صيدا تنفض غبار المعارك عنها.. وهمس حول وقوع الأسير في «الفخ»

أهلها خائفون من أن تكون اشتباكات عبرا مقدمة لانفجار أكبر

مسجد بلال بن رباح وبجانبه عناصر من الجيش اللبناني («الشرق الأوسط»)
TT

بدأت مدينة صيدا، جنوب لبنان، تكنس من شوارعها غبار المعارك التي دارت قبل يومين بين الجيش اللبناني وأنصار إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير، فيما لسان أهلها يقول إن «الانفجار الذي كنا خائفين منه وقع والآن ننتظر ما سيحصل في الأيام المقبلة».

وينقسم الشارع الصيداوي حول ما جرى؛ فالبعض يعتبر أن ما حصل قبل يومين في محيط مسجد ابن رباح «شرٌ لا بد منه» لأن ظاهرة الأسير التي كبّلت المدينة منذ سنتين وجعلتها تعيش على حافة الحرب الأهلية، فيما يحذر آخرون من أن القادم من الأيام سيحمل معه ما هو أدهى وأمر، خصوصا في ظل التواجد الواضح لحزب الله في محلة العبرا فيما بات يعرف يعرف بـ«شقق حزب الله» التي لا يزال بعض الأهالي يؤكدون وجود الأسلحة فيها. ويرد اختلاف وجهات النظر إلى توجهات أبناء المدينة السياسية والطائفية، ورغم أن معظم الناس في صيدا يرفضون الإفصاح عن انتمائهم الطائفي، إلاّ أنهم، ومن دون أن يدروا أو يسألوا، تجدهم يعرّفون عن هويتهم الطائفية لتبرير وجهة نظرهم.

يكنس رامز، الشاب العشريني، الزجاج المحطم داخل متجره المقابل لمسجد ابن رباح، في مسعى لإعادة فتحه. وبينما هو منهمك بإزالة مخلفات المعركة يأتي جار له، يمتلك متجر مجاور معروض للإيجار، ليسأل عن مفتاح محله الذي كان أودعه لديه، قبل أن يعود ويستدرك أنه لم يعد للمفتاح قيمة بعدما بات الباب الزجاجي محطما. حال محل ألبسة مجاور ليس أفضل حالا. يتفقد صاحبه، الذي كان يفترض أن يحتفل بزفافه الأحد الماضي، يوم بدء الاشتباكات، الملابس الممزقة بفعل الرصاص المخترق للأبواب.

بعد الاطمئنان عن الجيران، يأتي السؤال على كل لسان عن التعويضات التي قيل إنها ستدفع للمتضررين، وهنا ينصح رامز جيرانه بتصوير كل الأضرار، لأنّ الكشف لن يبدأ قبل الأسبوع المقبل، وفق المعلومات المتداولة، بحسب قوله. عند سؤال رامز الذي بقي محتجزا في محله ومن ثم في مدخل البناية المجاورة، لأكثر من 10 ساعات، عما تحمله الذاكرة من صور ليوم الأحد الماضي، يقول: «لا نعرف من أين وكيف بدأ إطلاق الرصاص. دقائق معدودة وكانت المعركة (مشتعلة) بين الطرفين. عشنا حربا بكل ما للكلمة من معنى، استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة. لكن برغم كل ما حصل أشكر الله أنني بقيت حيا».

ويضيف: «ما رأيناه هو أن حاجز الجيش اللبناني أوقف أحد الشباب المناصرين للأسير ونزع منه عصا كانت بحوزته في سيارة مرسيدس فضية اللون، واعتقلوه، بعدما ضربوه. أتى بعد ذلك، شابان من مناصري الأسير وأجريا مفاوضات مع الجيش، يبدو أنها لم تصل إلى نتيجة».

