المشهد: يوميات مهرجان «فينيسيا» السينمائي الدولي (4)

روزي.. برغمن.. هيتشكوك والآخرون

فرانشسكو روزي
TT

«من الغريب أن تكون لديك مكتبة في منزلك تحتوي على خمسين كتابا عنك».

يقول المخرج جون لانديس وهو يجول في الغرفة التي كان المخرج السويدي الراحل إنغمار برغمن يشتغل فيها والتي تمتد على جدرانها الأربعة رفوف مكتظة بالكتب وشرائط الفيديو. وملاحظة لانديس صحيحة: كيف تشعر حين تكون في قمة حياتك المهنية ولديك عدد كبير من المؤلفات المكتوبة عنك؟ بالفخر؟ بالاعتزاز؟ بالغموض أو الحيرة؟

سؤال آخر: هل قرأ برغمن كل ما كُتب عنه؟ هل قرأ هذه الكتب تحديدا وإذا ما فعل هل وجد أن تحليل النقاد والمؤرخين كان في مكانه؟

لا أحد يستطيع الإجابة عن هذا السؤال إلا برغمن نفسه وبرغمن رحل سنة 2007 تاركا إرثا من الأفلام ضمن أكثر من مرحلة. واحدة لنقل كانت تأسيسية حقق فيها الدرامي والكوميدي، وواحدة صاغته مخرجا دوليا على النحو الذي جعله أحد أبرز عناوين السينما في الستينات، ثم ثالثة حاول فيها نقل أفكاره وخواطره حول الحياة والموت، وهي التيمات التي سادت المرحلة الثانية، إلى إطار أكبر من حيث الإنتاج. حقق هنا نجاحات متفاوتة وليست متقاربة.

لكن السؤال التالي الذي يمكن للمرء أن يطرحه هو إذا ما كان من الممكن الإتيان بمؤلف جديد حول أي من المخرجين الكبار. مثلا أعرف أن هناك ما لا يقل عن 100 كتاب تم وضعه عن المخرج الفذ ألفرد هيتشكوك. أغلبها إنجليزي ومعظمها يدور حول أفلامه وليس - مثلا - حول حياته الخاصّة. فهل يختلف كل كتاب عن الآخر؟ الواقع أن ذلك ليس ممكنا. المؤلفون يدورون حول الأفلام ذاتها ومع أن بعضهم يملك نظرة وقراءة وأسلوبا يختص به، فإن الغالبية ليس لديها سوى أن تستند إلى المعلومات ذاتها ليصوغ كل مؤلف زاويته ورؤيته عليها. اليوم، إذا ما أراد أحد أن يكتب عن هيتشكوك، سيجد أن الآخرين سبق لهم وأن غطوا كل زاوية ممكنة وحققوا في كل نظرية وحللوا كل ما يستحق التحليل. ما هو متروك له هو أن يقرأ هيتشكوك من خلال وجهة نظره هو راجيا أن يجد خلال ذلك ما هو مختلف وجديد في قراءته.

فينسيا لا ينسى المخرجين الكبار وهذا العام، تحديدا، هناك الكثير منهم مشتركون بالحضور شخصيا أو عبر أفلامهم أو أفلام عنهم. الإيطاليان فرنشسكو روزي وبرناردو برتولوتشي موجودان وهناك أفلام لهما وللفرنسي جان رنوار والإيطالي الآخر بييترو جيرمي من بين أخرى. وعلى الصعيد الثالث، نعم هناك أفلام عن الإيطالي بيير باولو بازوليني والسويدي إنغمار برغمن والأميركي سام فولر.

عبر هذه الأعمال يطرح الأمس نفسه من جديد ولجمهور يحتشد عند أبواب القاعات العارضة كما لو أن المخرجين المذكورين هم نجوم السينما في الزمن الحالي. وكما يقول المخرج وودي ألن، فإن هؤلاء المخرجين الكبار (وفوق المذكورين هنا عشرات) «لا يغيبون حين يموتون، بل يبقون حاضرين بيننا». أمر عجيب لكن هذه هي السينما.