الوزيرة البحرينية سميرة رجب في «منتدى أصيلة»: المعلومة هي الرصاصة الأولى التي يمكن أن تؤدي إلى حرب شاملة

وزير مغربي يحذر من مخاطر ترويج الوعي الزائف والأفكار القاتلة بفعل حالة الحراك العربي

سميرة رجب وزيرة الدولة وشؤون الإعلام البحرينية والمتحدثة الرسمية باسم الحكومة أثناء حديثها مساء أول من أمس في «منتدى أصيلة»
TT

قال مصطفى الخلفي، وزير الاتصال (الإعلام) المغربي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، إن الحراك العربي كشف أن المنطقة العربية تعيش حالة من التغير العميق وصيرورة مستمرة من التدافع يطال النخب والثقافات والسياسات والمؤسسات، مشيرا إلى أن ذلك جعل الإعلام فاعلا مؤثرا ويقع في إنتاج وتحليل هذا المسار. ونبه الخلفي، الذي كان يتحدث مساء أول من أمس في الجلسة الافتتاحية لندوة «المشهد الإعلامي في دول مجلس التعاون الخليجي في ضوء التطورات الجارية في المنطقة»، آخر ندوات منتدى «أصيلة» الثقافي الدولي الـ35، لمخاطر ترويج الوعي الزائف أو الترويج لأفكار قاتلة ومميتة بفعل حالة الحراك العربي، محملا المسؤولية اليوم وغدا للإعلام.

وأوضح الخلفي أن الوعي الزائف خطر حقيقي ولا علاقة له بالوعي الذي ينبغي أن يتشكل حول الأسئلة والقضايا الحقيقية للمجتمع حول المشكلات الفعلية للدولة، معبرا عن أسفه لعدم تنامي القدرة على مواجهة مخاطر الوعي الزائف الذي ينتج عند الشعوب كما عند النخب، وتحدث عن الأفكار المميتة والقاتلة التي من كثرة تداولها تنتج حالة من السلبية عند النخب، والانسحابية عند المجتمعات والتواكلية عند الفاعلين، وقال «إن المنطقة العربية لا مستقبل لها إلا في بروز مصالحة حقيقية بين نخبها وتأثيث الاستقرار ومواصلة سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية»، مضيفا أن كل ذلك لا يتحقق من دون مناخ إعلامي سليم يقطع مع الوعي الزائف والأفكار المميتة.

واعتبر الخلفي أن المشهد الإعلامي مركب ومتعدد الفاعلين لكن لا يمكن أن يكون خاضعا لأحكام جاهزة عامة تشل الجميع، داعيا إلى تحديد المسؤوليات على مستوى أن تواكب التشريعات والقوانين تحولات الإعلام، حيث أبرز على مستوى المؤسسات تشجيع تبلور مؤسسات مهنية مدنية قادرة على الاطلاع على مهام التحكيم والضبط والتقنين الذاتي، وعلى مستوى الأخلاقيات؛ تعزيز قيم الممارسة المهنية المسؤولة والمنظومة المؤطرة للصحافي، وعلى مستوى المضمون؛ أن يصرف الإعلام في تقديم منتوج إعلامي تنافسي يتجاوز الحالة الغثائية. وتحدثت سميرة رجب، وزيرة الدولة لشؤون الإعلام البحرينية، والمتحدثة الرسمية باسم الحكومة، عن انتشار وسائل الاتصال الإلكتروني وتنامي دور الأخبار والإشاعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي ليست بريئة في أغلب الأحيان، وتهدف إلى التأثير السلبي على الرأي العام، موضحة أن الأمر يزداد تعقيدا مع دخول وسائل الإعلام المؤسسية في شبه أزمة من الناحية المهنية، وذلك بوقوعها في فخ الجري وراء سرعة نشر الأخبار واعتمادها على مصادر غير موثوقة، وفخ عدم التحري والدقة في الأخبار.

وذكرت رجب أن البلدان وخاصة منها العربية أصبحت أمام هذه الوضعية عرضة لمخاطر جديدة تحت تأثير الإعلام الموجه عبر الأقمار الصناعية وشبكات الإنترنت، مؤكدة أنها لا تقل خطورة عن خطر النقص في الغذاء أو في الإمكانات العسكرية، وقالت «تحتاج الدول في مجتمع المعلومات إلى ما يسمى (الأمن الإعلامي) بنفس المستوى والحاجة إلى الأمن الغذائي والأمن العسكري»، مضيفة أنه من دونه لا يمكن أن تصل الدولة إلى مستوى معين من الأمن والاستقرار.

وأوضحت رجب أنها تتفق مع الباحثين في العلوم السياسية والعلوم العسكرية وعلوم الإعلام والاتصال بأن المعلومة هي الرصاصة الأولى التي يمكن أن تؤدي إلى حرب شاملة أو مسكن أول يمكن أن يساهم في الاستقرار والسلام، واعتبرت أنه في غالب الأحيان لا حاجة لجيوش على الأرض بوجود أسلحة إعلامية يمكن أن تحسم الحرب قبل بدايتها، كما تحدثت رجب عن معاناة مملكة البحرين التي ما زالت تعيشها بسبب تغطية إعلامية موجهة تستهدف أمن واستقرار المملكة، مشيرة إلى أن المملكة تنبهت منذ بداية أحداث فبراير (شباط) 2011 إلى أن بعض وسائل الإعلام الغربية تلعب في جو قذر، متسائلة عن حق الدولة في حماية أمنها من خطر سلاح تدفق الأخبار الخاطئة والافتراء، وكيف يمكن معالجة خطأ التأثير السيئ لتدفق المعلومات الخاطئة بعد أن جابت العالم بأكمله؟ ولماذا تصرف البلدان الغربية مئات الملايين من الدولارات مستمدة من ضرائب الشعب على وسائل الإعلام باللغة العربية وبلغات أخرى موجهة إلى مناطق معينة في العالم منها المنطقة العربية؟

