الضغوط الاقتصادية تجبر اليونانيين على الهجرة من المدن للقرى للاعتماد على الزراعة

أراض خصبة أصبحت بورا بعد موجة الهجرة من الريف إلى المدن خلال سنوات الطفرة

يتعلم عشرات من المهنيين العاطلين عن العمل كيفية الزراعة التي يرون أنها ستساعدهم كثيرا في السراء والضراء (واشنطن بوست)
TT

بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على اندلاع أزمة الركود والكساد في اليونان، لا يزال الاقتصاد يتقلص ولا يزال معدل البطالة في ارتفاع، وإن لم يكن بنفس السرعة التي كان عليها من قبل، في الوقت الذي يرى فيه قادة البلاد أن هناك ضوءا في نهاية هذا النفق الطويل يمثل الأمل للشعب اليوناني. وفي أرض مزدهرة شمال العاصمة اليونانية أثينا، يتعلم عشرات من المهنيين العاطلين عن العمل كيفية الزراعة التي يرون أنها ستساعدهم كثيرا في السراء والضراء.

ويملك الكثير من اليونانيين أراضي زراعية أصبحت بورا بعدما انتقل آباؤهم وأجدادهم من الريف إلى المدن خلال الطفرة الاقتصادية التي شهدتها البلاد في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. والآن، وبعد سنوات من التقشف، عاد كثير من اليونانيين إلى الزراعة كبديل عن أعمالهم التي فقدوها.

تقول كونستانتينا كاردوليا، وهي فنانة تصويرية تبلغ من العمر 30 عاما فقدت عملها منذ نحو عام ونصف العام ولديها قطعة أرض بالقرب من أثينا: «أفضل شيء هو أنه عندما تكون في القاع، فلا يوجد شيء أسوأ من ذلك. لدينا أرانب ودجاج وكرنب وجزر، بما يكفي لتغطية احتياجاتنا».

وعلى مدى السنوات الماضية، أصبح التخطيط لشهر قادم في اليونان يبدو شيئا مستحيلا، مع احتمال تبخر المدخرات اليونانية في حال خروج البلاد من منطقة اليورو. وحتى عندما تشاحن السياسيون في البلاد لسن قوانين بالتدابير الاقتصادية القاسية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي والدول الدائنة مثل ألمانيا وهولندا، فشلت تلك القوانين في التحول إلى عمل على أرض الواقع. وعلى الرغم من تأكيد القادة اليونانيين على أن الوضع قد بدأ في التحسن، إلا أن معدل البطالة قد وصل إلى 27 في المائة، مع الوضع في الاعتبار أن الحكومة لديها بالكاد ما يكفي لاستمرار عمل المستشفيات والمدارس وغيرها من الخدمات الأساسية.

وبعد مرور عام واحد على مجيء حكومة ائتلافية هشة إلى السلطة، كانت البلاد تشهد حالة من الاستقرار غير المألوف إلى أن أمر رئيس الوزراء أنطونيس ساماراس خلال الشهر الحالي بإغلاق شبكة قنوات «إي آر تي» التلفزيونية بهدف إلغاء 2500 وظيفة من الوظائف الحكومية. وقد انسحب أصغر تحالف في الحكومة اليونانية المكونة من ثلاثة تحالفات احتجاجا على تلك الخطوة، مما أدى إلى اندلاع اضطرابات جديدة الأسبوع الماضي.

ومع ذلك، لم تمتد الاضطرابات لولاية أولدنبورغ الريفية شمال أثينا، وكان الطلاب في الفصول التي تدرس الزراعة يتسمون بالهدوء، قائلين إنهم قد وجدوا أخيرا المسار الذي لا يعتمد بشكل كبير على قادتهم. وقد حصل أكثر من 96 طالبا من الطلاب الموجودين هنا على درجات علمية تتراوح بين طب الأسنان والهندسة المدنية، وجميعهم عاطلون عن العمل ويأسوا من العثور على وظيفة في مجال خبرتهم في أي وقت قريب، ولذا اتجهوا للزراعة كعمل تجاري. ويعتزم البعض الرحيل من أثينا حيث تكاليف الحياة المرتفعة إلى الريف، في هجرة عكسية لما قام به أجدادهم منذ عقود.

