شكوك إسرائيلية في جدية نتنياهو لإحراز تسوية للصراع مع الفلسطينيين

أحد مهندسي أوسلو: ليت أبو مازن يحضر إلى المفاوضات ليكشف لنا حقيقة موقف نتنياهو

نتنياهو
TT

في الوقت الذي يستعد فيه القادة الإسرائيليون والفلسطينيون لاستقبال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في جولة جديدة من المحادثات الهادفة إلى استئناف محادثات السلام بينهما، وجه أحد مهندسي اتفاقيات أوسلو الإسرائيليين، الدكتور رون فونداك، نداء إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يناشده أن يوافق على بدء مفاوضات من دون شروط مسبقة، وذلك لكي يكشف حقيقة مواقف نتنياهو.

وقال د. فونداك، في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، إنه لا يثق بأن نتنياهو ذو نوايا صادقة لإحراز تسوية للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، يفضي إلى إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل في حدود 1967 مع تعديلات طفيفة تكون عاصمتها القدس، وبالتأكيد ليس معنيا بإخلاء مستوطنات.

وأعرب عن قناعته بأن نتنياهو يماطل ويخادع، وكل ما يريده هو إيجاد طريقة يكون ممكنا بها أن يتهم العالم الرئيس الفلسطيني بالمسؤولية عن فشل المفاوضات، مثلما فعل رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك سنة 2000 بعد فشل المفاوضات مع الرئيس ياسر عرفات في كامب ديفيد. ولكنه أضاف: «لهذا السبب بالذات، ينبغي خوض المغامرة لكشف وجهه الحقيقي».

وأضاف فونداك، الذي يعرف الرئيس عباس عن قرب من خلال المفاوضات التي سبقت أوسلو، أن «المطلوب من أبو مازن أن يأتي، ولنقل إنه سيعطي للمفاوضات فرصة أخيرة، فيقول إنه يأتي بنوايا طيبة لتحقيق حلم شعبه في دولة بنت معيشة، أي ذات سيادة، وذات حدود متصلة، وذات أسس ديمقراطية حرة ومنزوعة السلاح، وتريد العيش بسلام وأمان إلى جانب إسرائيل. ولنر كيف سيرد نتنياهو. فإذا تجاوب معه، تكون تلك فرصة تاريخية حقا لتسوية الصراع ولفتح صفحة جديدة في التاريخ، ليس فقط تاريخ المنطقة، بل تاريخ البشرية جمعاء. وإن واصل نتنياهو ألاعيبه وخدعه وراح يماطل ويفرض شروطا تعجيزية، ينسحب أبو مازن ويعلن للعالم أن نتنياهو لا يريد السلام. وعندها (يتابع فونداك) سيدرك الإسرائيليون أن رئيس وزرائهم يضيع فرصة أخرى، وهذا سيتيح لقوى السلام أن تدير معركة جماهيرية شاملة ضد نتنياهو وحكمه، مثلما حصل سنة 1992 عندما أسقطنا حكم إسحق شامير وانتخبنا إسحق رابين رئيسا للوزراء مكانه».

وكانت الحلبة السياسية الإسرائيلية قد انشغلت بزيارة كيري، قبيل وصوله إلى تل أبيب، مساء أمس، خصوصا بعد الإعلان عن بناء مزيد من الوحدات الاستيطانية في المناطق الفلسطينية المحتلة، التي انتقدها أيضا كيري؛ إذ قال: «القادة الإسرائيليون والفلسطينيون يريدون التسوية، لكن الموافقة الإسرائيلية على بناء 69 وحدة استيطانية جديدة في القدس الشرقية تزيد من الصعوبات في التقدم في المحادثات». وكان يقصد بذلك قرار بلدية القدس الذي اتخذ بالتعاون مع وزارة الداخلية ببناء تلك الوحدات في حي «هار حوما» الاستيطاني، المبني على أراضي جبل أبو غنيم في القدس الشرقية المحتلة. وهو القرار الذي كشف عنه عضو يساري في بلدية القدس الغربية، معتبرا إياه بمثابة «استفزاز واضح ومقصود» لوزير الخارجية الأميركي جون كيري، وهذا «يثبت إلى أي درجة تريد حكومة (بنيامين نتنياهو) السلام».

