وزير الصناعة والتجارة المصري: التوقيع بالأحرف الأولى على القرض من النقد الدولي الشهر المقبل

صالح لـ «الشرق الأوسط»: المستثمرون الخليجيون ليسوا بحاجة إلى «دعوة» للاستثمار في مصر

TT

اختتم حاتم صالح وزير الصناعة والتجارة الخارجية المصري جولة في ثلاث دول أوروبية هدفها تصحيح الصورة المتناقلة عن مصر وتحفيز رجال الأعمال والشركات في الدول المتوسطية الثلاث للاستفادة من الفرص الاستثمارية في بلاده.

وفي الحوار الذي خص به «الشرق الأوسط» شرح الوزير أوضاع مصر الاقتصادية والعلاقة العضوية القائمة بين الاقتصاد والسياسة، مركزا على الإرهاصات الإيجابية التي يرصدها والتي برزت في الأشهر التسعة الأخيرة على أكثر من صعيد، ومنها وقف تدهور حجم الاحتياطي النقدي وارتفاع الصادرات وانكماش الواردات.

وتوجه حاتم صالح إلى المستثمرين الخليجيين ليؤكد أنهم ليسوا بحاجة إلى «دعوة» للاستثمار في مصر، وشدد على الفرص التي يوفرها الاقتصاد المصري، منحيا باللائمة جزئيا على الوسائل الإعلامية التي تضخم وتبالغ.

وفي ما يلي نص الحوار:

* جميع المؤشرات ذات العلاقة بالاقتصاد المصري مقلقة. ما تشخيصكم الدقيق اليوم لحال هذا الاقتصاد وكيفية التعاطي مع المعطيات الراهنة؟

- أود أن أكون كامل الصراحة معك. الحقيقة أنه في العامين المنصرمين حصل تدهور اقتصادي في مصر في الفترة اللاحقة للثورة. نستطيع القول إن مرد ذلك يعود إلى تناقص الموارد المتأتية من قطاع السياحة ومن الاستثمارات الخارجية، وهذا ما انعكس على الأداء الاقتصادي. أعتقد أننا اليوم نجحنا في وقف التدهور والوصول إلى مرحلة الاستقرار الاقتصادي. طبعا هذا يرتبط بالاستقرار السياسي. ومنذ عدة شهور، الحالة السياسية في مصر أفضل بكثير مما كانت عليه في العامين الماضيين، وهذا يساعدنا على تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وأملنا أن نبدأ مرحلة الصعود مرة أخرى، ففي القطاع الصناعي مثلا كانت معدلات النمو في السنوات الثلاث السابقة سلبية، أي ناقص 3 في المائة و4 في المائة و5 في المائة. اليوم، متوسط الشهور التسعة الماضية زائد 3 في المائة في معدلات النمو الصناعي.

* قياسا بالعام الماضي؟

- بالضبط.

* أي عدتم إلى المستوى الذي كان عليه الاقتصاد قبل الثورة؟

- نعم. أما صادراتنا فقد تحسنت ظروفها، ففي الفترة الأخيرة حققنا نموا يتراوح ما بين 5 و6 في المائة. بموازاة ذلك، بذلنا جهدا كبيرا على مستوى الواردات. في العام الماضي ارتفعت وارداتنا بنسبة 40 في المائة، ولكن في الربع الأخير تراجعت بنسبة 19 في المائة. وهناك جهود كبيرة لوقف النزيف الاقتصادي والوصول إلى مرحلة استقرار.

* إلى أين وصلت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي؟

- هي تسير اليوم في طريقها. وكانت قد تعطلت بعض الوقت نظرا للحالة السياسية التي كانت سائدة في الشارع المصري السنة الماضية. ولكن مع الهدوء النسبي، هناك قانون مقدم لمجلس الشورى خاص بضريبة المبيعات، وعند اعتماده سيشكل خطوة متقدمة في المباحثات مع الصندوق. وأعتقد أن الشهر القادم سيشهد التوقيع بالأحرف الأولى على القرض المتفاوض عليه.

* لكن نحن نعرف أن لصندوق النقد متطلبات من الحكومة المصرية، منها وقف الدعم لعدد من السلع وخفض عجز الميزانية وسياسة تقشفية. هل توصلتم إلى تسوية حول هذه المتطلبات؟ هل الحكومة مستعدة للاستجابة لها؟

- صندوق النقد لا يفرض شروطا ولا متطلبات. لقد توقف عن هذه النوعية من الضغوط منذ سنوات عندما اكتشف أنها تؤدي إلى مشكلات اجتماعية كبيرة. هو اليوم مقرض ويطلب منا خطة منطقية معقولة لتسديده. وهي أولا وأخيرا لصالح الاقتصاد ونحن نقيمها لأنفسنا.

