ديوان المراقبة العامة.. عين الدولة لضبط المال والأداء الحكومي

أطلقها المؤسس وفعلها الملك عبد الله.. وتفحص سنويا 12 ألف عقد

خادم الحرمين خلال تلقيه التقرير السنوي لديوان المراقبة العامة لسنة 2010 (واس)
TT

يعتبر ديوان المراقبة العامة في السعودية من أقدم الإدارات الحكومية والتي تولى تأسيس المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، وذلك حين إعلان أول نظام للحكم في السعودية عام 1926 في منطقة الحجاز وذلك بعد فتح مكة وجدة، لتكون تحت مسمى ديوان المحاسبات التي ترتبط بالملك مباشرة.

ومنذ ذلك الوقت أنيط بالإدارة مهامها الرقابية والمحاسبية والتفتيشية على الإدارات الحكومية لتطوير إدارتها وأعمالها الرقابية وهو المختص بالرقابة اللاحقة على جميع إيرادات الدولة ومصروفاتها وكذلك مراقبة كل أموال الدولة المنقولة والثابتة ومراقبة حسن استعمال هذه الأموال واستغلالها والمحافظة عليها والرقابة على الشركات التي تساهم فيها الدولة بنسبة 25 في المائة وأكثر من رأسمالها.

ووجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على تفعيل دور ديوان المراقبة العامة خاصة في ظل ما تشهده البلاد من نمو اقتصادي رافقه نمو كبير في المشاريع الضخمة للبنى التحتية لتتجاوز ميزانية العام الحالي 817 مليار ريال والتي تعتبر أعلى ميزانية تشهدها البلاد وهو الأمر الذي يحمل ديوان المراقبة العامة على مضاعفة دوره للمراقبة على صرف الميزانية في المشاريع المخصصة وضبط المال العام، والنهوض بالمهام الرقابية بكل حيدة وموضوعية والإسهام الفاعل في ترجمة المضامين الجوهرية لسياسة الإصلاح المالي والإداري إلى برنامج عمل واقعي ليواصل الديوان جهوده الرامية إلى تطبيق مفهوم الرقابة الشاملة في جميع الأجهزة الحكومية والمؤسسات والشركات المشمولة برقابته دون استثناء.

وأكد أسامة بن جعفر فقيه رئيس ديوان المراقبة العامة أن بلوغ أهداف خطط وبرامج التنمية الشاملة يتطلب وضع ضوابط ومعايير علمية وموضوعية لقياس وتقويم أداء كل قطاع وفقا لطبيعة نشاطه واختصاصه، وأشار فقيه إلى أن ديوان المراقبة العامة بادر منذ وقت مبكر للاستفادة من التوجه الدولي الحديث لاعتماد تطبيق مفهوم رقابة وتقويم الأداء وتأكيد أهمية تحسين جودة خدمات الجهات المشمولة برقابته، وسعى لإيجاد الوسائل والآليات المناسبة لتحقيق ذلك، مشيرا إلى أن توفر مؤشرات علمية وموضوعية لقياس كفاءة أداء الأجهزة الحكومية شرط أساسي لتحقق النتائج والأهداف المرجوة ومنها.

ويؤكد أيضا لـ«الشرق الأوسط» عبد العزيز الفارس مدير المتابعة في ديوان المراقبة العامة أن هناك جهودا واسعة تبذل لإحكام الرقابة على المال العام والحد من التعدي عليه، ومن ذلك التوسع في إنشاء وحدات المراجعة الداخلية في الأجهزة الحكومية والتي تعتبر رقابة مصاحبة على صرف الأموال التي ناهزت في آخر ميزانية عامة للدولة 817 مليار ريال.

ويشير الفارس إلى أن ديوان المراقبة العامة يتولى خلال السنة المالية الواحدة مراجعة ما يتجاوز 12 ألف عقد، ويقوم بإبلاغ الجهات الحكومية عن ملاحظاته على تلك العقود التي أبرمتها وما يراه من توصيات لمعالجة الأخطاء والمخالفات المالية، وينجم عن ذلك في بعض الأحيان تخفيض قيمة تلك العقود.

