم طلاء 100 من صناديق البريد في المناطق التي يقطن بها الفائزون بميداليات ذهبية في أولمبياد لندن 2012 باللون الذهبي تكريما لهم وتوثيقا للحظات التاريخية.

ولكن هيئة البريد الملكي مثلها مثل كل المؤسسات البريطانية تواجه العصر الحديث وتقلباته. وتتعرض الهيئة الآن لمحاولة الخصخصة بعد أن نجت منها طول هذه الفترة التاريخية وخاصة مرحلة رئيسة الوزراء السابقة مارغريت ثاتشر التي اشتهرت بخصخصة الكثير من مؤسسات الدولة مثل الغاز والخطوط الجوية البريطانية وشركة الاتصالات البريطانية في عام 1980 ولكنها توقفت أمام هيئة البريد وقالت كلمتها الشهيرة «أنا ليست جاهزة لخصخصة رأس الملكة». وقد أدى ظهور «فيس بوك» والرسائل النصية، والبريد الإلكتروني إلى خفض حركة الرسائل عبر البريد الملكي إلى 25% خلال السنوات الخمس الماضية بمعدل 58 مليون رسالة يوميا، بينما شهد إرسال الطرود ازدهارا من طرف شركة «أمازون» وبعض المواقع التجارية عبر الإنترنت.

وعلق آلن استورد موظف في البريد الملكي: «إن بيع خدمات الشركة للخواص ليست في صالح الموظفين لأن المشتري الجديد سوف يضع شروطه الجديدة للعمال وأيضا الاستغناء عن عدد كبير منهم، بالإضافة إلى تردي الخدمة، وفرض أسعار عالية جدا على الزبائن». وأضاف «إن النقابة قامت بإرسال بطاقات إلى أعضاء البريد الملكي للاقتراع حول مستقبل المؤسسة».. وقال إنه «واثق أن النتيجة سوف تكون ضد عملية البيع بالأغلبية الساحقة».

وكان وزير الأعمال البريطاني مايكل فالون قد قال مؤخرا «إن قرار الحكومة بيع البريد الملكي يأتي على أساس علمي ومنطقي وتجاري». وأضاف الوزير في كلمة أمام المؤسسة البحثية «بوليسي اكستشانج» التابعة لحزب المحافظين: «إذا لم تدخل الشركة أسواق الأسهم فإن كل جنيه إسترليني تقترضه يضيف جنيها لحجم الدين الوطني وهذا يعني زيادة الدين العام والمزيد من الأعباء على الدولة».

وأشار الوزير إلى أن سعاة البريد الملكي الذين يقدر عددهم بـ140 ألفا بمقدورهم الحصول على 10% من الأسهم كشركاء في صناعة مستقبل أكثر نجاحا للشركة بعد بيعها، والتي تسعى حكومة الائتلاف إلى إدراجها على برنامج العمل الخاص خلال خطة العام المقبل 2013 - 2014.

وحول الاتهامات التي وجهت للحكومة الحالية حول بيع البريد الملكي، وأنه سيؤدي إلى غياب الخدمة عن بعض المناطق الريفية في بريطانيا، قال الوزير: «إن تغيير الملكية لن يعني أن الشركة ستتوقف عن تقديم الخدمة للمناطق الريفية». وأضاف: «سيظل البريد الملكي هو المقدم الوحيد للخدمة البريدية في بريطانيا والتي تتمتع بمستوى عالمي وسيستمر في توفير هذه الخدمة ستة أيام في الأسبوع في أنحاء المملكة المتحدة».

وقال اتحاد عمال الاتصالات إن عمال البريد يعارضون الخصخصة، التي «لا تجرؤ حتى ثاتشر للقيام بها». وقال بيلي هايز، الأمين العام للاتحاد في إحدى مقابلاته الصحافية: «الخصخصة هي فكرة قديمة الطراز ونحن لا نعتقد أنها في مصلحة العملاء، والقوى العاملة أو صناعة أوسع.. إنما نريد البريد الملكي الحديث في الملكية العامة الكاملة والقادر على تقديم الخدمة الشاملة ستة أيام في الأسبوع لجميع أنحاء المملكة المتحدة».

ويعود تاريخ إنشاء البريد الملكي إلى عام 1516 على يد هنري السابع، وأول طابعة لاصقة أدخلت عام 1840. وبعد خدمة دامت 497 عاما في توصيل البريد للزبائن في جميع أنحاء بريطانيا العظمى، يبقى السؤال المهم، هل تواجه المؤسسة البريدية الآن خطر الزوال بعد الحديث مؤخرا عن خصخصتها.

