بعد شهرين على كشف إدوارد سنودن عن برنامج حكومي لمراقبة الاتصالات، أقرت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بأن وكالة الأمن القومي انتهكت القانون بين 2008 و2011 باعتراضها بصفة غير شرعية رسائل إلكترونية لأميركيين غير مرتبطين بالإرهاب.
وعملا بالالتزام الذي قطعه أوباما خلال مؤتمر صحافي عقده في 9 أغسطس (آب) الحالي رفعت الحكومة السرية مساء أول من أمس عن عدد من الوثائق الإدارية والقضائية المتعلقة ببرنامج «بريزم» لمراقبة الإنترنت ونشرتها على الشبكة. ومن بين الوثائق قرار قضائي من 85 صفحة صدر في أكتوبر (تشرين الأول) 2011 وبقي سريا حتى الآن، يأمر وكالة الأمن القومي بوقف برنامج لاعتراض الاتصالات الإلكترونية على شبكات الألياف البصرية الأميركية.
وكتب جون بايتس، القاضي في محكمة مراقبة الاستخبارات الأجنبية أن البرنامج الذي طبقته وكالة الأمن القومي «أدى إلى حصولها على عدد كبير جدا من الاتصالات التي يحميها التعديل الرابع» للدستور الذي يحمي الأميركيين من أي عملية تفتيش أو مراقبة مبالغ فيها.
ومحكمة مراقبة الاستخبارات الأجنبية مكلفة منذ الإصلاحات التي جرت في عهد جورج بوش الموافقة على عمليات التنصت والمصادقة على برامج المراقبة التي تعتمدها وكالة الأمن القومي أو رفضها. وبحسب تقديرات قدمتها وكالة الأمن القومي إلى القاضي، فإن البرنامج سمح بالحصول على ما لا يقل عن 56 ألف رسالة إلكترونية بين 2008 و2011 في حين أن القانون الأميركي يفرض الحصول على تفويض لكل حالة على حدة إذا ما كانت عمليات المراقبة تتعلق بمواطنين أميركيين أو برعايا أجانب على الأراضي الأميركية.
وقال مسؤول في الاستخبارات طالبا عدم كشف اسمه خلال مؤتمر عبر الهاتف مع عدد من الصحافيين إن الحصول على هذه الرسائل كان «نتيجة مشكلة فنية.. وليس نتيجة تجاوزات ارتكبتها وكالة الأمن القومي». وأضاف أن «هذا ليس انتهاكا فاضحا» بل «مشكلة حصلت عرضا وطاولت عددا ضئيلا نسبيا من الأميركيين».
وتمكنت وكالة الأمن القومي بموجب البرنامج من اعتراض كمية هائلة من البيانات والمعلومات الدولية التي مرت عبر الشبكة الأميركية غير أنها لم تتمكن من التمييز ما بين الرسائل الإلكترونية الخارجية والرسائل الإلكترونية التي يتم تبادلها بين أميركيين لا علاقة لهم بأي قضايا إرهاب.
وقالت المحكمة في وثائق نشرها مكتب مدير الاستخبارات الوطنية إن وكالة الأمن القومي جمعت بذلك عشرات آلاف «الاتصالات الداخلية البحتة» كل سنة. غير أن المسؤول شدد على أن الوثائق تثبت «قوة المراقبة لهذا البرنامج» مذكرا بأن وكالة الأمن القومي تستخدم 300 شخص لعمليات الضبط الداخلي لعملها.
واعتبرت «مؤسسة الحدود الإلكترونية» التي كانت تلاحق الحكومة أمام القضاء مطالبة بإزالة السرية عن الوثائق أن نشر الوثائق وإقرار الحكومة بقيامها بعمليات مراقبة غير قانونية يشكلان انتصارا. غير أن مارك رومولد محامي «مؤسسة الحدود الإلكترونية» أوضح أن الوثيقة تثبت أن «المحكمة غير مجهزة بالشكل المناسب لأداء دور المراقبة الذي يعود لها» مشيرا إلى أن القاضي يبادر بنفسه إلى توجيه انتقادات للحكومة حول شفافية عمل وكالة الأمن القومي. ودعا رومولد إلى تشكيل لجنة تحقيق برلمانية.
ويأتي نشر هذه الوثائق إثر الفضيحة التي أثارها المسؤول السابق عن شبكات وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن، اللاجئ حاليا في روسيا عندما كشف عن برنامج المراقبة الإلكترونية. كما يأتي إثر معلومات كشفتها صحيفة «وول ستريت جورنال» الأربعاء وفصلت فيها مدى المراقبة التي فرضتها الوكالة على شبكة الإنترنت. وأوضحت الصحيفة أن وكالة الأمن القومي قادرة على اعتراض 75% من حركة الرسائل الإلكترونية الأميركية بهدف التعرف إلى تهديدات أجنبية. وقال مارك يودال العضو في لجنة الاستخبارات التي تحذر منذ سنوات بشأن وكالة الأمن القومي متحدثا الأربعاء: «يسرني أن تتخذ وكالة الأمن القومي إجراءات لإصلاح أخطائها لكن ذلك يشير أيضا إلى أنه بوسعنا وعلينا أن نبذل المزيد لحماية الأميركيين الأبرياء غير المرتبطين بالإرهاب من رقابة الدولة المتعمدة وغير المتعمدة».
من جهته وجه السناتور الجمهوري بوب كوركر رسالة إلى أوباما يطلب فيها أن يعود مدير الوكالة الجنرال كيث ألكسندر أمام أعضاء مجلس الشيوخ عند استئناف الدورة البرلمانية الجديدة في سبتمبر (أيلول) المقبل ليقدم توضيحات حول عمل الوكالة. نواب 19 اقتراح قانون إلى الكونغرس منذ يونيو (حزيران) الماضي مبدين بذلك احتجاجهم على عدم الشفافية حول كثير من برامج المراقبة التي تطبقها الوكالة، بحسب ما أوضح «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية».