نواف المعاودة لـ «الشرق الأوسط»: الاستقلالية والمصداقية من أهم مرتكزات عمل الأمانة العامة للتظلمات

الأمين العام يؤكد أنها أول جهاز مستقل بعد السلطة القضائية له صلاحيات زيارة السجون وأماكن التوقيف

TT

قال أمين عام التظلمات بوزارة الداخلية البحرينية نواف محمد المعاودة لـ«الشرق الأوسط» إن الأمانة العامة للتظلمات هي جهاز تم استحداثه بالبحرين وإنها «الأولى من نوعها في منطقة الخليج وهي جهاز مستقل إداريا وماليا تعمل بوزارة الداخلية لتلقي شكاوى الجمهور في حال ارتكب أحد منتسبي الوزارة لسلوك أو فعل مؤثم، كما تعمل على ضمان الالتزام بقوانين المملكة والمعايير المهنية للعمل الشرطي المنصوص عليها في مدونة سلوك الشرطة، وكذلك باللوائح الإدارية التي تحكم أداء الموظفين المدنيين بالوزارة، ومن ضمن آليات عملها إبلاغ الجهة المختصة بوزارة الداخلية لاتخاذ الإجراءات التأديبية بحق المخالفين».

وأضاف المعاودة أن الأمانة هي «إحدى صور تنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق أو ما تعرف إعلاميا بـ(لجنة بسيوني)، وتحديدا التوصية رقم 1717 والمتعلقة باستحداث وحدة منفصلة مستقلة عن التسلسل الهرمي داخل وزارة الداخلية على أن تشمل مهامها تلقي الشكاوى والمظالم».

وتدشن وزارة الداخلية بمملكة البحرين أول أمانة عامة للتظلمات في الخليج اليوم، وبهذه المناسبة التقت «الشرق الأوسط» أمين عام التظلمات بوزارة الداخلية البحرينية نواف محمد المعاودة الذي خص الصحيفة بحوار فيما يلي نصه:

* ما هي أمانة التظلمات؟

- الأمانة العامة للتظلمات بمملكة البحرين هي الأولى من نوعها في منطقة الخليج، وهي جهاز مستقل إداريا وماليا تعمل بوزارة الداخلية لتلقي شكاوى الجمهور في حال ارتكب أحد منتسبي الوزارة لسلوك أو فعل مؤثم، كما تعمل على ضمان الالتزام بقوانين المملكة والمعايير المهنية للعمل الشرطي المنصوص عليها في مدونة سلوك الشرطة، وكذلك باللوائح الإدارية التي تحكم أداء الموظفين المدنيين بالوزارة، ومن ضمن آليات عملها إبلاغ الجهة المختصة بوزارة الداخلية لاتخاذ الإجراءات التأديبية بحق المخالفين من منتسبيها، أو إبلاغ النيابة العامة أو وحدة التحقيق الخاصة في الحالات التي تشكل جريمة جنائية، مع إبلاغ كل من صاحب الشكوى والمشكو في حقه ببيان يتضمن الخطوات المتخذة لفحص الشكاوى والنتائج التي خلص إليها، كما يقوم أعضاؤها بزيارة السجون وأماكن التوقيف للتأكد من توافر عدة معايير مثل المعاملة الإنسانية، والرعاية الصحية، ومعيار الحقوق والضمانات القانونية، وهي تتبع في ذلك المعايير ذات الصلة في القوانين المحلية وكذلك المعايير الدولية في آلية التفتيش على السجون وأماكن التوقيف.

كل ذلك ضمن إطار عام يشمل منظومة العمل المؤسسي الذي يحرص على احترام حقوق الإنسان وترسيخ قيم العدالة وسيادة القانون، واكتساب ثقة الجمهور.

* ذكرتم أن الأمانة العامة للتظلمات هي الأولى من نوعها في المنطقة.. فما هي السمات المميزة لعملها؟

- إن الإطار العام الذي يحكم عمل الأمانة العامة للتظلمات بمملكة البحرين يشمل كثيرا من الأهداف والوسائل في الوقت ذاته، منها: القدرة على ضمان المساءلة لأي متجاوز، والاستقلالية والحيادية بما يشمل عدم وجود أي تحيز من أي نوع لأي من الأطراف، وعمومية الرقابة وشفافيتها، وإنجاز العمل بالسرعة المطلوبة بما يحقق عدالة ناجزة، والعمل على بث الثقة والاطمئنان والمصداقية لدى الجمهور، والعمل على تلافي الأخطاء التي تكشفت من خلال الخبرات المكتسبة في هذا الشأن، والعمل على تضمين سياسات الأمن العام مما يمنع من حصولها في المستقبل.