من جهته، ذكر محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة «منتدى أصيلة»، ووزير خارجية المغرب الأسبق، أن منطقة الخليج أصبحت معرضة لما يمكن تسميته «رياح التواصل والإعلام» تهب عليها من مصادر عدة، وأن ذلك حرك دينامية في الجسم الإعلامي الخليجي تمثلت في إثارة أسئلة غير مطروقة من قبل، ورغبة في مراجعة وتقويم لأساليب اشتغاله، بناء على معايير الجودة والنجاعة والتنافسية. وافترض بن عيسى أن «رجة التغيير» حتمت على الإعلام في دول مجلس التعاون الخليجي، إعادة النظر في استراتيجيته وتغيير أولوياته وأدوات عمله ليصير الأقوى تأثيرا للاحتفاظ بالمتلقين والإسهام في توعيتهم.

وفي غضون ذلك، عزا بن عيسى الخوض في الإعلام الخليجي في أصيلة، إلى أنه اختيار لكي تكون أبواب «منتدى أصيلة» مشرعة على مناحي الفكر ومناطق الجغرافيا، إضافة إلى كون الإعلام الخليجي بات يشكل جزءا من المشهد الإعلامي المغربي، نافيا أن يكون إعلاما غريبا بل منفتحا يشغل كفاءات من البلدان العربية من دون تمييز.

من جهة أخرى، فكك عبد الله الرشيد، أكاديمي إعلامي سعودي ومدير مكتب مجلة «المجلة» في الخليج، المشهد الإعلامي الخليجي خصوصا أثناء الحراك العربي، إلى عدة أجزاء وأقسام، موضحا أنه ليس شيئا واحدا ويتكون من صحف وقنوات وإعلام اجتماعي، واعتبر أن الحراك العربي أيضا لم يكن على وتيرة واحدة ونمط واحد وإنما مر بحقب متعددة، مضيفا أنه في كل حقبة كان يتعاطى معها بشكل مختلف حسب طبيعتها. وسمى الرشيد هذه الحقبة «الصوت الطاغي».

وأبرز الرشيد أن الحراك العربي مر في ضوء الإعلام الخليجي من ثلاث مراحل؛ أولاها مرحلة الاختبار بعد أن جاءت الانتخابات وأفرزت وجوها جديدة حاكمة، وهي مرحلة غيرت الكثير من وسائل التواصل العربي، ومرحلة ثانية هي الاختلاف في التعاطي مع نتائج الربيع العربي، ثم مرحلة ثالثة تكمن في الانقلاب على النتائج.

أما إقبال الأحمد، وهي كاتبة صحافية في جريدة «القبس» (الكويت) فقد أقرت أن الإعلام الخليجي لم يكن منذ السنوات القليلة الماضية خاصة مع تطورات الحراك العربي متفرجا على الحدث وناقلا للصورة والكلمة، وقالت «إنه كان موجها للرأي العام، ومؤثرا على الجماهير العربية ومن ثم كان يتوجه حسب أهداف معينة»، مشيرة إلى أن كل مؤسسة إعلامية تكون لها أهداف قد تكون استراتيجية أو سياسية.

وتحدثت إقبال الأحمد عن محطتين خليجيتين شكلتا بؤر الاهتمام في الأحداث الأخيرة هما «الجزيرة» و«العربية»، مشيرة إلى أن لكل واحدة منهما سياسة ومتابعة وهدفا خاصا، بيد أنها تطرقت إلى أفول نجمهما خاصة في الحراك المصري اليوم، وعزت ذلك إلى دخول المواقع الإلكترونية والقنوات المحلية كمنافس لهما وبديل عنهما، مضيفة أن المواطن المصري وجد فيهم ما يلبي حاجته دون الخروج إلى قنوات عربية قد لا تكون ملمة بالشأن المصري من جهة أساسية.

وذكر حسن الراشدي، المنتج الأول في قناة «الجزيرة»، وخبير إعلامي بمركز الدوحة لحرية الإعلام (المغرب)، أن الإعلام الجديد وجد نفسه في المجتمع الخليجي لعدة اعتبارات، ركزها في انخفاض مستوى الأمية والقدرة الشرائية للمواطن، مشيرا إلى أن الدول الخليجية لم تتأخر في إقامة تجهيزات حقيقية لخدمة التطور التكنولوجي الهام. وحول هذا التطور، اعتبر الراشدي أن دولة الإمارات من الدول التي قضت على أمية الكومبيوتر، وأنه من النادر وجدان شاب يتراوح عمره ما بين 17 و26 سنة لا يتقن التعامل مع الكومبيوتر، مشيرا إلى أن الإمارات من أكبر الدول استعمالا للمدونات في منطقة الخليج تليها قطر والكويت، مضيفا أن أكبر المستعملين لـ«تويتر» في العالم العربي هم الكويتيون.

وخلص الراشدي إلى القول إن التعاطي مع الإعلام الجديد أصبح اليوم يهدد الصحافة التقليدية، موضحا أن المواطن الخليجي سئم من تعاطي إعلامه الرسمي مع القضايا المرتبطة بالشأن العام والشأن المحلي، وأن ذلك دفعه إلى البحث عن تربية فضوله وإشباعه من خلال مواقع الإعلام الاجتماعي والإعلام الجديد، مستنتجا أن المواطن الخليجي لم يعد مستهلكا للخبر بل أصبح منتجا ومكملا له.