المغرب وتركيا ينشآن مجلسا رفيع المستوى للتعاون الاستراتيجي

أردوغان يتفقد مشاريع الاستثمار التركية في الجزائر.. ويبحث الوضع في سوريا والساحل الأفريقي

رئيس الوزراء التركي يصافح نظيره الجزاائري لدى وصوله الى مطار الجزائر أمس (أ.ب)
TT

ينهي رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، اليوم، زيارة للجزائر دامت يومين تناولت العلاقات الثنائية في شقها الاقتصادي والأوضاع في سوريا التي يختلف بشأنها البلدان إلى حد النقيض.

وأعلنت السلطات الجزائرية أن الزيارة «تهدف إلى تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين وترقية الحوار السياسي والعلاقات الاقتصادية إلى أعلى المستويات».

وأكثر ما يلفت في الزيارة هو غياب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يوجد في رحلة علاج إلى فرنسا.

ووصل أردوغان إلى الجزائر قادما من الرباط التي استهل بها جولة مغاربية. ووجد في استقباله بمطار الجزائر الدولي الوزير الأول الجزائري عبد المالك سلال، وجمعتهما مباشرة محادثات تطرقت إلى العلاقات الثنائية التي يطبعها التعاون الاقتصادي ومشاريع الاستثمار التركية الكثيرة الموجودة في الجزائر. كما تناول المسؤولان الوضع المتفجر في سوريا، والذي يتباين بشأنه موقفا البلدين. ففي الوقت الذي تدعم فيه أنقرة العمل المسلح للإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد، تبدي الجزائر تحفظا شديدا عليه. وقالت مصادر مطلعة على مباحثات أردوغان وسلال، إنهما تطرقا إلى نزاع الصحراء والعلاقات المتوترة بين الجزائر والمغرب بسببه، والوضع في الساحل الأفريقي على خلفية الحرب التي تخوضها فرنسا ضد «القاعدة» وفروعها في مالي، منذ مطلع العام الحالي.

وألقى رجب طيب أردوغان مساء أمس خطابا في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة البرلمانية الأولى)، تضمن العلاقات بين البلدين والأحداث في سوريا والربيع العربي، والصراع العربي - الإسرائيلي.

ووصل أردوغان إلى الجزائر على رأس وفد اقتصادي يتكون من 200 رئيس مؤسسة تنشط في مجال السياحة وقطاعات الخدمات والصناعة الغذائية والبناء والأشغال العمومية.

وفي الرباط، أنشأ المغرب وتركيا مجلسا رفيع المستوى للتعاون الاستراتيجي. ووصف أردوغان الذي كان يتحدث مساء أول من أمس خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره المغربي عبد الإله ابن كيران، هذا المجلس بأنه يشكل «مجلسا وزاريا مشتركا بين البلدين»، ويهدف إلى تعزيز العلاقات وتطويرها بين المغرب وتركيا على جميع المستويات.

وقال أردوغان إن الأمانة العامة لمجلس التعاون الاستراتيجي أسندت لوزيري خارجية البلدين، في حين سيتولى رئيسا الحكومتين ترؤس اجتماعاته السنوية التي ستنظم بشكل دوري في عاصمتي البلدين.

وأثار غياب الاتحاد العام لمقاولات المغرب في تنظيم «منتدى الأعمال المغربي - التركي» على هامش زيارة رئيس الحكومة التركية في الرباط، جدلا كبيرا في الإعلام المغربي. وأعلن قياديون في «الاتحاد العام لمقاولات المغرب» عن مقاطعة المنتدى، بسبب عدم إشراك الاتحاد في أشغال التحضير له، واكتفاء الحكومة بدعوة الاتحاد لحضور الحفل الافتتاحي كضيف. ولوحظ غياب مريم بن صالح شقرون، رئيسة الاتحاد، وقالت مصادر في الاتحاد إنها موجودة خارج البلاد.

واعترف ابن كيران خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع أردوغان بوجود خطأ، وقال إنه سيعمل على تفادي تكراره مستقبلا، مشيرا إلى أن المنتدى جرى تنظيمه بالتنسيق بين جمعية الأمل لرجال الأعمال في المغرب وجمعية رجال الأعمال المستقلين في تركيا، وهما جمعيتان مقربتان من حزبي العدالة والتنمية في البلدين.

وحول مقاطعة قيادات الاتحاد العام لمقاولات المغرب للمنتدى، قال ابن كيران: «موقفهم سليم، لأن عندنا في المغرب يعتبر الاتحاد العام لمقاولات المغرب الجهة الوحيدة المعتمدة لتمثيل رجال الأعمال والتعامل مع الحكومة، وذلك بخلاف تركيا، حيث توجد عدة جمعيات لرجال الأعمال».

وعرف منتدى الأعمال المغربي - التركي إقبالا كبيرا، إذ تجاوز عدد اللقاءات الثنائية المبرمجة خلاله بين رجال الأعمال المغاربة والأتراك الألف لقاء عمل. وقال أردوغان: «علينا أن نتابع هذه اللقاءات لكي تؤتي أكلها». ووجه أردوغان الدعوة إلى ابن كيران لزيارة تركيا، وأن يصطحب معه رجال الأعمال الغاضبين.

ووصل أردوغان عصر أول من أمس إلى الرباط في زيارة رسمية على رأس وفد وزاري واقتصادي كبير، إذ رافقه 172 رجل أعمال. وبعد اجتماع لمدة نصف ساعة مع نظيره المغربي بمقر رئاسة الحكومة، توجه ابن كيران وأردوغان معا إلى مقر وزارة الخارجية المغربية، حيث وقعا على التصريح السياسي لإنشاء مجلس التعاون الاستراتيجي. كما جرى توقيع اتفاقيتين للتعاون في مجال النقل بين وزيري النقل في حكومتي البلدين، قبل أن يلتحق رئيسا الحكومتين والوزراء المرافقون لهما بمنتدى الأعمال المغربي - التركي المنظم في أكبر فنادق العاصمة المغربية.

وأوضح ابن كيران أن محادثاته مع أردوغان تناولت التعاون الأمني بين البلدين، خاصة في مجال مواجهة مخاطر الإرهاب والتطرف والجريمة العابرة للحدود وتجارة المخدرات، بالإضافة إلى تطور الوضع في سوريا. وقال: «التعاون بين بلدينا لن يكون اقتصاديا محضا. فنحن في مرحلة نحتاج فيها إلى تعاون حقيقي على كل المستويات». وأشار ابن كيران إلى أن «لقاءات المسؤولين في الدول الإسلامية معروفة بأنها تطغى عليها العواطف وكثرة الكلام، لكن على الحكومات التي أفرزها الربيع العربي أن تكون أكثر فعالية وعملية في هذا المجال».

وأضاف متداركا، أن «الربيع التركي سبق الربيع العربي». وأشار ابن كيران إلى أن مباحثاته مع أردوغان تناولت الكثير من أوجه تعزيز التعاون بيع البلدين. وذكر منها طلب أردوغان من المغرب أن يلعب دورا أكبر في تعليم اللغة العربية للأتراك. كما أشار إلى أنهما اتفقا على التنسيق والتعاون في مجال محاربة الإسلاموفوبيا في أوروبا، من خلال التعريف بالإسلام الصحيح، وإشراك الجاليات المسلمة.

وأشاد أردوغان بجودة التعاون الأمني والعسكري بين تركيا والمغرب، مشيرا إلى أن قائد الأسطول التركي سيزور المغرب في وقت قريب، وقال: «نتمنى زيارة من نفس المستوى من القيادة العسكرية المغربية لتركيا».

