تسعى الآلة الإعلامية الموالية لنظام الرئيس بشار الأسد، سواء السورية منها أم التابعة لأطراف إقليمية، لاستثمار استعادة سيطرة القوات النظامية على مدينة القصير، وسط سوريا، قبل أيام وتصوير المعارك القتالية الدائرة حاليا على أساس أنها «الفصل الأخير» من جهود الدولة في القضاء على «الإرهابيين والتكفيريين» الأمر الذي أكده أمس رئيس الحكومة السورية وائل الحلقي، الذي قال إن «انتصارات الجيش السوري المتلاحقة والمتسارعة على كل الأراضي السورية مستمرة حتى اجتثاث آخر إرهابي ومرتزق على الأراضي السورية».
وعرض التلفزيون السوري أمس مشاهد لشوارع قرية البويضة الشرقية، 13 كيلومترا شمال القصير، بعد ما «تمكنت قواتنا المسلحة الباسلة من إعادة الأمن والأمان» إليها وهي خاوية إلا من المباني المهدمة. وتزامنا مع ذلك، قالت قناة حزب الله اللبناني إن «القوات النظامية تمكنت من إلقاء القبض على العشرات من عناصر المعارضة في البويضة».
وعرض التلفزيون الرسمي «قذائف تحمل مواد كيميائية في بلدة البويضة الشرقية عليها كتابات باللغة العبرية»، متهما مقاتلي المعارضة «بالتواطؤ» مع إسرائيل. لكن تل أبيب سارعت لنفي الأنباء، وقال ضابط في الجيش الإسرائيلي إن ما عرض في القصير هو من مخلفات انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، وواضعا ما يسوقه الإعلام الموالي لنظام الأسد ضمن سياق «المحاولات اليائسة لصرف الأنظار عن تدخله (حزب الله) في الحرب في سوريا».
وبسيطرة القوات النظامية على البويضة الشرقية بعد ثلاثة أيام من سيطرتها، مدعومة بحزب الله على مدينة القصير، يكون نظام الرئيس بشار الأسد قد استعاد كامل منطقة القصير الاستراتيجية وسط البلاد، والتي تربط دمشق بالساحل السوري، وبات على بعد 20 كيلومترا عن مركز مدينة حمص، التي ستدور على أرضها وحلب رحى «معارك التطهير القادمة» وفقا لتسريبات مسؤولين سوريين. وسيعتمد الجيش النظامي في حمص، وهي الجبهة الأضعف مقارنة بحلب، على «قوات الدفاع الوطني» وهي تشكيلات أنشئت بهدف تنظيم عمل الميليشيات المؤيدة لنظام الأسد، وترتدي زيا رسميا وتتقاضى أجورا من الجيش وتصنف بأنها نوع من قوات الاحتياط. كما سيعتمد النظام في عملياته العسكرية في حمص على الأحياء ذات الكثافة السكانية العالية كعكرمة والزهراء وكرم اللوز والنزهة وهي أحياء تحيط بمركز المدينة «السني» والمعروف بحمص القديمة. وما يجعل حمص «خاصرة طرية» بالنسبة للمعارضة هو افتقارها لطرق الإمداد بعد سقوط القصير، وتمتع النظام بطرق إمداد بالسلاح من جهتي دمشق والساحل.
أما في حلب، ثاني أكبر المدن السورية من حيث عدد السكان، فتبدو مهمة الجيش السوري أصعب، إذ لا يمتلك طرق إمداد، كما أنه مني في الأسابيع الأخيرة بسلسلة انتكاسات، وهو أمر عزاه الإعلام السوري إلى تغيير في استراتيجية القتال والرغبة في التركيز على جبهة واحدة عوضا عن تشتيت القدرات في أكثر من جبهة. وسيعتمد النظام في معاركه في حلب على مطارها الدولي، أما في الريف فسيعتمدون على بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين المواليتين للنظام، واللتين يحاصرهما الجيش الحر منذ أكثر من 10 أيام طلبا لشبيحة سنة مختبئين فيهما. وما يجعل حلب ساحة أصعب للمعارك هو «هرمية» الجيش السوري الحر هناك، إذ يشرف، إداريا، على المدينة العقيد عبد الجبار العكيدي رئيس المجلس العسكري في المحافظة، بينما يقود المعارك، عملياتيا، عبد القادر صالح قائد لواء التوحيد.
