داني ياتوم مستشار باراك يستغل موقعه من أجل العودة لرئاسة «الموساد» مجددا

نصح رئيس الوزراء الإسرائيلي بالتشدد مع المتظاهرين الفلسطينيين وحول وكالة الهجرة إلى وكالة تجسس

TT

عندما اقلعت طائرة «البوينغ 737» التابعة للرئيس الاوكراني، ليونيد كوتشما، من اسرائيل متجهة نحو منتجع يالطا في البحر الاسود في صباح احد ايام شهر اغسطس (آب) الماضي، كان المسافر الوحيد على متنها داني ياتوم. وكان يتمدد على مقعد جلدي مريح، ويرتشف اكوابا من الشامبانيا المعتقة ملتهما افضل انواع الكافيار الروسي، ومتلذذا بدون شك بكل هذه المباهج. وحتى ثلاثة اعوام كان ياتوم معتادا على هذا النمط من الحياة، الى جانب سيارة مقاومة للرصاص، وبطاقة ممغنطة تمكنه من دخول معظم المكاتب المهمة والحساسة في اسرائيل. كما كان الاكثر اطلاعا على الاسرار المختلفة من اي رجل آخر في هذا البلد.

غير ان ذلك كله تغير فجأة، ففي صباح يوم من ايام مارس (آذار) عام 1998 اقيل ياتوم من منصبه من قبل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، لانه كان العقل المدبر وراء عمليتين من عمليات الموساد باءتا بالفشل وتركتا سمعة الموساد ممرغة في الطين، واطاحتا بالروح المعنوية للعاملين فيه.

وبدا آنذاك ان وظيفة داني، البالغ 51 عاما، قد انتهت للأبد. ووجد رئيس الموساد المتصف بفظاظة وقسوة مجرمي الشوارع ان القرار الوحيد الذي يقدر على اتخاذه هو تشذيب زهور حديقته القريبة من السياج المكهرب الذي يمتد على الحدود بين اسرائيل والاردن.

ولم يعد بيته المطلي بالابيض هو ذات المكان الذي يخطط فيه ياتوم لعمليات الموساد والتي قادت في نهاية المطاف الى اقالته من منصبه.

اما الآن، وبينما كانت اشعة اغسطس تبث الدفء داخل طائرة الرئيس الاوكراني، كان داني ياتوم يعلم انه في طريق عودته الى منصبه القديم. وكان ياتوم مسافرا على متن تلك الطائرة بصفته المبعوث الشخصي لرئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك الى الرئيس الاوكراني لإطلاعه على خطوات اسرائيل المقبلة اثر انهيار محادثات كامب ديفيد مع الفلسطينيين. وجاء ذلك رغم معارضة وزارة الخارجية الاسرائيلية الشديدة التي كانت ترى ان من الواجب ارسال دبلوماسي، لا رئيس استخبارات مخلوع، في مثل هذه المهمة الحساسة. وكان ياتوم قد اخبر اصدقاءه المقربين بأنه سيستخدم نفوذه في تجميع الدعم خارج اسرائيل وداخلها لاطار اكثر تشددا لاية محادثات سلام مستقبلية.

ولم يمر عام على عودة ياتوم الى الدوائر الداخلية لصناعة القرار الاسرائيلية، حتى منحه باراك مكتبا قريبا منه. وقد تعلم كثير من موظفي باراك خشية ياتوم، الذي يقتصر لباسه على جاكيت جلدي اسود وتي شيرت وبنطال رمادي، وهو لا يكترث بالملابس ابدا. ومنذ تعيينه مستشارا خاصا لباراك، وياتوم يشير الى ان هذا المنصب ليس الا خطوة في طريق ما يطمح اليه حقا، من العودة الى قيادة الموساد من جديد.

ويشير رافي ايتان الصديق القديم لياتوم الى انه «اخبر اصدقاءه ان هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكنه من خلالها اثبات كم كان نتنياهو مخطئا عندما اقاله من منصبه». وكان ايتان مديرا سابقا للعمليات في الموساد، وهو يتصف بذات القسوة التي يمتاز بها ياتوم. ويضيف ايتان «ان داني اجتهد، وهو الآن يدفع ثمن ذلك».