* ولكن ماذا عن التدابير التقشفية المطلوبة منكم، ومنها وقف الدعم لعدد من السلع؟ هل أنتم اليوم جاهزون للاستجابة لهذه المتطلبات؟

- واضح أنه عندما يكون هناك عجز في الموازنة فهذا يعني أن مصروفات الدولة أكبر من عائداتها. وهذا يتطلب إجراءات إما لزيادة الإيرادات وإما لخفض المصاريف. وليس المطلوب بالضرورة دائما إقرار إجراءات تقشفية لمعالجة أي عجز. هناك إمكانية اتخاذ إجراءات لزيادة الإيرادات.

* عن طريق زيادة الضرائب؟

- ليس بالضرورة عن طريق زيادة الضرائب فقط. ثمة سبل متاحة أخرى ومنها مثلا استصدار قانون يتعلق بالمحاجر والمناجم، وهي في مصر تستغل من دون أية رسوم. ويمكن بالتالي وضع رسوم على استغلالها ما يؤمن للدولة على الأقل 10 مليارات جنيه.

في موضوع زيادة الضرائب، هذا تدبير يمكن أن يحدث، ولكننا نريد أيضا أن نضع بعض الإجراءات التحفيزية لزيادة حصيلة الضرائب التي تذهب إلى الدولة. وعلى سبيل المثال، يمكن أن ننشئ صندوقا لدعم السياحة وآخر لدعم الصناعة وبعض الحزم لتحفيز الاستثمار وعوائد المشروعات الجديدة في محور قناة السويس، ونحن ننتظر منها عوائد ضريبية مرتفعة. وإجراءات أخرى إضافية تركز على استجلاب الاستثمارات الخارجية، ما يساعد على زيادة القاعدة الضريبية وليس زيادة الضرائب. وحتى لو حصلت زيادة للضرائب فستكون طفيفة ولن يشعر بها لا المستثمر ولا المواطن.

* هل من ضمن مشاريعكم زيادة الضرائب على الشرائح ذات الدخل المرتفع في مصر؟

- يمكن أن يحصل ذلك في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية بالتوازي مع زيادة حد الإعفاء للشرائح الدنيا.

* أحد مصاعب الاقتصاد المصري تتمثل في نسبة العجز في الميزانية، وهي تطرح مشكلة مع صندوق النقد الدولي، علما بأن الاتفاق مع هذا الصندوق سيريحكم في تعاطيكم مع صناديق وهيئات مانحة أخرى. كيف ستعملون على معالجة هذه المشكلة؟

- نحن نعمل، كما سبق أن قلت، على زيادة واردات الدولة عبر الحزم التحفيزية للاستثمار وعبر بعض الزيادات الطفيفة في بعض نوعيات الضرائب مثل ضريبة المبيعات أو ضريبة الدمغة وعبر إعادة هيكلة لدعم المحروقات بحيث ننزع الدعم عن القادرين ونبقي عليه لغير القادرين من خلال كوبونات أو أي نظام تعويضي آخر.

* وماذا عن الدعم للقمح؟

- القمح لن يمس ولكن نريد أن نضمن أن يصل الرغيف إلى مستحقه وأنبوبة «الغاز» ولتر البنزين أو السولار الحائز على الدعم إلى مستحقيه. اليوم جميع الناس تستفيد من الدعم، ونحن نريد نظاما يستفيد منه المحتاجون فقط. وبمجرد أن نحقق هذا فإننا نوفر كثيرا في فاتورة الدعم.

أما ما يخص القمح فقد بذلنا خطوات كبيرة، إذ إننا بعد أن كنا من أكبر البلدان المستوردة له في العالم، فقد نجحنا في مضاعفة إنتاج القمح في ثلاث سنوات واقتربنا من الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في إنتاج القمح. هذا يشكل أول إنجاز للثورة ولا يعود الفضل فيه إلى حكومة بل إلى الشعب.

* ما حال الاستثمارات الخليجية في مصر في السنوات الأخيرة لما بعد الثورة؟

- عدد من الدول الخليجية قام بجهود كبيرة لمساندة مصر. ولكن مصر كبيرة ولن تستجدي ما هو واجب.

* العملية ليست استجداء. بل استثمارات ومصالح.

- هناك استثمارات كبيرة في مصر لكل الدول ونحن نرحب بالمزيد منها. وثمة فرص واعدة بانتظار المستثمرين سواء في محور قناة السويس أو في المربع التعديني أو في المناطق السياحية الجديدة أو أيضا الأراضي الزراعية التي نطرحها (نحو 200 ألف فدان) وكلها تشكل مجالات استثمار مهمة. أما الاستثمار العربي فإنه إحدى دعائم الاقتصاد الحالي.

* ما هي المشاريع الاستثمارية الأهم في القطاع الصناعي الذي تريدون استجرار الاستثمار العربي أو الأجنبي إليها؟

- في محور شرق قناة السويس ثمة فرص ومشاريع لصناعات قائمة على التصدير مثل تصنيع السيارات. فبورسعيد ميناء محوري هام جدا يرتبط بكل المدن الأوروبية وبخطوط منتظمة، وهذا يعني أن كلفة النقل وسرعته تكونان متميزتين للغاية. نحن نريد صناعات قائمة على التصدير، وصناعة السيارات في مصر تقدمت للغاية بحيث وصلنا إلى تصنيع 35 في المائة من المكونات محليا ونسعى لزيادتها «نيسان»، و«مرسيدس»، وشركات صينية. ونحن استفدنا من تجربة التجميع لزيادة نسبة المكونات المحلية. وثمة فرص ستتوافر في قطاع الصناعات الغذائية في المناطق الزراعية التي نطرحها للاستثمار بحيث تصدر من ميناء بورسعيد وتستفيد من ميزاته. فضلا عن ذلك نحن نعمل على إقامة وادي التكنولوجيا في شرق الإسماعيلية، وهي منطقة خططنا لتخصص في الصناعات الإلكترونية الحديثة، ونريد أن ننقل مصر من عصر «بوتاتوس شيبس» إلى عصر صناعات «مايكرو شيبس». ونحن لدينا عدة ميزات، منها أن الرمال الموجودة في هذه المنطقة تحصل للصناعات الإلكترونية الدقيقة ولتصنيع الخلايا الشمسية، وهناك عدة شركات أميركية وأوروبية مهتمة جدا، ويمكن أن تقام شراكات في ما بينها وبين شركات عربية أو مصرية، ونحن نرحب جدا بذلك.

أما المحور الثالث فيتناول شمال غربي خليج السويس، ونحن نشجع فيه الصناعات البتروكيماوية والكيماوية الحديثة والهندسية، وثمة عدة مصانع اليوم إما موجودة وإما قيد الإنشاء في مجالات مثل تصنيع حفارات البترول (شركة صينية كبيرة) وشركات تصنيع السراميك (4,8 مليار دولار)، وصادراته يمكن أن تصل إلى 6 مليارات دولار. وسيبدأ بالإنتاج بعد نحو ثلاث سنوات.

* كيف هو حال التجارة الخارجية لمصر وكيف تسعون لسد الفجوة بين قيمة الواردات وقيمة الصادرات؟

- هناك عجز في تجارتنا الخارجية، إذ نحن نصدر ما قيمته 23 مليا ر دولار ونستورد ما قيمته 60 مليار دولار. العجز كبير وتغطيته تأتي عن طريق قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين في الخارج، وكما تعلم، الاقتصاد المصري متنوع. أسباب العجز الأساسية فاتورة المحروقات وفاتورة القمح، غير أننا نجحنا في خفض العجز في الميزان التجاري، إذ خفضنا فاتورة الواردات 19 في المائة وزدنا فاتورة الصادرات 5 في المائة. وهذا التحسن لم يحصل سابقا بهذه النسب، وهو مؤشر للاستقرار. ونحن مستمرون على نفس المنوال في تطبيق استراتيجيات واضحة في تنمية الصناعات المحلية والاعتماد على الخامات لدينا وعدم استيراد سلع يمكن أن نجد لها بديلا محليا. والخطة التي أعددناها في وزارة التجارة مع البنك المركزي هي التي أفضت إلى هذه النتائج، ونأمل الاستمرار بها.

* ما تأثير تراجع الجنيه الإسترليني على الاقتصاد وأدائه؟

- صحيح أن الجنيه تراجع، ولكن تراجع العملة يمكن أن يجعل الأداء التنافسي للاقتصاد في وضعية أفضل. لهذا التراجع نتائج داخلية ولكنه يمكن أن يكون محفزا كبيرا للسياحة وللصادرات والاستثمارات الخارجية ومانعا طبيعيا للواردات. ونحن نرى أن تراجع العملة يزيد تنافسية الاقتصاد المصري ويعطي جاذبية إضافية، وبدأنا نرى ارتفاع قيمة الاستثمارات.

* هل من رسالة للمستثمرين الخليجيين؟

- هم ليسوا بحاجة إلى رسالة ليأتوا للاستثمار في بلدهم. لديهم استثمارات كبيرة في مصر، وهي تحتل الموقع الأول. فاستثمارات السعودية تصل إلى نحو عشرين مليار دولار كقيمة سوقية، وهي الأولى خليجيا، والمملكة السعودية شقيقة ولها دور كبير. أما قطر فقد قدمت مساعدات كبيرة على شاكلة قروض ووديعة في البنك المركزي، ونحن نقدر الدور الخليجي، ونأمل مزيدا من الاستثمارات، والشهية الاستثمارية لدينا، كما نأمل من الوسائل الإعلامية أن لا تشوش الصورة.