وهو ما يمكن اختصاره في الأركان الخمسة التي تمثل شعار الأمانة العامة للتظلمات وهي: الاستقلالية - المصداقية - الحيادية - ضمان المساءلة - الشفافية، وهي المبادئ الأساسية التي بنيت عليها الأمانة العامة للتظلمات، وشكلت طبيعة المهام والأدوار التي تقوم بها، ولا سيما من خلال إجراء التحقيقات المهنية بمساعدة من خبراء متخصصين في القضايا القانونية وحقوق الإنسان، بحيث يتم الخروج بنتائج جديرة بالثقة وفي الوقت المناسب، من خلال منظومة عمل متكاملة ارتكزت على أهم المعايير المتبعة دوليا في مجال عمل مكاتب التظلمات، حيث تمت الاستفادة من تجارب دولية مرموقة لا سيما فيما يتعلق بوضع الخطوات الإجرائية والفنية التي تحدد آلية ومسار عمل الأمانة العامة للتظلمات، كما أسهمت في التأسيس للتعاون والتواصل البناء مع المؤسسات والأجهزة ذات الطبيعة المماثلة لعملها في الخارج.

* ما الحاجة لاستحداثها الآن بالذات وهل تندرج في إطار الاستجابة لتوصيات بسيوني؟

- بالفعل تعتبر الأمانة العامة للتظلمات إحدى صور تنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق أو ما تعرف إعلاميا بـ«لجنة بسيوني»، وتحديدا التوصية رقم 1717 والمتعلقة باستحداث وحدة منفصلة مستقلة عن التسلسل الهرمي داخل وزارة الداخلية على أن تشمل مهامها تلقي الشكاوى والمظالم مثلما هو الحال في بلدان مختلفة، وهو ما تم بالفعل من خلال إنشاء الأمانة العامة للتظلمات بموجب المرسوم الملكي السامي الذي صدر في فبراير (شباط) 2012 م تبعه مرسوم آخر معدل صدر في مايو (أيار) 2013 م عزز من دورها ومنحها صلاحيات أكبر، وجزء من تلك الصلاحيات هي لتنفيذ الفقرة (د) من التوصية رقم 1722 والمتعلقة بمراقبة السجون وأماكن التوقيف والاحتجاز.

* هل تعتبر الأمانة العامة للتظلمات بمملكة البحرين مشابهة لمكاتب أمناء التظلمات على المستوى الدولي؟

- نعم، فإن الأمانة العامة للتظلمات تندرج في تصنيف مؤسسات أمناء التظلمات أو ما يعرف على المستوى الدولي بـ(OMBDSMAN) وطبيعة عمل الأمانة العامة للتظلمات باعتبارها الأولى من نوعها خليجيا، جعلتها تبحث دائما عن التميز في معايير وآليات العمل من خلال الاستفادة من التجارب الدولية المهمة في هذا المجال، وهو ما حدث بالفعل من خلال كثير من اللقاءات والاجتماعات وجولات العمل الخارجية وما نتج عنها من انخراط في دورات تدريبية داخل وخارج البحرين استفاد منها كثير من موظفي الأمانة العامة للتظلمات، كما أن عملية التعرف على التجارب والخبرات الدولية العريقة في مجال عمل مكاتب التظلمات أفرزت نتائج إيجابية كثيرة في قضايا وموضوعات مهمة مثل: آلية تقديم الشكاوى، ومتابعتها، وآلية مراقبة وزيارة مراكز التوقيف والسجون، خصوصا وأن الأمانة العامة للتظلمات ستكون أول جهاز مستقل بعد السلطة القضائية له صلاحيات زيارة السجون وأماكن التوقيف.