وكانت الغلطة الاولى التي ارتكبها ياتوم هي تخطيطه لعملية اغتيال خالد مشعل زعيم «حماس» في احد شوارع مدينة عمان في يوليو (تموز) عام 1997. وفي ذات العام حصلت فضيحة اشد، اذ اعترف الضابط الكبير في الموساد، ياهودا جيل، بسحبه مبالغ ضخمة من اموال الموساد لتسديد خدمات عميل وهمي. واخيرا، كان ياتوم خلف عملية استخباراتية فاشلة في سويسرا ضد احد اعضاء «حماس» ايضا هو عبد الله زين. واصبحت هذه القضية تعرف بـ«نجل جيت» وقادت في نهاية الامر الى اقالة ياتوم. ويقول المتابع لشؤون المخابرات الاسرائيلية باري شاميش (خاميش):

«كان يعتقد، بحق نوعا ما، انه كان ضحية نتنياهو ـ الذي كان يعرف سلفا بكل تفاصيل العمليات. وقام نتنياهو، لكي ينقذ جلده، بطرد ياتوم بصخب شديد».

لكن ياتوم لاعب خبير وماهر في السياسة الاسرائيلية. ورأى باراك فائدة كبيرة في ابقاء ياتوم تحت جناحه.

وحتى يتغلب باراك على الاعتراض الشديد من وزارة الخارجية على مثل هذا التعيين، فانه عين ياتوم في منصب المشرف على وكالة «ناتيف»، التي تتولى، رسمياً، هجرة اكثر من مليون يهودي الى اسرائيل من اوروبا الشرقية. وما هذه اصلاً بالوظيفة التي تليق بجاسوس سابق بارز.

لكن ياتوم استطاع ان يحول «ناتيف» خلال الاشهر الستة الماضية الى واحدة من المؤسسات البارزة في ادارة باراك. وقد ملئت وظائفها بافراد من قوات الدفاع الاسرائيلي ممن لهم خبرات استخباراتية، بل ان بعضهم سبق له العمل في جهاز «الشين بيت» او «الموساد».

واستثمر ياتوم موقعه في وكالة الهجرة ليعود مجددا الى زيارة مرابعة القديمة في اوروبا والاتحاد السوفياتي السابق.

ويؤكد جادي بالتيانسكي، مستشار باراك الاعلامي، ان وكالة الهجرة ـ ناتيف «ترسل على غرار الموساد، مبعوثين رسميين للعمال في بعثاتنا الدبلوماسية في الخارج. ومهمة هؤلاء عقد علاقات مع جاليات اليهود المحليين».

واشار يوسي ميلمان، المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس» اليومية، في الاسبوع الماضي الى ان العاملين في وكالة ناتيف «يجمعون معلومات سياسية واقتصادية وعسكرية، وان عملهم الفعلي هو التجسس».

وتجد وكالة ناتيف نفسها الآن في صراع مكشوف مع «الموساد». لكن جهاز «الموساد» الذي يعاني من ضعف المعنويات ـ والذي اضطر الى نشر اعلانات عالمية طلبا لعاملين جدد ـ يخسر المعركة.

فباراك يرسل ياتوم كمبعوث خاص من اجل بحث القضايا الحساسة من رؤساء اجهزة المخابرات الاوروبية.

ويعتقد كثيرون ان هذا هو السبب الكامن وراء الخروج الفجائي وغير المتوقع لنائب مدير «الموساد»، اميرام ليفاين، من منصبه اوائل هذه السنة.

وقال مصدر اسرائيلي «ان ياتوم ناور لاقصائه من منصبه».

غير ان ياتوم لا يريد ان يضعه باراك في منصب نائب رئيس الموساد. فذلك لا يهمه، فالوظيفة الوحيدة التي تهمه حقا هي انه يريد «الموساد» من جديد.

وفي غضون ذلك يواصل ياتوم، منذ رحلته الى يالطا، تعزيز موقعه عند باراك. وكان ياتوم موجوداً في القدس حين وقعت صدامات الاسبوع الماضي، فرفع تقاريره الى باراك مباشرة. وتفيد المصادر انه استمر يحث على التعامل بشدة مع المتظاهرين. وقام ياتوم، ايضا، بعدة سفرات الى عواصم اوروبا الغربية، في اطار وظيفته المزعومة، لمتابعة المحتشدات الكبيرة من اليهود المهاجرين من الاتحاد السوفياتي. اما في الواقع فانه توجه لاختبار قوة الصلات التي ارساها يوم كان رئيسا للموساد.

ويقول مصدر مطلع في المخابرات الاسرائيلية «كلما ابتعد ياتوم عن منصبه الاخير في المخابرات اكثر، ازداد اقترابا من استعادة هذا المنصب».