البرادعي يعود للواجهة وكبار القادة المصريين يدعونه لتشكيل الحكومة

التف حوله الإخوان ثم أقصوه بعد صعود مرسي للرئاسة

د. محمد البرادعي
TT

عاد الدكتور محمد البرادعي، المعارض السياسي البارز ورئيس حزب الدستور، ليطل بقوة على المشهد السياسي المصري. وتحدث الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، معه ليترأس حكومة انتقالية قوية ذات أولويات للاقتصاد والأمن. وطلب ذلك من البرادعي أيضا عدد من كبار قادة ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013، ممن وقفوا للإعلان عن عزل الرئيس السابق محمد مرسي يوم أول من أمس، وسط احتفالات شعبية ضخمة. لكنه رد باقتراحات أخرى لم يعط لنفسه فيها الأولوية، على الرغم من استمرار محاولات إقناعه حتى مساء أمس. ويصف بعض السياسيين البرادعي بأنه «روح الثورة» التي انطلقت ضد نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، منذ أن تقاعد عن عمله كمدير للوكالة الدولية للطاقة الذرية أواخر 2009.

كيف تحول هذا الرجل من مسؤول في الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مناصر للحركة المصرية المؤيدة للديمقراطية، إلى أن أصبح قائدا لجبهة الإنقاذ التي شاركت في قيادة الثورة مع الشباب ضد حكم جماعة الإخوان. ويجيب البرادعي عن مثل هذه الأسئلة بقوله: «إنني لم أخطط لهذا الأمر، لكن في الواقع كان هذا تحولا سلسا وطبيعيا. فكلا المسارين، في جوهرهما، يسعيان إلى تحقيق أمن الإنسان وكرامته». وفي الجلسات الخاصة التي يحلق فيها المفكرون وكبار السياسيين بتصوراتهم، تدرك أن البرادعي يشغله ما يمر به العالم من «مرحلة انتقالية بالغة الأهمية تتحرك فيه دفته خلال مياه مجهولة».

وولد الدبلوماسي السابق، في مدينة الجيزة المجاورة للقاهرة في شهر يونيو سنة 1942، وعمل كمدير عام للوكالة التابعة للأمم المتحدة منذ عام 1997، وحصل على جائزة نوبل للسلام سنة 2005 لجهوده في منع انتشار السلاح النووي في العالم.

وعند رجوع البرادعي لمصر كانت البلاد مقبلة على متغيرات ضخمة، في وقت كان فيه نظام مبارك يسير نحو «حارة مسدودة». ووجد البرادعي جماعات متفرقة من المعارضين الطامحين في مرحلة جديدة من الديمقراطية والحرية والكرامة. لكن جماعة الإخوان المسلمين طفت على السطح وجذبت البرادعي نحوها ليكون قائدا لجمع توقيعات تدعو مبارك لاتخاذ خطوات إصلاحية تتعلق بنزاهة الانتخابات والشفافية في العمل السياسي والاقتصادي. وظهر البرادعي وسط ملايين المصريين في ثورة 25 يناير بينما كان قادة جماعة الإخوان يقايضون نظام مبارك على الاعتراف بهم مقابل عدم النزول لميدان التحرير بقيادة الشباب في أيام المظاهرات الأولى عام 2011.

كان البرادعي وآخرون يطرحون شعار «بناء الجمهورية الثانية»، في إشارة إلى المرحلة الجديدة التي أعقبت «الجمهورية الأولى» العائدة إلى بدايات خمسينات القرن الماضي. لكن حين حاز التيار الإسلامي، وعلى رأسه جماعة الإخوان، على الأغلبية في أول برلمان بعد مبارك، في صيف العام قبل الماضي، بدأ خطاب النواب الإسلاميين المتشددين يطغى على التشريع في المجلس النيابي، وعلى العمل السياسي. وبدأت أطروحات الإسلاميين تحمل شعار التكفير والعمالة والتخوين لكل من هو ليس من الإخوان ولا من السلفيين ولا من الجماعات الجهادية، وهو أمر يتعارض مع المبادئ الأصيلة التي يؤمن بها البرادعي والتيار المدني وملايين الشباب في مصر، وعلى رأسها التأسيس للحريات الإنسانية، والحكم الديمقراطي والعدالة الاجتماعية.

ويقول البرادعي - وهو ينظر إلى السنوات الثلاث الماضية - إنه وقطاع عريض من المصريين «كنا منغمسين في خضم انتفاضة ملتزمة بتحقيق الديمقراطية في مصر»، أي التطلع إلى «توفر حقوق الإنسان، والحكم الرشيد، والفرص الاقتصادية المتساوية، والعدالة الاجتماعية. لكن المسار كان ملتويا ووعرا. شعرنا أحيانا أن قمة الروح المعنوية كانت يوم 11 فبراير (شباط) 2011، عندما وافق الرئيس حسني مبارك على التخلي عن السلطة. وللأسف في العامين التاليين، شهدنا سيركا حقيقيا من الأخطاء وسوء الإدارة».