وقالت تشاريتيني كونتوبولو، وهي طالبة دكتوراه في الهندسة الزراعية وتشرف على الفصول الدراسية في منظمة مركز الأرض: «لدينا كل هذه الأرض التي لم نحسن استغلالها. جميع أصدقائي جاءوا وقالوا لي تشاريتيني، لدي هذه القطعة من الأرض، ما الذي يتعين علي القيام به؟» وبدأت أولى المحاضرات في شهر مارس (آذار) الماضي، وتستمر المحاضرات لمدة ثلاثة أيام في الأسبوع على مدى تسعة أسابيع، يقوم خلالها الطلاب بدراسة أساسيات الهندسة الزراعية ويتعلمون كل شيء، بدءا من زراعة الكروم وحتى مشاتل الخضراوات. وفي صباح أحد الأيام الأخيرة، كان الطلاب يقومون بتقليم الكرم، ويأخذون قسطا من الراحة من الشمس الحارقة تحت ظلال أشجار الزيتون القريبة.

وقال ديميتريون بوتسوس، الذي قضى عقودا يعمل في شركات كبرى ومنظمة غير حكومية قبل أن يفقد وظيفته عام 2008 ويبلغ من العمر الآن 51 عاما: «بعد هذه الفترة الطويلة من البطالة، بات الجميع يفهم أنه يتعين علينا القيام بشيء». وقال بوتسوس، الذي فقدت زوجته عملها أيضا، إن أجداده كانوا مزارعين، ولكنه لا يعرف الكثير هو وآباؤه عن الزراعة، التي تعد الملاذ الواضح في الأوقات الصعبة، على حد تعبيره.

وأضاف بوتسوس: «الأرض موجودة، وكل ما تحتاجه هو العمل بيديك»، مشيرا إلى أن هذا هو السبيل الأفضل لتحسين الاقتصاد اليوناني – وليست نصائح صندوق النقد الدولي أو الاتحاد الأوروبي التي تنطوي على استثمارات أجنبية بمليارات الدولارات.

ولم يكن المزارعون الطامحون هم الوحيدون الذين ينظرون إلى الاقتصاد اليوناني ويتساءلون عن مصدر الخلل، فحتى صندوق النقد الدولي قد تراجع بشكل كبير عن حملته التي تهدف إلى التقشف، قائلا خلال العام الحالي إن تأثير تخفيضات الإنفاق الحكومي على الاقتصادات كان أشد قسوة مما كان مقدرا في السابق. ودعا الصندوق دول الاتحاد الأوروبي إلى التنازل عن جزء من ديون اليونان حتى يمكن للاقتصاد اليوناني التعافي من كبوته.

وقد تعايش الكثير من اليونانيين مع الوضع الحالي وباتوا يعتمدون على سلع أقل. وفي سوق للمواد الغذائية في الهواء الطلق في أحد الأحياء الواقعة شمال أثينا وبالقرب من موعد الإغلاق بعد ظهر أحد الأيام الأخيرة، احتشد المتسوقون وهم يعرفون أن المزارعين سيحرصون على بيع بضائعهم مقابل الحصول على سلع أخرى.

وقالت كاتارينا ميليوني، وهي سيدة في الخامسة والأربعين من عمرها كانت تعمل في بيع السجاد قبل أن تفصل من عملها: «سعر البطاطس لا ينخفض، على عكس أسعار الأسماك. انخفضت المشتريات بصورة كبيرة، وباتت الأمور أسوأ من ذي قبل كثيرا».

* ساهم في كتابة التقرير اليندا لابروبولو

* خدمة «واشنطن بوست»

* خاص بـ«الشرق الأوسط»