* هل هي جهاز لتقبل شكاوى الذين وقعت عليهم تظلمات فحسب، أم تشمل أيضا متابعة منكم لعمل الشرطة وأجهزة الداخلية؟

- طبيعة ومهام واختصاصات الأمانة العامة للتظلمات حددها بشكل دقيق وواضح مرسوم إنشائها والمرسوم المعدل، فهي بالأساس تمارس ثلاثة أدوار رئيسة، فهي من ناحية تختص بالنظر والتعامل مع الشكاوى المقدمة بحق أفراد قوات الأمن العام في حال ارتكب أحدهم فعلا مؤثما مخالفا للقوانين أو لمدونة سلوك الشرطة، ومن ناحية ثانية تتلقى الشكاوى بحق الموظفين المدنيين في حال ارتكب أحدهم فعلا مؤثما مخالفا للقوانين أو للوائح الإدارية، والمهمة الثالثة هي مراقبة السجون ومراكز التوقيف، للتحقق من قانونية الإيداع وعدم تعرض النزلاء والمحبوسين والمحتجزين للتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة.

كما أن التقرير السنوي والتقارير الدورية التي ستصدرها ستمثل مرجعية مهمة لصانع القرار بوزارة الداخلية تمده بأهم الملاحظات والتصورات وأيضا التوصيات التي تعالج نواحي الخلل أو التجاوز إن وجدت في أداء منتسبي الوزارة، ومن ناحية أخرى توفر الأمانة العامة للتظلمات بيئة علمية ومرجعية خصبة للكوادر البحرينية التي تعمل في مجالات عدة منها العمل الأمني والقضائي والأنشطة المرتبطة بحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني من خلال الاستفادة المتبادلة بين الطرفين لا سيما من ناحية تبادل الخبرات والمعلومات والتقنيات الفنية والمهنية خاصة كما قلت وأنها تعد الأولى من نوعها في منطقة الخليج العربي.

* ما دوركم في مراقبة السجون وأماكن التوقيف والاحتجاز؟

- كما ذكرت فإن للأمانة العامة للتظلمات صلاحية زيارة السجون وأماكن رعاية الأحداث وأماكن الحبس الاحتياطي والاحتجاز للتحقق من قانونية الإيداع وعدم تعرض النزلاء والمحبوسين والمحتجزين للتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة، وكذلك تتأكد من توافر عدة معايير قياسية محددة منها: المعاملة الإنسانية المتمثلة في ملائمة ظروف وأماكن الاحتجاز وكذلك توافر الاحتياجات الأساسية للنزلاء، وبالإضافة إلى معيار الرعاية الصحية، ومعيار الحقوق والضمانات القانونية والتأكد من تمتع النزلاء بهذه الضمانات القانونية بشكل فعلي، وتتبع في ذلك المعايير ذات الصلة في القوانين المحلية والأنظمة المتبعة، وكذلك المعايير الدولية في آلية التفتيش على السجون وأماكن التوقيف، وقد تمت الاستفادة في هذا المجال بعدة آليات متبعة في أجهزة أخرى مشابهة عالميا، منها مفتشية صاحبة الجلالة للسجون بالمملكة المتحدة.

* كيف تقبلت أجهزة الداخلية أمانتكم، خاصة وأنهم تعودوا على العمل باستقلالية، ألا تتوقعون أن ينزعجوا أو يرفضوا تدخلكم في عملهم ويعتبرونه تدخلا في مهام الوزارة؟

- حظيت الأمانة العامة للتظلمات ومنذ اليوم الأولى لإنشائها بدعم وتشجيع كبيرين من كل المسؤولين بوزارة الداخلية وعلى رأسهم الفريق الركن الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة وزير الداخلية، الذي اهتم كثيرا بمسألة تعزيز استقلاليتها.

وفي رأيي فإن العلاقة بينها وبين مختلفة إدارات وزارة الداخلية هي علاقة تكاملية وليست تنافسية، فالهدف الأساسي سواء من جانب الأمانة العامة أو المسؤولين بوزارة الداخلية هو تجويد وتحسين أداء منتسبي الوزارة من خلال تطوير قدرات ومهارات الكوادر البشرية في المجالات كافة ومنها ما يتعلق بترسيخ قيم حقوق الإنسان، من خلال ضمان المساءلة في حال تم ارتكاب فعل مؤثم، أما القرارات والتوجيهات والإرشادات وأعمال الرقابة التي تصدر من وزير الداخلية أو رئيس الأمن العام المتعلقة بتوجيه منتسبي الوزارة بحسب الأحوال فلا تكون محلا لتلقي الشكاوى ولا يتم النظر فيها.