وقالت حركة «السلام الآن» الإسرائيلية المناهضة للاستيطان إن الحكومة الإسرائيلية اعتادت استفزاز كيري عشية كل زيارة. وقالت إن «إسرائيل قدمت منذ شهر مارس (آذار) 2013 خططا لبناء 2480 وحدة سكنية استيطانية على الأقل في الضفة الغربية المحتلة». وأضافت: «بل إن الحكومة تواصل الترويج لترسيخ الحقائق على الأرض التي ستكون مدمرة لحل الدولتين».

من جهة ثانية، يواصل المقربون من نتنياهو التبشير بأنه «جدي» في التوجه للتسوية مع الفلسطينيين على أساس مبدأ حل الدولتين. وفي يوم أمس صرح نتنياهو نفسه، خلال مشاركته في المراسم الرسمية لإحياء ذكرى وفاة بنيامين زئيف هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، بأنه متمسك بحل الدولتين. وقال: «تشويه سمعة دولة إسرائيل ووصفنا بأننا نرفض السلام ونريد الحرب وكأننا دولة مظلمة تدعو للاحتلال - كل هذا بعيد كل البعد عن الواقع. إننا دولة منورة تكافح كما لا تكافح أي ديمقراطية أخرى في العالم. إننا نكافح الطموحات بتدميرنا كما لا تكافح أي دولة أخرى، ونقوم بذلك بالطريقة الأكثر إشعاعا. ولكن للأسف، لا يزال البعض يصدقها. وهذا لم يتغير حتى لما كنا في أوج العملية السلمية. إننا نريد السلام لأننا نريد أن نعيش بسلام، وصحيح أننا لا نريد دولة مزدوجة القومية. ونريد حل الدولتين».

وأضاف نتنياهو: «لكن لا يوهم أحد منا نفسه أنه إذا توصلنا لاتفاق مع الفلسطينيين فسيضع هذا الاتفاق حدا للإساءات الجنونية بحق الدولة اليهودية؛ لأن ما تعامل معه اليهود على مر الأجيال تتعامل معه اليوم دولة اليهود. والسلام مرغوب فيه بحد ذاته، وهو مبني على الأمن. إن السلام لا يعتمد على نوايا حسنة وعلى شرعية، كما يعتقد البعض، وإنما هو يعتمد أولا على قدرتنا على الدفاع عن أنفسنا. ومن دون الأمن والجيش الذي دعا هرتزل إلى تشكيله، لن نستطيع الدفاع عن السلام ولا نستطيع الدفاع عن أنفسنا إذا تشرذم السلام. والشرط الأساسي لوجود السلام ولتحقيقه وللحفاظ عليه هو الأمن». من جهته، قال الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس إن فكرة الدولة ثنائية القومية تتنافى وروح رؤيا مؤسس الحركة الصهيونية بنيامين زئيف هرتزل، وتعرض للخطر الطابع اليهودي والديمقراطي لدولة إسرائيل. وتطرق بيريس إلى جهود كيري لاستئناف عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، فقال إنه يرحب بوصول الوزير كيري إلى البلاد مرة أخرى اليوم، وإن دولة إسرائيل ستساعده من أجل أن تتكلل مساعيه بالنجاح. ورأى رئيس الدولة أن فرصة استئناف العملية التفاوضية أصبحت سانحة ولا يجوز تفويتها.

يذكر أن كيري، وبعد أن ينهي لقاءاته في إسرائيل اليوم، سيعود غدا إلى العاصمة الأردنية عمان، للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس. ثم سيعود مرة أخرى للقاء نتنياهو في القدس في المساء.