كما أعلن أردوغان أن العاهل المغربي محمد السادس سيزور تركيا مطلع العام المقبل. وأوضح أردوغان أن العلاقات مع المغرب تكتسي أهمية كبيرة بالنسبة لبلده نظرا للموقع الاستراتيجي للمغرب ودوره في استقرار منطقة شمال أفريقيا، مشيرا إلى أن المغرب أول دولة توقع اتفاقية للتجارة الحرة مع تركيا في هذه المنطقة. وأضاف أن المغرب وتركيا استطاعا أن يخرجا من الأزمة الاقتصادية الدولية بأقل الخسائر.

وعبر أردوغان عن استعداد تركيا للمساهمة في تطبيع العلاقات بين المغرب والجزائر، وقال: «هناك علاقات دبلوماسية بين البلدين، لكن هناك مشكلة الحدود وسنكون مسرورين جدا لو أسهمنا في تجاوز هذه المشكلة بين الأشقاء».

وحول نزاع الصحراء، قال أردوغان إن تركيا لا تعترف بجبهة البوليساريو التي تدعو إلى انفصال الصحراء عن المغرب، مضيفا أن هناك مفاوضات يقودها مجلس الأمن لحل هذا النزاع، والتي تدعمها تركيا.

وحول العلاقات الاقتصادية بين البلدين، أشار أردوغان إلى أنها عرفت توسعا قويا منذ زيارته الأخيرة في سنة 2005، وذلك بفضل تطبيق اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين منذ عام 2006، إذ انتقل حجم التجارة بينهما خلال هذه الفترة من 230 مليون دولار إلى 1.5 مليار دولار. غير أنه أشار إلى أن مستوى المبادلات التجارية ما زال ضعيفا، إضافة إلى اختلال كفة الميزان التجاري بين البلدين لصالح تركيا. وقال أردوغان: «أعطيت توجيهات لوزير الاقتصاد لكي يعمل على تدارك هذا الخلل، وتحقيق التوازن والعدالة في مبادلاتنا التجارية مع المغرب. ويمكن تدبير هذا الأمر من خلال اتفاقية التجارة الحرة. كما أن منتدى لأعمال الذي ننظمه اليوم في الرباط يهدف إلى الرفع من حجم المبادلات وبحث إمكانيات وفرص الاستثمار والشراكات الاقتصادية».

ولم تغب المشكلات الداخلية لتركيا عن المؤتمر الصحافي المشترك لرئيسي الحكومتين. وقال أردوغان إن السبب الحقيقي وراء الاضطرابات التي عرفتها تركيا خلال الأسبوع الماضي ليس اقتلاع أشجار من حديقة في إسطنبول، وإنما المصالح الانتخابية لبعض الأحزاب التي لا تروقها توجهات الناخبين الأتراك. واتهم أردوغان حزب الشعب الجمهوري وبعض الجهات التي وصفها بالمغالاة والتطرف بالوقوف خلف هذه الأحداث.

وأشار أردوغان إلى أن الهدوء بدأ يعود إلى تركيا قبل مغادرته لها مقارنة مع الأيام الخمسة السابقة، وأن العقل السليم بدأ يسود فيها شيئا فشيئا، مشيرا إلى أن المظاهرات لم تكن عامة، وإنما اقتصرت على المدن الكبرى. وقال: «حالما أعود من جولتي المغاربية ستكون هذه المشكلة قد انتهت».

وأوضح أردوغان أن موضوع الأشجار الذي تم استغلاله لإثارة القلاقل، يتعلق باقتلاع 12 شجرة، أعيد غرس عشر منها في حين تم تقطيع شجرتين فقط، مضيفا أن على قناة «الجزيرة» القطرية التحلي بالصدق والمهنية في نقل هذه الوقائع. وذكر أردوغان أنه خلال السنوات العشر التي قضاها رئيسا لبلدية إسطنبول غرس الكثير من الأشجار لدرجة أصبحت العاصمة التركية معروفة بأشجارها، كما أنه استورد وغرس منذ أصبح رئيسا للحكومة 2.8 مليار شجرة في تركيا.