واشنطن تتوقع أن تشن حركة طالبان مزيدا من الهجمات رغم محادثات السلام

هل يتم التوصل إلى اتفاق بأي ثمن مع اقتراب انسحاب القوات الأجنبية؟

قوات جيورجية تستعد للمغادرة الى افغانستان أمس (أ.ب)
TT

أعلنت الولايات المتحدة أمس أنها تتوقع أن تواصل حركة طالبان شن هجمات في أفغانستان حتى لو بدأت محادثات سلام في مكتبها الجديد في قطر. وهاجم مقاتلون من الحركة يحملون بطاقات هوية مزورة لحلف شمال الأطلسي أحد مداخل القصر الرئاسي في كابل ومبنى قريبا من المعروف أن فيه مقرا لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) الثلاثاء، مما أدى إلى مقتل ثلاثة حراس والمهاجمين. وصرح المبعوث الأميركي الخاص إلى أفغانستان وباكستان جيمس دوبينز للصحافيين في نيودلهي «أعتقد بصراحة أن طالبان ستحاول أن تخوض المفاوضات من موقع قوة». وأضاف دوبينز أن «طالبان ستسعى إلى مواصلة الضغوط للإيحاء بأن الولايات المتحدة تسحب قواتها نتيجة لهذه الضغوط وليس بفضل نجاحاتها». وتابع دوبينز الذي ينهي جولة في جنوب آسيا أنه أطلع نظراءه في الهند على عملية السلام الهشة مما أثار قلق نيودلهي. وقال «أعربوا بوضوح عن القلق وهو شعور نتقاسمه إذ لا أحد يعلم في أي اتجاه ستسير الأمور».

وتخشى الهند التي أنفقت أكثر من ملياري دولار من المساعدات في أفغانستان أي عودة لطالبان إلى السلطة. وتتنافس الهند مع باكستان على النفوذ في أفغانستان إلا أن دوبينز لاحظ إمكان تحسن العلاقات مع البلدين المتجاورين اللذين خاضا ثلاثة حروب منذ استقلالهما.

وكان دوبينز صرح إثر محادثات في إسلام آباد الثلاثاء أن رئيس وزراء باكستان نواز شريف جعل من تحسين العلاقات مع الهند «أولوية مهمة».

وقامت حركة طالبان بفتح مكتب في قطر الثلاثاء الماضي أثار جدلا على الفور بعد رفع راية بيضاء وشعار «الإمارة الإسلامية» الذي كانت تستخدمه الحركة عندما كانت تتولى الحكم في أفغانستان.

وشددت واشنطن على ضرورة التوصل إلى حل سياسي من أجل وضع حد لأعمال العنف في أفغانستان قبل انتهاء المهمة القتالية لقوات الحلف الأطلسي في عام 2014.

وتسعى كل من الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية وحركة طالبان إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب في الجهود من أجل إلى اتفاق سلام أن يتم التوصل إليه على الأرجح قبل انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان بعد 12 عاما على الحرب.

وستخفض الولايات المتحدة قواتها إلى النصف لتصل إلى 34 ألف عسكري خلال ثمانية أشهر. ويدير البريطانيون 13 قاعدة في ولاية هلمند المضطربة بعد أن كانوا يديرون 137 قاعدة. أما بقية قوات حلف شمال الأطلسي فقد انسحبت من ذلك البلد بالفعل.

ويقترب الموعد النهائي لانسحاب جميع القوات القتالية الأجنبية في ديسمبر (كانون الأول) 2014 فيما تواصل طالبان هجماتها في كابل وافتتحت مكتبا أشبه بحكومة في المنفى في العاصمة القطرية الدوحة.

ورأى وحيد موجدا المحلل الذي عمل مسؤولا في وزارة الخارجية في حكومة طالبان التي حكمت البلاد من 1996 حتى 2001 أن «الأميركيين لا مسلحي طالبان هم الذين يحتاجون إلى هذه المفاوضات».

وأضاف «من دون تسوية سلمية، فإن الوضع سيتدهور. وستكثف طالبان هجماتها، وستسقط المزيد من المناطق الريفية تحت سيطرتها، وستصبح الطرق الرئيسة والسريعة غير آمنة». وتابع «إنهم يعتقدون أنهم بهذه الطريقة ستكون لهم اليد الطولى في أي محادثات سلام. وكما يقولون فإن الأميركيين لديهم الساعة، ولكن نحن لدينا الوقت».

