أين الرياضة السعودية من فكرة «صندوق الوفاء» البرشلوني؟!

«الشرق الأوسط» تفتح الملف «المنسي» مع عدد من الخبراء الرياضيين

TT

يعود الجدل إلى الواجهة من جديد عند وقوع أي معضلة للاعب كرة قدم ودع الميدان واعتزل ووجد نفسه مطاردا نظير تراكم الديون المادية التي ربما ترمي به خلف قضبان السجن، فسوء الأحوال المادية للاعبين أو الرياضيين السابقين يفتح باب السؤال حول «من يتحمل مسؤولية أبناء الوسط الرياضي؟»، هل هي أنديتهم أم الاتحاد الرياضي الذي يتبعونه؟ وأين دور صندوق الوفاء؟ ولماذا تغيب عن وسطنا المبادرات الفردية والمباريات الخيرية؟

وهنا نتذكر ما قامت به إدارة فريق برشلونة الإسباني خلال الموسم المنصرم عندما أضافت بندا في عقود اللاعبين يحمل اسم «الوفاء»؛ حيث ينص على أن اللاعب الذي يمضي مع الفريق الأساسي مدة تصل إلى خمسة عشر عاما أو تزيد، فإنه يكون مستحقا لراتب شهري مدى الحياة تحدده إدارة النادي بعد اعتزال اللاعب، واستفاد من هذا القرار الذي يفعله أي ناد بالعالم من قبل لاعب خط وسط الميدان تشافي هرنانديز ويقترب منه زميله في خط الدفاع بويول.

هذه الخطوة التي أقدم عليها برشلونة ربما تستحق الدراسة الحقيقية من قبل إدارات الأندية دون إلقاء اللائمة عليهم حاليا، وأنهم يتحملون مسؤولية لاعبيهم السابقين، إلا أن هذه الخطوة جميلة من وجهين، الأول هو الوفاء لمن مثل شعار الفريق سنوات طويلة، والأمر الآخر تحفيز اللاعبين على الاستمرار في صفوف الفريق دون الخروج منه.

وعبر «الشرق الأوسط» توجهنا بالسؤال إلى خبراء رياضيين عمن يتحمل مسؤولية اللاعبين السابقين الذين تبدو أوضاعهم المادية صعبة وحرجة.

البداية كانت مع الناقد الإعلامي منيف الحربي الذي يرى أن مسؤولية اللاعبين السابقين يتحملها اللاعبون أنفسهم قبل كل شيء، مضيفا: «كل إنسان معرض للوقوع في معضلة أو مشكلة، وإذا كان لا يملك القدرة على مواجهة هذه الظروف، يفترض أن يكون هناك دور لما يسمى صندوق الوفاء». ويواصل الحربي حديثه في الجانب ذاته: «المسؤولية مشتركة، سواء من قبل الرئاسة العامة لرعاية الشباب أو اتحاد الكرة أو النادي الذي مثله هذا اللاعب في فترة سابقة أو حتى زملائه السابقين، وذلك على صعيد المبادرات الفردية، ولو كل جهة قامت بدورها وتفاعلت مع الأحداث التي تقع للاعبين السابقين لجرى حل هذه المشكلات، فجميعنا شاهدنا كيف تفاعل بعض زملاء الراحل محمد الخليوي رحمه الله ومبادرة النادي الأهلي التي يشكر عليها، وكيف كان لهذه الأفعال أثر إيجابي في أسرة اللاعب، رغم أنه جهد بسيط، فما بالك لو كان الجهد منظما أكثر».

وعن صندوق الوفاء قال الحربي: «أعتقد أن الجميع يتفق على أن الصندوق غير فعال رغم وجود حالات نسمع عنها سنويا تحتاج المبادرة من هذا الصندوق؛ ولكن لم نشاهد أي تفاعل».

وفيما يخص من يتحمل عدم فاعليته قال الحربي: «سابقا سأقول لك اتحاد الكرة، ولكن حاليا بعدما تولت اللجنة الأولمبية هذا الصندوق سأقول يتحمل عدم تفعيله المؤسسة الرسمية (الرئاسة العامة لرعاية الشباب)»، مضيفا: «نحن نعرف أن صندوق الوفاء أنشئ بديلا للصندوق الرياضي سابقا، وذلك بعدما قررت اللجنة الأولمبية السعودية توسيع نشاط هذا الصندوق ليكون شاملا كافة الألعاب وليس كرة القدم فقط، وحتى أتذكر من أهداف صندوق الوفاء أن يستفيد منه كل الرياضيين العاملين في الأندية من لاعبين وإداريين ومنسوبي الاتحادات الرياضية دون استثناء، وجميعنا يتذكر إعلان الأمير نواف بن فيصل قبل سنتين تقريبا لدعم الصندوق بمبلغ مليون ريال، بالإضافة إلى ما قيل بشأن أن مبالغ العقوبات الصادرة من لجنة الانضباط تتحول إلى خزينة صندوق الوفاء، وأتذكر أن المبلغ كان قريبا من مليون ريال مع تبرع الأمير نواف أصبحت مليوني ريال، فما بالك بالمبالغ التي دخلت خزينة الصندوق بعدها؟ خاصة أن الصندوق يتقبل الهبات والتبرعات والعقوبات تذهب بشكل مستمر إلى الصندوق، إذا حسبنا المبالغ هذه وقسنا الحالات التي حدثت مع الأسف فإننا لم نشاهد أي أثر إيجابي لهذا الصندوق، فلو فعل وقام بدوره، بالإضافة إلى بقية الجهات المشتركة التي ذكرناها، فسيكون أثرا إيجابيا للحالات التي تستحق المساندة».

وعن الأشخاص المستحقين لمبالغ صندوق الوفاء حسب وجهة نظره، قال: «في الحقيقة لا أملك معلومات عن اشتراطات الصندوق، ولم تظهر على السطح، فهو مغيب عن التفاعل والإعلام، ويجب أن تظهر مبادرات هذا الصندوق وأفعاله على السطح ولوسائل الإعلام»، مضيفا: «ليس بالضرورة أن تكون مبادرات الصندوق لهذه المبالغ كاملة، فمثلا بعض الرياضيين أو اللاعبين يكون عليهم مبالغ مادية مستحقة، وآخر هذه الحالات التي سمعنا عنها لحكم سعودي دخل السجن بسبب ديون تصل إلى قرابة 300 ألف ريال، وليس مطلوبا من الصندوق أن يتحمل كافة هذه المبالغ؛ ولكن على الأقل أن يسدد جزءا منها أو يسهم في حلها، مثلا تعلن أن كل حالة يتولى الصندوق تغطية ما نسبته 40 أو 30 في المائة، والبقية يتاح المجال فيها لكافة الرياضيين، وأنا واثق من تفاعلهم مع الحالات التي تستحق وتكون مبادرة الصندوق محمسة لهم».

وعن المبادرات الفردية، وهل غائبة أم حاضرة، ولكنها بحاجة إلى تفعيل أكثر، قال الحربي: «المبادرات الفردية جميلة، لكن لن تكون لها استمرارية طالما لن تدخل في إطار رسمي يوحد الجهود ويخلق التفاعل، بحيث إن البقية يسيرون على خطاه نفسها، يعني طالما هذا الصندوق أو الجهة الرسمية لم يتفاعل بالتأكيد لن يحضر التفاعل من أفراد، ولكن لو حضر التفاعل فأنا متأكد أن جهات كثيرة، سواء مبادرات فردية أو مؤسسية من داخل وخارج الرياضة، سيكون لها تفاعل جيد».

من جهته قال لاعب الهلال السابق والمحلل الرياضي الدكتور تركي العواد إن مسؤولية اللاعبين السابقين هي بشكل عام مسؤولية مشتركة، فلا نستطيع إلقاء اللوم على جهة واحدة، مضيفا: «لكن من المفترض أن يكون صندوق الوفاء قائما بذاته، يمنح الجميع ولا يكون مجرد مستودع للمبالغ، فمن المفترض أن تشكل إدارة خاصة لإدارة هذا الصندوق والاهتمام بمصادر دخله، وإلا فلن نجد الدعم من أي شخص، فمهم جدا قبل أن نتكلم عن صندوق الوفاء أن نسأل عن القائمين عليه، وكيف ستكون آلية صرفه، فدائما نتكلم عن صندوق الوفاء كجهة اعتبارية غير واضحة المعالم، وأعتقد أن أول حل إذا أردنا تفعيل الصندوق هو وضع آلية وهيكلة إدارية واضحة المعالم، بحيث أنت كشخص رياضي سابق أو حالي تريد أن تتبرع للصندوق فتعرف كيف هي الآلية، أو حتى إدارات الأندية أو مبالغ العقوبات التي تفرضها الاتحادات على منسوبيها، فهذه جميعها مصادر داخل للصندوق».

وأضاف: «لذلك نحن حاليا لا نعرف ماذا يتحمل صندوق الوفاء، ومن هم المستحقون له، فيجب المسارعة في إيجاد هيكلة واضحة المعالم، فأي شيء فيه أمر مالي يجب ألا يكون مبهما حتى لا تحدث مشكلات من يستحق ومن لا يستحق، ومن ثم تبدأ مسألة الجانب العاطفي أو الشخصي أكثر من غيره».

وعن: من هم الذين يفترض أن يستحقون مبالغ الصندوق؟، من وجهة نظره قال العواد: «أعتقد أن هذه المسألة تعتمد على دخل الصندوق، ونحن لا نعلم هل دخله عال يمكنه من تغطية شريحة كبيرة من الرياضيين وليس اللاعبين فقط، فإذا كانت مصادر دخله عالية، فهذا شيء جميل ويجب أن يغطي شريحة كبيرة من الرياضيين. أما إذا كان أقل، فيجب أن تضع معايير مثلا اللاعبين الذين خدموا الكرة السعودية بشكل أكبر في المنتخبات والأندية، بمعنى أن تحصر على الأكثر تأثيرا والأكثر حاجة، فهي لها علاقة بالحاجة وإسهامات الرياضي، فليس من المعقول أن نوزعها على أشخاص أقل حاجة».