ولعل من أهم التحديات التي تواجه الديوان استمرار بعض الجهات الحكومية في التوسع باستخدام أسلوب التكليف المباشر في تنفيذ بعض أعمالها وتأمين احتياجاتها، وتضمين تلك الجهات في العقود شروطا ومواصفات تلزم المقاولين بتأمين سيارات وأجهزة لجهاز الإشراف لتمكينه من القيام بمهامه الأمر الذي دفع ديوان المراقبة لإعادة دراسة مثل هذه العقود لتخفيض مبالغ العقود.

وتعمل إدارات الرقابة على مراقبة المشروعات التي تكون عقودها بالمتر الطولي أو المسطح، إذ عمد الديوان إلى وضع مواصفات تفصيلية وافية للأعمال المطلوبة وإعداد جدول تحليلي للأسعار، إضافة إلى متابعة المؤسسات التي عملت على تمديد بعض عقود الصيانة والتشغيل والتي وصلت خلال سنة مالية واحدة لـ131 عقدا بمبالغ إجمالية تصل إلى 252 مليون ريال.

أسهم ديوان المراقبة العامة في استعادة مبالغ مالية تتجاوز 787 مليون ريال للخزينة العامة للدولة خلال العامين الماضيين، والذي قدره خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بمنح مكافأة مالية بلغت ستة ملايين ريال للعاملين على تحصيل تلك المبالغ والذين ناهز عددهم 250 موظفا.

ويعمل ديوان المراقبة العامة على متابعة مصلحة الزكاة والدخل للعمل على متابعة مستحقات الزكاة على الأنشطة التجارية، وإلزامهم بسداد الزكاة المستحقة عليهم حتى لا تتراكم تلك المستحقات ويصعب على المكلفين سدادها.

ويسعى الديوان الذي شارك خلال الخمسة أعوام الماضية أمام القضاء الإداري في متابعة 307 قضايا شهدت تجاوزات على المال العام من أجل تفعيل مبدأ المساءلة وتطبيقه بحزم في إطار خطة الإصلاح الشامل وترسيخ مفهوم الانضباط المالي والإداري في الأجهزة الحكومية من خلال توفير مقومات الرقابة الذاتية والحماية الوقائية للمال العام وترشيد استخدامه، مع ضرورة تحديث الأنظمة والتعليمات المالية والمحاسبية لمعالجة الثغرات ومواكبة المستجدات والحد من المخالفات والاستثناءات ورفع كفاءة الأداء، ويشدد على الإسراع في تأسيس وحدات المراجعة الداخلية في جميع الجهات واعتماد الوظائف والمبالغ اللازمة لتوفير مقومات الرقابة الذاتية والحماية الوقائية للمال العام بهدف الوصول لإدارة حكومية كفؤة وقادرة على النهوض بمهامها وبلوغ الأهداف المرسومة بكفاءة وجودة عالية.

وشدد الديوان على المتابعة الجادة لتنفيذ تعليمات جباية الإيرادات العامة وإيداعها في المواعيد المقررة في خزينة الدولة دون إبطاء وإعادة النظر في الإجراءات المتبعة في تداول الأوراق ذات القيمة لحمايتها من التلاعب والهدر والتقيد بالأنظمة المرعية والأوامر السامية والتعليمات المالية النافذة ومحاسبة من يخالف ذلك بحزم.

وأسفرت نتائج عمليات التفتيش وفق تقرير لهيئة الرقابة العامة على الحسابات والمستودعات وجرد الصناديق عن عدم استخدام الحاسب الآلي في الأعمال المالية والمحاسبية في بعض الجهات الحكومية وعدم انتظام القيد والتسجيل في الدفاتر المحاسبية أولا بأول وعدم إجراء المطابقة اليومية والشهرية بين الدفاتر المحاسبية في بعض الجهات وهو ما يخالف التعليمات المالية للميزانية والحسابات إضافة لعدم انتظام القيد في بطاقات الصنف والتأخر في تسجيل الوارد والمصروف ورصيد الأصناف أولا بأول في بعض مستودعات الجهات الحكومية ووجود أصناف اقتربت من الانتهاء ومواد رجيع متروكة لفترة طويلة دون اتخاذ الإجراءات اللازمة من إدارة المستودعات التي لم يتوفر لديها أيضا وسائل الأمن والسلامة وعدم ملاءمة عدد منها للتخزين مما يعرض الأصناف للتلف.