وكانت مؤسسة البريد البريطانية قد مرت بمراحل صعبة من إضرابات لسعاة البريد، كما مرت أيضا بظروف طريفة عندما قرر رؤساء البريد الملكي البريطاني التوقف عن تسليم الرسائل إلى أحد المنازل، جراء نشر هرة صاحبة المنزل للرعب بين أوساط سعاة البريد إثر قيامها بنهش أصابع 3 منهم. كما كانت هيئة البريد الملكي تعتزم العودة لاستخدام الحمام الزاجل، في خطوة لحل أزمة الإضرابات المستمرة لعمالها. وكانت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) قد أشارت إلى أن متحدثة باسم البريد الملكي قالت إن البريد الملكي البريطاني أغلق العشرات من صناديق البريد في حي كنزينغتون الراقي الواقع غرب العاصمة لندن، بعد أن أضاع أحد سعاة البريد مفاتيحها، لافتة إلى أن «مفاتيح صناديق البريد فقدت قبل أكثر من أسبوع، وتم كسر الصناديق المتضررة لإخراج الرسائل المتراكمة داخلها وإغلاق فتحاتها بلوحات معدنية». ومر تاريخ البريد الملكي بعدة مراحل أساسية أدت إلى تطوره عبر السنين، وفي هذا الخصوص يذكر راي ستالارد في وزارة الثقافة والإعلام والرياضة البريطانية «إن الملك هنري السابع قام عام 1516 بتأسيس (سيد البريد) الذي تطور فيما بعد إلى مكتب مدير البريد العام. وفي عام 1635 جعل تشارلز الأول خدمة البريد متاحة للجمهور وقرر أن تكلفة البريد يقوم بدفعها مستلم البريد. وفي عام 1654 منح أوليفر كرومويل مكتب البريد احتكار خدمة تسليم البريد في إنجلترا. وفي عام 1660 أنشأ تشارلز الثاني مكتب البريد العام. وقد استخدم لأول مرة في عام 1661 الطوابع البريدية، وتمت تعيين أول مدير عام البريد. وفي عام 1784 استخدم لأول مرة عربة بريد تحمل كسوة مكتب البريد، وكانت تعمل بين بريستول ولندن. ويضيف ستالارد «في عام 1793 بدأ سعاة البريد لأول مرة بالزي الرسمي يجولون الشوارع لتوزيع الرسائل للزبائن. وفي عام 1830 قام أول قطار بنقل شحنات البريد من ليفربول إلى مانشستر». وفي عام 1840 تم إصدار أول طابع بريدي لاصق كان يطلق عليه «بيني بلاك» وكان يمكن للشخص إرسال رسالة بقرش واحد. كما أقيمت عام 1853 صناديق البريد لأول مرة في بريطانيا.

ويقول ستالارد إن مكتب البريد أطلق في عام 1870 خدمة التلغراف، وفي نفس العام أصدر مكتب البريد قانونا يحظر إرسال رسائل «غير محتشمة». أما في 1880 فبدأ سعاة البريد استخدام الدراجات الهوائية لتسليم البريد. وفي عام 1912 فتح مكتب البريد خدمة الهاتف الوطنية. كما تم إدخال فئة طوابع الدرجة الثانية في عام 1968. ولأول مرة علقت في عام 1971 الخدمات البريدية في بريطانيا لمدة شهرين بين يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) نتيجة لإضراب البريد الوطني بسبب الأجور. وفي عام 1974 ظهر نظام الرموز البريدية في أنحاء بريطانيا. وفي عام 1977 تم إلغاء خدمة الرسائل البرقية. وقد فقد البريد الملكي في عام 2006 احتكاره خدمة البريد، وأصبح بإمكان المتنافسين العمل على نقل البريد إلى مكاتب البريد الملكي لنقله وتوصيله إلى الزبائن. وفي نفس الوقت أصبح على عملاء البريد الملكي شراء الطوابع البريدية عن طريق الإنترنت، دون الحاجة لشراء الطوابع التقليدية.

أما، في عام 2007 فأعلن البريد الملكي إغلاق 2500 مكتب بريد في البلاد بسبب الأجور ومعاشات التقاعد وفي عام 2009 طلبت نقابة عمال الاتصالات من العمال التصويت من أجل القيام بإضراب عام بسبب الأجور والوظائف. وفي نفس الفترة حاول اللورد ماندلسون، وزير الأعمال من حزب العمل، خصخصة جزء من البريد الملكي، ولكن محاولته باءت بالفشل بعد عاصفة من الانتقادات.

وأخيرا، وفي عام 2010 أعلنت حكومة الائتلاف الحالية بقيادة حزب المحافظين والليبرالي الديمقراطي بيع البريد الملكي لتوصيل الأعمال التجارية. كما أنها بدأت في التخلص من الدراجات التي كانت تستخدم في توصيل الرسائل بعد خدمة دامت 130 عاما.