وقد أكد أمس رئيس هيئة أركان الجيش السوري الحر، اللواء سليم إدريس أن نظام الأسد يدفع حاليا بعناصر حزب الله في مقدمة الصفوف، وهي عناصر «تتميز بروح قتالية مرتفعة وحسن التدريب والتسلح بكافة وأحدث أنواع الأسلحة»، على حد وصف القيادي العسكري الذي أضاف أن «المجموعات العراقية والإيرانية تأتي في الصف الثاني». وأشار إلى «وجود أعداد هائلة من عناصر حزب الله في الأكاديمية العسكرية في حلب تتولى عمليات التدريب والحشد وقيادة العمليات في المنطقة». وذكر أن «الوجود العسكري الإيراني كان مقتصرا في البداية على خبراء ودعم فني واستخباراتي، ثم توسع بزيادة عدد القوات».
في غضون ذلك، أعلنت كتائب «مروان حديد» التابعة للمعارضة المسلحة استهدافها «قصر الشعب» الرئاسي، وبعض تجمعات «الشبيحة» في محيطه داخل دمشق، بخمسة صواريخ «غراد». وقالت الكتائب في بيان نشرته على صفحتها على موقع «فيس بوك» إن «عمليات إطلاق الصواريخ واستهداف تجمعات (الشبيحة) والقوات النظامية في دمشق وخارجها ستستمر ردا على تكرار المجازر واستمرار الظلم والبطش». وأظهرت صورا بثها ناشطون على مواقع الإنترنت دبابة تابعة للقوات النظامية تمكنت كتائب الجيش الحر من تفجيرها على المتحلق الجنوبي في دمشق. وأعلن الجيش الحر سيطرته على منطقة الشياح الواقعة بين داريا والمعضمية بعد اشتباكات عنيفة ضد القوات النظامية.
وفي لبنان، نقلت سيارات إسعاف تابعة للصليب الأحمر اللبناني عددا من الجرحى الذين تم إجلاؤهم من مدينة القصير عبر بلدة عرسال الحدودية. وقالت مصادر في الصليب الأحمر لـ«الشرق الأوسط» إن «عملية نقل الجرحى بدأت صباح أمس وانتهت ظهرا»، موضحة أن «عدد الجرحى الذين تسلمتهم كوادر الصليب الأحمر وصل إلى 28 جريحا، تم توزيعهم على مستشفيات البقاع الأوسط والغربي في شتورة وجب جنين وراشيا».
وفي حين لم تحدد مصادر «الصليب الأحمر» نوعية الإصابات التي تعرض لها الجرحى، أظهرت صورا بثتها وسائل الإعلام اللبنانية بعض الجرحى وهم يسيرون على أقدامهم من دون أن تبدو عليهم آثار إصابات بليغة، في حين تم نقل آخرين وهم ممددون على حمالات الإسعاف. وأوضحت مصادر الصليب الأحمر أن «عملية نقل الجرحى تمت بالتنسيق مع الجيش اللبناني واللجنة الدولية للصليب الأحمر».
على صعيد آخر، ناشد «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» المجتمع الدولي «إنقاذ مدينة دير الزور من مجزرة قد ترتكبها القوات النظامية بعد قصفها بأطنان من القنابل والمتفجرات التي تلقيها الطائرات وتطلقها الراجمات وتقصفها المدافع، إضافة إلى إطلاق قنابل النابلم الحارقة لاستهداف المدنيين فيها قبل أي طرف آخر».