يوضح رامز أنه «وبعد دقائق معدودة، نزل مدير مكتب الأسير الشيخ أحمد الحريري ومعه مسلحان اثنان، وتشاجر مع عناصر الجيش، لكنه رغم ذلك كان يطلب من مناصريه عدم إطلاق النار. وفي لمحة بصر، بدأ الرصاص ينهمر في المحيط من حيث لا ندري، مترافقا مع أصوات القذائف». وهنا، يلفت رامز إلى أنّ «أحد عناصر الجيش المصابين لجأ إلى محله، بينما رأى بأم عينيه، عنصرا آخر يتهاوى أمامه بعدما أطلق الرصاص عليه».

وفي حين يعبّر رامز الذي اعتاد أن يؤدي صلاة يوم الجمعة في مسجد ابن رباح، عن خوفه، مما قد يحصل في الأيام المقبلة، يؤكّد أنه لم يكن مؤيدا لأي طرف. لكنه يتحدث عن «حالة من الأسف والخيبة لدى بعض الناس في صيدا، ليس بالضرورة من مؤيدي الأسير، على مصير الأخير، إذ يعتبرون أنّ هناك من أوقعه في فخ وجرّه إلى خطأ لم يحسب لنتائجه»، مشيرا إلى أن «الشباب يعيشون في حالة خوف وذعر». يؤكد الشاب العشريني أن «مصير الكثير من الشبان غير معلوم حتى الآن». ويضيف: «يقولون لنا إنّ القوى الأمنية تعتقل كل من كان يتردّد على مسجد بلال بن رباح أو يتعاطف مع الأسير»، لافتا إلى أنه «سني وأمه شيعية وزوجته مسيحية»، قبل أن يتابع: «نحن أبناء هذه المنطقة، كان علينا التعامل وبناء علاقات مع الجميع، بعيدا عن العداء أو التطرف في تأييد طرف من دون آخر».

على بعد أمتار قليلة من المسجد، الذي تحوّل بفعل الحواجز العسكرية المحيطة به إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، يمنع على وسائل الإعلام كما على أبناء المنطقة أو سكان المباني المجاورة من الاقتراب منه أو من الأبنية المحيطة وتفقد منازلهم، يجلس الرجل السبعيني، أبو أنطون صاحب سوبر ماركت قريب يراقب ما يحصل حوله. عند سؤاله عن رأيه بما يحصل، يجيب: «دملة واقتلعت من مكانها»، آملا أن «تعود حياتنا إلى طبيعتها». لكن ما عبّر عنه أبو أنطون، يستفز سيدة أربعينية، تعرّف عن نفسها بأنها ابنة صيدا. تسارع إلى القول: «أعيش في هذه المنطقة منذ 28 سنة. بيتي لا يبعد عن المسجد أكثر من مئات الأمتار. لست محجة ولا متدينة، لكنني أؤكد أننا لم نكن نشعر بوجود الشيخ الأسير ولم يكن عناصره يزعجوننا. على العكس من ذلك، كنا نشعر بأمان بوجودهم. سلاحهم لم يظهر إلا بعدما أتى حزب الله إلى هذه الشقق وحولها إلى مخزن أسلحة». وتضيف: «75% من أبناء المنطقة كانوا مؤيدين للأسير لكن اليوم الجميع خائف ولا يجرؤ على الكلام».

تقول السيدة إنه «بمجرد انتهاء المعارك، عمد مؤيدو حزب الله إلى الاستفزاز، رفعوا أعلام الحزب الصفراء وبدأت الأناشيد الدينية تصدح في المكان»، مبدية أسفها لأنه «يبدو أن الحكم في لبنان بات للأقوى، فيما من لا يملك السلاح وليس له مرجع يحميه ويدعمه فلا أسف عليه». لا يختلف رأي هذه السيدة الصيداوية عن رأي سيدة أخرى عائدة للتو إلى بيتها بعدما غادرته الاثنين الماضي. تؤكد الأخيرة أنها «رأت عناصر من حزب الله كانوا على أرض المعركة إلى جانب الجيش». وتقول: «أسكن في الشارع المحاذي لمسجد بلال بن رباح، ولم أترك بيتي إلا بعدما أتى عناصر عرفوا عن أنفسهم بأنهم من حزب الله يرتدون زيا عسكريا ويربطون على أيديهم شارات صفراء، وطلبوا مني الخروج»، وتتابع: «كل هذا إضافة إلى الصور التي انتشرت في وسائل الإعلام ولا يزالون غير مصدقين أو لا يريدون أن يعترفوا بأن الحزب كان مشاركا في المعارك».

