شباب ميدان تقسيم بإسطنبول.. تفرق شملهم وتشتتت أهدافهم

بعضهم طالب بحريات أكثر ومنهم من تمسك ببقاء أردوغان

الطبيبة التركية يازكي كوي في ميدان تقسيم باسطنبول («الشرق الأوسط»)
TT

تفرقت جموع الشباب الأتراك المحتجين في ميدان تقسيم ضد سياسات رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، وتشتتت وتضاربت مطالبهم وأهدافهم بعد أن بدأت أعدادهم تقل لتبلغ بضع عشرات في أفضل الأوقات، وأفضل أوقات تجمعهم هو مساء كل يوم سبت بداية العطلة الأسبوعية في تركيا. وكانت بلدية اسطنبول قد فاجأت الشباب المحتجين مساء السبت الماضي بأن أرسلت لهم فرقة موسيقية شابة في عربة ترمواي ميدان تقسيم وشارع الاستقلال، إذ سحبت أصوات الموسيقى والغناء جموع الشباب الذين تفاعلوا ورقصوا معها، لتنسحب الفرقة مع الترمواي بعد أن هدأت من هتافات بعض المحتجين الذين كانوا يقفون أمام أفراد الشرطة الهادئين في محاولة لاستفزازهم.

الشعارات التي يرفعها المحتجون والهتافات التي يطلقونها في ميدان تقسيم اليوم بدأت مشتتة، فبينما كانوا ليلة أول من أمس يهتفون مطالبين رجال الشرطة بأن يكونوا إلى جانبهم، كانت لافتتاهم تتهم أردوغان بالديكتاتورية، ولافتات أخرى تطالب رئيس الحكومة بأن يتفهم الشباب، حيث اختفى من الواجهة تماما طلب رحيل أردوغان.

يازكي كوي، طبيبة شابة في الـ26 من عمرها، كانت تقف هناك بعيدا عن الهتافات العالية مراقبة الوضع عن كثب، قالت لـ«الشرق الأوسط»: «أنا هنا ضمن المحتجين، وفي الوقت ذاته أنا طبيبة، وأرى أن من واجبي أن أسعف الجرحى فيما إذ حدث أي اشتباك بين المحتجين ورجال الشرطة». نلفت انتباهها إلى أن رجال الشرطة هادئون على الرغم من استفزازات المحتجين لهم، تقول «نعم هذا صحيح لكن الاشتباكات في الأيام الأولى أوقعت العشرات من الجرحى، وربما يتكرر المشهد مرة أخرى».

وتوضح هذه الشابة التي تخرجت في كلية طب إسطنبول وتم توظيفها في أحد مستشفيات المدينة في عهد أردوغان أن «سبب احتجاجي هو الوقوف ضد سياسات رئيس الحكومة التسلطية وتنبيهه بأن الشباب هنا ضد أي خطوات لتحويل النظام في تركيا إلى إسلامي، نحن نعرف أن دولتنا مسلمة لكن فيها أقليات مسيحية ويهودية وطوائف مختلفة، وأنا لا أستطيع أن أتخيل نفسي وقد فرض علي ارتداء الحجاب، ولا نستطيع أن نتحمل خنق حرياتنا»، مستدركة «لكني، ومعي شباب محتجون كثر، لا نطالب برحيل أردوغان، فهذا مطلب غير واقعي كونه جاء إلى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع، وهذه هي الديمقراطية، كما أنه قدم الكثير لتركيا ولشعب تركيا، وكل ما نطلبه هو أن يستمع إلينا جيدا ويتفهم مطالبنا، وألا يعتد بآرائه ويفرضها علينا». وقبيل انتصاف الليل تتأكد الطبيبة كوي من أنه لا شيء سيحدث، وأن الشرطة غير عازمة على الاحتكاك مع المتظاهرين، فتنسحب من ميدان تقسيم متوجهة إلى بيتها.

لكن مطالب محمد (محميت حسب اللغة التركية)، وهو مخرج أفلام قصيرة، تتضارب مع ما ذهبت إليه يازكي كوي، حيث يقول «لا بد من رحيل أردوغان لأنه سمح للشرطة بضربنا عند بداية الاحتجاجات، ولأنه يريد أن يلغي متنزه جيزي ويبني أسواقا أو ثكنات مكانه». نذكره بأن هذا المشروع قد توقف وهو رهن الاستفتاء، وأن أشجار جيزي لا تزال هناك، يقول «لكننا نعرف أنه سينفذ ما قرره، وسوف تمحى هذه الأشجار وهذا المتنزه من خارطة اسطنبول، وإلا لماذا ممنوع علينا الوصول إلى هذا المتنزه؟»، مشيرا إلى أن «أردوغان دائما يتباهى بأنصاره وكأنه رئيس حكومة 50 في المائة وليس رئيس حكومة كل الأتراك».

في ميدان تقسيم الذي يشهد وجود أعداد كبيرة من السياح يفوق عددهم اليوم أعداد المحتجين بكثير، تفاجئك إجابات بعض الشباب حول سبب وجودهم بين المحتجين بعبارات مثل «لا أدري» أو «جئت مع صديقي»، أو سيدة في الخمسين من عمرها تقول «أنا هنا من أجل ابنتي التي تشارك في الاحتجاجات وأخشى عليها من أي مكروه»، موضحة «لا أدري لماذا هي هنا، فأنا مع أردوغان الذي حقق الكثير لنا ولتركيا». وتضيف «ابنتي تقول إنه يمنع الحريات، وأنا أرد عليها بأنكم تتظاهرون ولا أحد يمنعكم فكيف تصفونه بالديكتاتور؟».

ولرئيس الحكومة التركية أنصار ومؤيدون، ليس من الإسلاميين الشباب فحسب. يقول مراد «أنا لست إسلاميا، ولست من حزب أردوغان، لكنني أؤيد سياسته الداخلية والخارجية، فهو وضع تركيا باعتبارها بلدا مؤثرا وديمقراطيا وذا قوة اقتصادية وسياسية في واجهة العالم، وأنا فخور بذلك»، مضيفا «ما يحتاجه أردوغان هو أن يسمعنا جيدا، أن يتقرب من الشباب أكثر، ونحن نعرف أنه لن يستطيع تحويل النظام إلى إسلامي كما في إيران مثلا، وأنه ليس ديكتاتورا، وهو مدافع عن حريات شعبنا وبقية الشعوب ولهذا يدعم ثورة الشعب السوري، وهذه الهتافات التي تنادي برحيله أنا أعتبرها فارغة ولا معنى لها».

وتؤكد ولادة (فالادة حسب اللغة التركية) التي تدرس الاقتصاد في نيويورك وهي في إسطنبول لزيارة عائلتها أن «أردوغان منحنا الكثير من الحريات وحسن اقتصادنا وجعل من تركيا دولة حديثة ومتطورة، وتستطيع أن تلمس ذلك بنفسك من خلال ما تشاهده في إسطنبول». وتنبه هذه الشابة إلى أن «الإعلام الغربي خاصة الأميركي ضخم كثيرا قصة احتجاجات ميدان تقسيم حتى إنني كنت أصاب بالهلع عندما أشاهد بعض القنوات التلفزيونية الأميركية، وغالبا ما كانت عائلتي تطمئنني بأن الأوضاع بخير».