وبالتالي فإن الأمانة العامة للتظلمات وهي تمارس مهامها واختصاصاتها تسعى إلى بناء جسور الثقة والاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع ورجال الأمن، على قواعد العدل والنزاهة والإنصاف في إطار سيادة القانون، والإطار الذي يحكم ذلك كله هو التأكيد على أن حقوق المواطنين في المعاملة اللائقة والكرامة الإنسانية مكفولة بموجب الدستور والقانون.

* كيف تقبلت المعارضة البحرينية من جانبها هذه الأمانة، ولم تجدوا منها اتهامات حتى قبل انطلاق عملكم بتواطؤ مع الحكومة؟

- المسألة ليست مسألة تصنيف سياسي للأمانة العامة للتظلمات، فهي بالأساس جهاز تنفيذي يقدم خدماته للمواطنين والمقيمين على أرض البحرين في ما يتعلق بالشكاوى المقدمة بحق أي من منتسبي وزارة الداخلية، وكذلك تمارس دورها في زيارة السجون وأماكن التوقيف، أما مسألة نتائج أو مخرجات عملها فهي لا تخضع فقط للتقييمات أو التوجهات الذاتية، فهناك أطر وحدود تحكم عملها وهناك جهات أخرى ذات علاقة وثيقة بمجالات اختصاصاتها منها: النيابة العامة، ووحدة التحقيق الخاصة، والمحاكم العسكرية، ولجان ومجالس التحقيق مع الموظفين المدنيين، والسلطة القضائية بشكل عام، ولكن في الوقت ذاته فإن الأمانة العامة للتظلمات تسعى جاهدة إلى ترسيخ عدة مبادئ رئيسة وهي: الاستقلالية والمصداقية والحيادية وهي أهداف متكاملة ومترابطة مع بعضها البعض تتعلق بطريقة التعامل مع كل أفراد الجمهور بغض النظر عن انتماءاتهم أو توجهاتهم السياسية، فكافة ما ستقوم به من إجراءات أثناء نظرها في الشكاوى المقدمة إليها أو المحالة لها إنما تتبع نهجا احترافيا مهنيا متجردا، فهي لا تقف في جانب طرف على حساب طرف آخر، الأمر الذي تضمنه استقلاليتها تلك الاستقلالية التي تنبع من الآليات والضمانات التي أكد عليها مرسوم إنشائها، والمتمثلة في استقلال ميزانيتها الخاصة، واستقلال هيكلها الإداري والوظيفي، مما سيصب في جهة تحقق مصداقيتها، والتي سيمكن قياسها بعدة طرق ووسائل منها أن كل ما ستقوم به من أعمال وما سيتمخض عن هذه الأعمال من نتائج سوف تنشر في تقرير سنوي دوري بمشيئة الله تعالى، مما يعني ترسيخ مبدأ الحيادية في عملها، لتكون بذلك مؤسسة احترافية ومهنية منضبطة تسعى نحو تحقيق التميز المهني في مجال اختصاصاتها.

* أخيرا: ما الهدف الأساسي الذي تضعونه أمام أعينكم في بداية تدشين وانطلاق عمل الأمانة العامة للتظلمات؟

- إن الهدف الأساسي الذي تضعه الأمانة العامة للتظلمات أمام عينيها هو بذل الطاقات القصوى من أجل نجاح عملها وتحقيق الأهداف المرجوة من إنشائها، ضمن إطار متوازن يوائم بين الحرية والمسؤولية وبين الحقوق والواجبات، بشكل يمثل إضافة مهمة للتقييم ومتابعة الأداء بما يمكن الأجهزة المختصة في وزارة الداخلية من أداء واجباتها ومسؤولياتها الرسمية في تحقيق الأمن وتعزيز الاستقرار ضمن الالتزام بالمعايير القانونية والمهنية للعمل الشرطي، لتكون الأمانة العامة للتظلمات بذلك نموذجا يحتذى به في المنطقة، في اكتساب ثقة الجمهور وضمان المساءلة، واحترام قيم حقوق الإنسان.