ولخص الديوان عددا من السلبيات التي تواجه القطاع العام أهمها تدني مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين وانعدامها في بعض المحافظات والقرى والأحياء مما يحرم الكثير من المواطنين من تلك الخدمات ويتسبب في معاناتهم الشديدة، وسرعة استهلاك ممتلكات الدولة وانقضاء أعمارها التشغيلية قبل أوانها بسبب إساءة الاستخدام وضعف الصيانة والرقابة، وتأخر حصول المواطنين على الخدمات الأساسية والقروض التنموية لفترات طويلة، إضافة لعدم تنفيذ المشروعات الحيوية في المواعيد المقررة وتأجيل تنفيذها واستخدام اعتماداتها في أغراض غير منتجة، وتعطيل الاستفادة من بعض الإيرادات الذاتية في تطوير مرافق الخدمات العامة الترفيهية وتحسين مستوى الخدمات، كما أن عدم الالتزام بنظام حوكمة الشركات والمعايير المعتمدة للعرض والإفصاح أدى لإضعاف الثقة في البيانات المالية لتلك الشركات وعدم إظهار نتائج أعمالها على حقيقتها، وتآكل رؤوس أموال بعض تلك الشركات التي ساهمت فيها الدولة ما أدى لضياع حقوق مساهميها.

وترتب على ضعف دراسات الجدوى الاقتصادية لفرص الاستثمار الخارجية تكبد الشركات الأم خسائر أثرت على مراكزها المالية وربحيتها وحقوق المساهمين، بالإضافة إلى أن تراكم المديونيات الضخمة على شركات الخدمات العامة أدى لتحمل أعباء إضافية لخدمة الدين وإضعاف قدرتها على تلبية الطلب على خدماتها، وأسهم التوسع السريع في الاستثمارات الخارجية لبعض الشركات الكبرى في تحملها أعباء كبيرة لتمويل تلك الصفقات ودفع قيم مبالغ فيها مقابل تحمل مخاطر أسعار صرف العملات المحلية مقابل العملات الرئيسة الأمر الذي نجم عنه تراجع صافي دخل الشركات الأم وربحيتها ورأس المال العامل.

وخلصت لجنة تطوير الأجهزة الرقابية التي تم تشكيلها قبل عامين على ضرورة التعجيل بتحديث وإصدار ثلاثة أنظمة تخص الرقابة على المال العام وتأديب الموظفين. ووضعت تلك اللجنة التي رأسها مستشار فني من اللجنة الوزارية للتنظيم الإداري وتتكون من ممثلين من وزارات المالية والخدمة المدنية والأجهزة الرقابية وهيئة الخبراء بمجلس الوزراء المرئيات المتعلقة بملفات مهمة ورفعت توصياتها إلى المقام السامي، وأبرزت اللجنة حينها أسبابا جوهرية تسببت في تدني أداء الدوائر الرقابية أبرزها تعطل تحديث نظامي هيئة الرقابة والتحقيق وديوان المراقبة العامة بما يتيح الاستقلال الإداري والمالي لكل منهما فضلا عن تعثر نظام تأديب الموظفين، وشددت على ضرورة التعجيل في تحديث وإصدار تلك الأنظمة.

ولفتت اللجنة إلى أبرز ما يعترض فاعلية تنفيذ الجهات الرقابية للأدوار المنوطة بها لحفظ المال العام من معوقات تتركز في القيود البيروقراطية المفروضة على التوظيف والاعتمادات المالية من قبل وزارتي المالية والخدمة المدنية، وطالبت باستحداث وظائف عاجلة مع استكمال تنفيذ قرار إعادة هيكلة الأجهزة الرقابية، وهو ما سيؤدي إلى مناقلات بين المحققين في الديوان والهيئة وفقا لما يقتضيه تخصص كل جهة بعد الهيكلة.