في الجهة المقابلة لمسجد بلال بن رباح، وتحديدا في أحد محلات بيع المواد الغذائية، تأتي إحدى السيدات لتقاطع صاحب محل يروي ما حصل الأحد الماضي، قائلة: «هذا المربع الأمني الذي كان تحت سيطرة الأسير اسمه شارع الحمرا. كان طريقا عاما يمرّ فيه كل أبناء المنطقة من المسيحيين والمسلمين، إلى أن أتى هو وأقفل المدينة على أهلها».. وتتابع بانفعال: «أنا سنية وأرفض حمل السلاح. ما أريده هو أن تعود مدينتي إلى ما كانت عليه جامعة لكل الطوائف». كلام السيدة الثلاثينية، يستدعي ردا سريعا من زبون آخر في المحل، قائلا: «كلنا نريدها كذلك، لكن أن تكون جامعة للمدنيين لا المسلحين. وكما قضي على مسلحي الأسير عليهم أن يقضوا على المسلحين الآخرين. وكما نقلوا صور المسجد الذي كان يحوي الأسلحة، وهي في الحقيقة لا تعدو كونها أسلحة صيد، عليهم الدخول إلى شقق حزب الله لمعرفة ما فيها من أسلحة ثقيلة». وإذا كان وجود الأسير لا يسبب إزعاجا لبعض جيرانه وأهالي صيدا، لكنه كان يعكّر على صاحب محل البيروتي للأجهزة الخلوية سير عمله. يعتبر أن «ما حصل للأسير درس على الجميع أن يتعلم منه». ويتابع وهو يشير إلى واجهة محله المحطمة: «كنا نعيش بخوف وقلق. أعمالنا توقفت. اعتدنا أن نجني يوميا نحو 700 دولار أميركي، ولكن منذ أن بدأ الأسير يهدّد ويتوعّد، لم تعد تصل غلّة اليوم الواحد إلى 70 دولارا». يؤكد هذا الرجل أن «العناصر التابعة للأسير هي من أطلقت الرصاص باتجاه الجيش»، موضحا أنهم «اتخذوا موظفين لديه كدروع بشرية ومنعوهم من الخروج من المحل، ولم يفرجوا عنهم إلا بعدما تدخل عناصر الجيش».

في توصيفه لما جرى ويجري في عاصمة الجنوب، يرى أحد أبنائها، وهو سائق تاكسي، أنّ ما حصل «نتيجة عملية لاستدراج الأسير ليقع في الفخ وفي مواجهة الجيش الذي كان يرفض الشيخ مواجهته، في حين كان يفترض أن تكون المواجهة مع حزب الله». ويقول: «حادثة يوم الأحد لم تكن وليدة ساعتها، بل المشكلة بدأت قبل يوم واحد أثر تكسير زجاج سيارة تابعة لأحد مناصري الأسير، والدليل على ذلك، الحواجز التي انتشرت فجأة في المنطقة مساء السبت تفتش وتوقف السيارات»، معتبرا أنّ ما حدث «لم يكن لمصلحة الأسير الذي كان قد وافق على المهلة المعطاة لإنهاء مشكلة شقق حزب الله حتى الاثنين، لكن يبدو أنه وقع في فخ الغدر قبل أن يحين الموعد المتفق عليه».