وعن المبادرات الفردية، ولماذا يغيب اللاعبون السابقون عن تشكيل فريق خاص على غرار أصدقاء زيدان أو أصدقاء رونالدو البرازيلي، قال العواد: «دائما الجانب الخيري ليس نشيطا كفاية بالنسبة لنا، ونحن غير مبادرين لا في الوسط الرياضي أو غيره، ودائما أمورنا وتبرعاتنا نقصرها على من حولنا، ودائما نحن ردة فعل، فعندما يظهر على السطح شخص أو لاعب في حاجة، تجد الوسط الرياضي يسهم بقوة، ولكن لا يبادر، وأنا أتفق معك في أن الرياضيين يجب أن يكونوا أكثر مبادرة؛ خصوصا أن هناك عددا من الرياضيين دخلهم جيد ووضعهم المادي جيد، وبالتالي ستكون مساهمتهم جيدة؛ ولكن أنا مع وجود آلية واضحة ولو كانت هناك جهات غير ربحية، مثلا روابط المدربين واللاعبين لتنظم آلية العمل، فنحن لا نعلم عن أوضاع الجميع، ولكن عندما نقرأ في الإعلام عن حاجة أحد نشاهد الجميع يتحركون، ولكن أتمنى وجود رابطة للاعبين، وأن يكون ضمن آليتها معرفة أمور اللاعبين السابقين».

ووجه العواد في ختام حديثه رسالة إلى زملائه اللاعبين: «أتمنى دائما من اللاعبين الحاليين والسابقين أن لا يكتفوا بما قدموه، فاللاعب عندما يعتزل وعمره 35 سنة يكون قادرا على العطاء في مجالات أخرى، فهو ما زال عنصرا فعالا، وأنا أندهش من اللاعبين عندما ينتهي عمره كلاعب يختفي، فالرياضي يجب أن يستمر في هذا المجال، خاصة أن مهنة الرياضي طويلة الأجل وليست مقتصرة على ممارسة ميدانية لمدة عشر أو خمس عشرة سنة وبعدها نتوقف».

وأضاف: «أتمنى من أي لاعب أن يبقى في الوسط الرياضي ويحاول الاستفادة من الثورة الموجودة حاليا، كأن يكون كشاف لاعبين أو مدربا أو محللا أو إداريا، ورسالتي للاعبين: خبرتكم نحتاجها، ليس فقط في التحليل والتدريب؛ بل كل شخص قدر استطاعته، وأنا ضد أن يتحول اللاعب إلى متسول عند اعتزاله، فالمجال واسع، سواء في الاستشارة الرياضية، خاصة في ظل وجود لاعبين سبق لهم اللعب لسنوات طويلة، أو الأكاديميات أو التحليل أو وكالة أعمال اللاعبين، فالرياضة فيها مصادر دخل جيدة».

من جانبنا في «الشرق الأوسط» توجهنا بتساؤلات إلى اللجنة الأولمبية العربية السعودية عن أمور عدة متعلقة بصندوق الوفاء؛ كونها الجهة المسؤولة عنه، فجاءت الإجابات على لسان الأمين العام للجنة محمد المسحل الذي قال إن أعضاء صندوق الوفاء ممثلون من بعض قطاعات الرئاسة العامة واللجنة الأولمبية السعودية، موضحا أن ميزانية الصندوق لم ترصد بعد.

وفيما يخص آلية الصرف المعتمدة ومن هم الأشخاص المفترض أن يستفيدوا منه قال المسحل: «يتم في هذه الآونة وضع اللمسات النهائية على لائحة الصندوق، وهي التي ستحكم آلية الصرف وجميع شرائح المستفيدين، وبطبيعة الحال المستفيدون سيكونون من الرياضيين المعتزلين، والرياضيون ليس بالضرورة أن يكونوا لاعبين».

وعن الدور المفترض أن يتحمله صندوق الوفاء قال المسحل: «كل ما من شأنه التخفيف من معاناة أي من مستفيدي الصندوق، وذلك حسب إمكانات الصندوق».

وعن الفرق بينه وبين صندوق اللاعبين التابع لاتحاد كرة القدم سابقا، والذي حل بديلا لصندوق الوفاء قال المسحل: «لا توجد لدي أي معلومات عن الصندوق الذي تتحدث عنه، فأنا لا أعمل في الرئاسة، ولكن هذا الصندوق (صندوق الوفاء) سيكون تحت مظلة اللجنة الأولمبية».وكشف المسحل في ختام حديثه عن أنه حتى الآن لم يستفد من الصندوق أي حالة، وذلك لكون الصندوق لم يبدأ في العمل حتى الآن.