وأخذ كثير من المصريين على البرادعي كثرة أسفارة إلى خارج البلاد خلال العامين الماضيين، بينما كانت الأحداث تشتعل في البلاد.. وللرجل ارتباطاته كونه شخصية دولة. وكانت آخر أسفاره إلى ألمانيا مطلع الشهر الماضي، حيث ألقى محاضرات ضمن سلسلة «محاضرات نوبل»، ونقل لكبار الشخصيات الفكرية والعلمية في العالم ما تمر به بلاده وبلاد العالم من تطورات وخيارات بشأن المستقبل. ورغم تهكم البعض عليه بسبب اعتماده على وسائل التواصل الاجتماعي خاصة «تويتر» في التواصل مع المصريين، فإن رسائله وتعليقاته على الأحداث لحظة بلحظة، أثبتت أنها «وسيلة عصرية ذات فائدة» وجعلته في بؤرة التطورات بمصر.

وأعلن البرادعي معارضته لسياسات مرسي، وأسس مع مئات المثقفين والأدباء والسياسيين والثوريين، حزب الدستور. كما بدأ مع العشرات من قادة المعارضة الكبار في طرح رؤى محددة وبرنامج واضح ومجموعة من السياسات «لقيادة بلدنا نحو مستقبل اقتصادي وسياسي مشرق». ويقول الرجل إنه منذ عودته إلى مصر في أواخر عهد مبارك «كان شركائي في المقام الأول هم الشباب المصري، الذي لم يتمكن من أن يرى أي مستقبل في ظل النظام القديم وبالأخص من حيث التعليم، وفرص العمل، ومستويات المعيشة».

وتمكن البرادعي والمتحمسون للتغيير معه، بحلول سبتمبر (أيلول) 2010 من جمع مليون توقيع تطالب بانتخابات رئاسية حرة ونزيهة. ومن بعدها، أي بحلول 15 يناير (كانون الثاني) بدأت الدعوة للمظاهرات المليونية، والتوجه إلى ميدان التحرير. و«ما كان قد بدأ بأقل من 50 ألف شخص في 25 يناير تضخم إلى 20 مليونا بحلول 11 فبراير (شباط) وهو يوم تنحي مبارك». ويقول البرادعي إن أحد أهم الدروس التي اكتشفها بعد تنحي مبارك أنه «كان من السهل التوحد ضد مبارك، لكن كان من الصعب التوحد بعد رحيله»، و.. «كان هناك (الخطة أ) - كيفية التخلص من النظام القديم - ولكن لم تكن هناك (الخطة ب) - كيف نحكم بعد نجاح الثورة».

ويزيد البرادعي قائلا إنه بعد تنحي مبارك «تملكت الثوار نشوة الحرية، وانقسموا على الأسس التقليدية: يمين، ويسار، ووسط. ومن تلك اللحظة بدأ الإسلام السياسي، الذي كان قد قمع لعقود طويلة يعمل في النور. وبدأ كل فصيل ينظر إلى المشهد السياسي من منظوره الضيق مما أدى إلى عدم التركيز على الأهداف الرئيسة أو الالتفات إلى الصورة الكبيرة»، وبعد الأخطاء التي وقعت في المرحلة الانتقالية التي أدارها المجلس الأعلى للقوات المسلحة في ذلك الوقت، كانت النتيجة، كما يقول البرادعي «سيرك دستوري وسياسي كرقصة الكابوكي اليابانية».

وبعد ذلك تدهورت الأوضاع سياسيا وأمنيا واجتماعيا. وبالنسبة للمصري العادي - يقول البرادعي - كانت الحكومة التي يهيمن عليها الإسلام السياسي محبطة للغاية، و.. «أصبحت المؤسسات المدنية شبه مفككة. تواصلت المظاهرات الدائمة لزيادة الأجور، والضمان الاجتماعي، من أجل تحسين الرعاية الصحية.. مستويات المعيشة تدنت، وانخفضت السياحة بنسبة 50 في المائة عن حجمها السابق. شهدنا تآكل المنظومة الأمنية، مع الفظائع التي ارتكبت ضد المتظاهرين في كثير من الأحيان»، بينما حكومة مرسي، غير متمرسة في مبادئ الديمقراطية، وتتوهم أن «الفائز يأخذ كل شيء».