معرض «لبنان على السكة» ينعش الحنين إلى قطارات بيروت أيام زمان

120 صورة للقطارات والسكك الحديدية يعود بعضها إلى عام 1900

صور وعربات قديمة عمرها أكثر من مائة سنة تجذب الشباب في معرض « لبنان على السكة» («الشرق الأوسط»)
TT

لا يمكنك وأنت تزور معرض «Lebanon on rails» الذي يقام في أسواق بيروت وبالتحديد في صالة «ذي فينيو» إلا أن تردد عبارة واحدة «رزق الله على أيامك يا تران بيروت». هذا المعرض الفوتوغرافي المنظم من قبل جمعية «train train Beirut» وشركة «سوليدير» سيكون مقدمة لمشروع مستقبلي هدفه إعادة تسيير القطار ما بين منطقتي جبيل والبترون على الساحل الشمالي من لبنان.

120 صورة فوتوغرافية تزين المعرض تم جمعها من الأرشيف العالمي، من قبل إلياس معلوف أو التقاطها حديثا بواسطة كاميرا ايدي شويري (عضوان في الجمعية المذكورة). أنعشت هذه الصور مجموعة ذكريات لدى اللبنانيين الذين عايشوا زمن «القطار» في بيروت شخصيا، أو بالتواتر، فوقفوا أمامها يمعنون النظر بتفاصيل ما زالوا يحتفظون بها بمخيلتهم كما شاهدوها أو سمعوا بها في حكايات أجدادهم لهم.

التجول في المعرض يشبه تماما رحلة تقوم بها على متن قطار، فخلالها لا يمكنك أن تتبع خطا مستقيما، بل ملتويا يأخذك يمينا أحيانا ويسارا أحيانا أخرى، وذلك حسب ما توجهك بوصلة نظرك. أما المشاهد فتنقلك من محطة إلى أخرى من أيام الماضي في لبنان. فهذه الوسيلة القديمة للنقل حملت على متنها في الماضي شخصيات بارزة كالملك فيصل والرئيس شارل ديغول وأم كلثوم وفريد الأطرش وأسمهان وغيرهم. هنا صورة لساعة حائط التقطها ادي شويري من محطة للقطار تقع في منطقة نهر إبراهيم، توقفت عقاربها عن الدوران منذ فترة طويلة، وما تزال تشير إلى الواحدة وأربعين دقيقة. وهناك صورة للقطار البولوني (يعرف بهذا الاسم نسبة إلى منشأه في بولونيا) وهو ما زال موجودا حتى اليوم على الخط الحديدي المعروف بـ«N.B.T» وهو اسم الاختصار لـ«ناقورة. بيروت. طرابلس» القطار الذي كان ينقل المسافرين ما بين حيفا وبيروت. وعلى الحائط المقابل صورة أخرى التقطت حديثا لمحطة «صوفر» المتوقفة عن العمل منذ أواخر الستينات، تنتظر من يدير محركاتها المغطاة بالثلج. أما معمل رياق للقطارات الذي كان أهم مركز لتصنيع وتصليح القطارات في الشرق الأوسط فله صورة معبرة في المعرض تظهر موظفيه أثناء إضراب شامل أقاموه في الخمسينات، مطالبين يومها بتحسين أوضاعهم المادية. ولعل مجموعة الصور الفوتوغرافية التي التقطها المصور الأميركي رون زيل عام 1971 ووضعها بتصرف وزارة النقل، هي من المقتنيات الأهم الموجودة في معرض «Lebanon on rails». وهي عبارة عن حقبة موثقة بالصور لجميع محطات القطار الموجودة في لبنان من شماله إلى جنوبه.

ويروي إلياس معلوف أحد المسؤولين في جمعية «train train Lebanon» أن التحضير لهذا المعرض الذي سبق وأقيم في بلدة بيت الدين بداية هذا الصيف، استغرق نحو عشر سنوات، وأن أهميته تكمن في شموليته وتنوعه خصوصا أنه شخصيا قطع مسافات طويلة وصلت إلى أوروبا وأميركا للحصول على وثائق وصور، تحكي تاريخ القطار الحديدي وكيفية وصوله إلى لبنان.

ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لقد جرت محاولات لإعادة تسيير عدد من محطات القطار في لبنان كتلك التي عرفت بـ(قطار السلام) أثناء ولاية وزير النقل الراحل شوقي فاخوري أواخر الثمانينات ولكنها باءت بالفشل». لماذا؟ يرد موضحا: «إن المشكلة الأساسية التي واجهها أصحاب هذه المحاولات هي عدم وجود خطوط مزدوجة لتسيير الرحلات ذهابا وإيابا». ويضيف: «الخطوط القديمة مع الأسف كانت مصنوعة بشكل لا يجيز عودة المسافر إلا على الخط نفسه.. الأمر الذي ولد مشاكل في توقيت تسيير الرحلات فكانت تتوقف بسرعة».

ويرى معلوف أن إمكانية تسيير خط القطار الذي يربط ما بين منطقتي جبيل والبترون هو لأمر سهل ينتظرون «كجمعية» الموافقة عليه من قبل وزارة النقل، خصوصا أن كلفة الموضوع زهيدة؛ لأن السكة والقطار صالحان للعمل.

أما ادي شويري فعلاقته بالقطار قصة يرويها لنا بحماس: «ذكرياتي مع القطار تعود إلى طفولتي، عندما كنت أركض إلى النافذة في بيت جدتي الواقع في منطقة فرن الشباك لأتفرج على القطار المار خلف منزلها. كان مروره يحدث ارتجاجا يهزني من مكاني، ولا أنسى بالطبع وقع صوت بوقه المميز على أذني. كل ذلك حفر في ذاكرتي. ولعل حنيني لتلك الأيام كبر مع الوقت فقررت أن ألحق به (قبل أن يسبقني القطار)»، يقولها مازحا ثم يضيف: «استطعت أن ألتقط صورا عدة جمعتها في معرض أقمته على خط القطار الأساسي في بيروت في منطقة (مار مخايل)، وأصدرت كتابا في العام نفسه (2004) بعنوان (لبنان عالسكة) حتى وصلت إلى هنا».

وعن هدف المعرض يقول إلياس معلوف: «هو ليس ثقافيا فقط، بل أردنا من خلال جمعيتنا أن نلفت نظر المسؤولين إلى ضرورة عودة القطار إلى لائحة وسائل النقل في لبنان، فنحن بحاجة إلى هذا النوع من وسائل النقل حاليا، فهو نسبة إلى غيره أقل كلفة». ويتابع: «تخيلي أن كلفة إعادة تسيير قطار تبلغ ربع كلفة تزفيت كيلومتر واحد من الطرق، ونأمل أن نسير بداية خط جبيل البترون لأنه مشروع جاهز ومستلزماته المادية ضئيلة».

والمعروف أن لبنان كان يملك أربعة خطوط سكك حديدية معروفة وعالمية المقاييس. يعرف الخط الأول بـ«بيروت - رياق - الشام» الذي أسس عام 1895. أما الثاني فيعرف بخط «رياق - حلب - أوروبا» وهو خط ازدهر في مواسم الاصطياف وكانت «صوفر» إحدى محطاته الشهيرة في تلك الحقبة وقد افتتح عام 1908. وثالث هو خط «طرابلس - حماه» انطلق عام 1911، ورابع هو «طرابلس - بيروت - حيفا» الذي كان يربط ما بين لبنان وفلسطين.

ويتضمن المعرض الذي يستمر حتى الخامس عشر من الشهر الحالي معدات قديمة استعملت في بعض المحطات في الماضي كالـ«دريفينا»، وهي كناية عن عربة مجهزة بإطارات حديدية مصنوعة من الخشب والحديد تستخدم لتصليح القطارات، إضافة إلى المزيتة (تستعمل اتزييت السكك) وقنديل كيروسين وغيرها.