واتهم الرئيس الأميركي باراك أوباما في مراحل مبكرة من رئاسته بالبطء في السعي إلى التوصل إلى حل سلمي لإنهاء النزاع المستمر منذ 12 عاما، إلا أن المخاوف تتزايد بأن يتم الاستعجال في التوصل إلى اتفاق بأي ثمن. وعندما افتتحت حركة طالبان مكتبها في قطر الأسبوع الماضي ورفعت علمها عليه واستخدمت اسم «إمارة أفغانستان الإسلامية»، غضب الرئيس الأفغاني حميد كرزاي وأوقف المحادثات مع الأميركيين وهدد بمقاطعة عملية السلام برمتها. ورأى بروس ريديل مدير مشروع بروكنغز إنتلجنس أن إخفاق الولايات المتحدة في إدارة افتتاح المكتب بطريقة سلسة عزز الشكوك بشأن استعداد إدارة أوباما للتنازل. وقال إن «المفهوم السائد في المنطقة هو أن واشنطن تسعى إلى إجراء عملية سياسية باستماتة تجعلها مستعدة للتضحية بمصالح شريكها الأفغاني» في إشارة إلى الرئيس حميد كرزاي، مضيفا أن «ذلك مفهوم خطر جدا ينتشر حاليا». وأضاف «يجب أن تصبح هذه عملية يتحدث فيها الأفغان إلى الأفغان. كرزاي قال إنه لن يتحدث. إنه يريد مفاوضات مع طالبان تعيد هيكلة نفسها لتصبح حزبا سياسيا».

وقال الكاتب الباكستاني أحمد رشيد الذي كتب كثيرا عن أفغانستان وطالبان، إن تعنت كرزاي يعكس غضبا أفغانيا أوسع، إلا أنه اتهمه بأنه جزء من المشكلة. وأضاف أن كرزاي «تصور دائما نوعا من استسلام طالبان له أو اجتماعا لقبائل البشتون تعترف فيه طالبان به على أنه زعيمهم وتضع العمامة التقليدية فوق رأسه». وأضاف «لكن من الواضح أن أيا من ذلك لن يحدث. لماذا تستسلم طالبان في الوقت الذي أنهكت فيه القوات الأميركية، أو أن تنحني أمام رجل تكن له أكبر الكراهية؟ ومع ذلك فإن كرزاي يرفض قبول أي شيء أقل من ذلك».

وبعد ساعات من افتتاح المكتب في قطر، شنت طالبان هجوما صاروخيا أدى إلى مقتل أربعة أميركيين في أكبر قاعدة عسكرية في أفغانستان. وبعد ذلك بأيام استهدف فريق انتحاري القصر الرئاسي ومكتب وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) في أجرأ هجوم تشهده كابل خلال سنوات. وذكر تقرير أصدرتها مجموعة الأزمات الدولية أول من أمس أن «وسيلة التعبير السياسي الرئيسة للمسلحين في المستقبل القريب ستظل القتال، وليس السياسة الحزبية». وقال أمير الله أمان الجنرال الأفغاني السابق الذي تحول إلى شخصية تلفزيونية إنه مع اقتراب عام 2014 فإن طالبان مقتنعة بأن «نجاحها يسير خطوة بخطوة مع الانسحاب الأميركي، ومكتبهم السياسي في قطر جعلهم أكثر جرأة للقيام بمزيد من العمليات للضغط على الحكومة لتذعن لطلباتهم». إلا أن آخرين لا يعتقدون أن طالبان تمسك بجميع الخيوط الرابحة في يدها، رغم الانسحاب الأميركي الوشيك وضعف الحكومة الأفغانية التي تواجه انتخابات رئاسية صعبة في أبريل (نيسان). وقالت كيت كلارك المحللة البارزة في شبكة أفغانستان للمحللين ومقرها كابل إن «طالبان تبالغ في تقديرها لقدراتها وتقلل من قوة قوات الأمن التابعة للحكومة الأفغانية». وأضافت «إنهم يتذكرون 1996 وكيف أنهم سيطروا على معظم البلاد دون حدوث قتال كبير. ولا أعتقد أن الوضع سيكون كذلك مرة أخرى. إنهم لا يدركون صعوبة ذلك، سواء مع وجود الأميركيين أو عدم وجودهم».

والتزم مسلحو طالبان الصمت منذ افتتاح مكتبهم في قطر، باستثناء إعلانهم عن مسؤوليتهم عن الهجوم على القصر الرئاسية والقاعدة الأميركية.

وفي قطر تلا مسؤولو طالبان بيانا طالبوا فيه بإنهاء «الاحتلال» بمعنى أنه يجب أن لا يبقى في أفغانستان أي جندي أميركي، رغم أن المحادثات بين الأفغان والولايات المتحدة من المفترض أن تتوصل إلى اتفاق حول القوة الأميركية المتبقية في ذلك البلد بعد 2014.

ونص برنامج طالبان المؤلف من خمس نقاط على أن المكتب يمكن أن يستخدم للقاء أفغان غير محددين «في الوقت المناسب» فيما قد يكون إشارة إلى احتمال البحث في رفضهم التحدث مع ممثلين من حكومة كرزاي رغم أن ذلك لن يتم فورا. وقال عضو من طالبان في شمال غربي باكستان طلب عدم الكشف عن هويته لوكالة الصحافة الفرنسية «طالبان ينتظرون، لا نتوقع من هذه المحادثات التوصل إلى حل فوري، فذلك سيستغرق وقتا».