المدارس تفتح أبوابها اليوم و40% من أطفال سوريا خارجها

وزارة التربية تتساهل في اللباس الموحد والأهالي تعجزهم التكاليف

تلميذة تجرب حقيبة مدرسية في سوق بدمشق، ويبدأ العام الدراسي الجديد في سوريا اليوم وسط تحديات كبيرة (أ.ف.ب)
TT

نشاط سوق المكتبات والقرطاسية والألبسة المدرسية، وتوافد الأهالي والتلاميذ بالمئات على تلك الأسواق والمحلات المتخصصة باللوازم المدرسية في النصف الأول من هذا الشهر - باتا من ذكريات الماضي، فلم تعد الأيام القليلة التي تسبق افتتاح المدارس مواسم لفرح الأولاد بانتهاء العطلة والعودة إلى المدرسة، بقدر ما أصبحت مواسم للحسرة والألم والحرمان من فرص التعليم.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أعلنت أن 40% من أطفال سوريا خارج المدارس، مشيرة إلى أن أكثر من ثلاثة آلاف مدرسة تعرضت للتدمير أو لحقت بها أضرار. وقالت الناطقة باسم المنظمة ماريكسي ميركادو: «نحو مليوني طفل سوري بين سن 6 و15 عاما، أي ما نسبته 40% من إجمالي السوريين في هذه الفئة العمرية، باتوا خارج المدارس»، واصفة هذه الأرقام بالمخيفة. وأضافت: «في حين من المقرر أن تعيد المدارس في سوريا والبلدان المجاورة فتح أبوابها خلال الأسابيع المقبلة، فإن السماح للأطفال بتلقي نوع من التعليم يغدو مهمة شائكة». وأشارت ميركادو إلى أن أكثر من ثلاثة آلاف مدرسة تعرضت للتدمير، أو لحقت بها الأضرار منذ اندلاع النزاع، كما أن زهاء 900 مدرسة أخرى تشغلها عائلات لنازحين هربوا من أعمال العنف. وقالت ميركادو: «من أصل مليوني طفل سوري خارج المدارس، نصفهم لجأ إلى البلدان المجاورة لسوريا».

وكان من المتوقع أن يؤجل افتتاح المدارس هذا العام مع تنامي احتمال توجيه ضربة عسكرية خارجية لقوات النظام السوري، إلا أن وزير التربية السوري، هوزان الوز، نفى تأجيل موعد افتتاح المدارس وأكد في تصريح للتلفزيون الرسمي أن «المدارس ستفتح أبوابها في الموعد المحدد في 15 الشهر الحالي (اليوم)»، نافيا ما يشاع حول تأجيل موعد افتتاحها. وأعلن وزير التربية جاهزية 18 ألف مدرسة لاستقبال الطلاب، بينما خرجت نحو 3600 مدرسة من الخدمة بسبب الأزمة، مع ترميم 600 منها، إضافة إلى أن نحو 1000 أخرى خرجت من الخدمة كونها مراكز إيواء للمهجرين، مشيرا إلى أن الوزارة أصدرت تعميما حول «عدم التشدد في اللباس المدرسي» الموحد.

وقال إن الوزارة، وبالتعاون مع «اليونيسيف» وبعض منظمات المجتمع المحلي ومنها «الأمانة السورية للتنمية»، أطلقت مشروعا بعنوان «من حقي أن أتعلم» لتلبية حاجة المناطق الأكثر تضررا واحتياجا، وستوزع فيه مليون حقيبة مدرسية على جميع المحافظات. وأن الكتب المدرسية جاهزة، وستصل للجميع خلال الأسبوع الأول من العام الدراسي.

كما أعلن نقل نحو 8 آلاف مدرس ومدرسة، من المناطق الساخنة، وأن الأولوية كانت «لذوي الشهداء» وللالتحاق بالزوج وتحقيق شرط النقل بمضي خمس سنوات على التعيين، أما من لم يحقق شروط النقل فقد حدد مركز عمله في محافظته، وأما المدرسون من أبناء المناطق الساخنة فحددت مراكز عملهم في مناطق أخرى، وبلغ عددهم نحو 6 آلاف مدرس ومدرسة.

وفي السياق ذاته، قال مدير تربية دمشق محمد مارديني، إن المديرية طبقت الدوام النصفي في عدد من المناطق الآمنة في المدينة، حيث حولت 120 مدرسة إلى الدوام النصفي، وذلك لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الطلاب.

وكانت «اليونيسيف» قد قدمت مساعدات للطلبة تتضمن مليون حقيبة مدرسية مع قرطاسية، وحصة مدينة دمشق منها 75 ألف حقيبة. وتأتي تلك المساعدات، من «اليونيسيف» والتسهيلات من قبل وزارة التربية بعد ضرورة التقيد باللباس المدرسي الموحد، لتخفيف الأعباء عن التلاميذ وأهاليهم، في ظل ارتفاع الأسعار على نحو مرعب وظرف اقتصادي بالغ السوء، وأوضاع أمنية متردية، حيث تتجاوز تكلفة اللباس واللوازم المدرسية للتلميذ الواحد عشرين ألف ليرة سورية، ما يعادل 100 دولار تقريبا، في الوقت الذي يبلغ فيه معدل الرواتب والأجور للفرد 200 دولار وما دون، بعد انخفاض قيمة الليرة.

ويقول عمار. م، أب لأربعة أولاد جميعهم في مرحلة التعليم الأساسي، ابتدائي وإعدادي، إنه لم يتمكن هذا العام من شراء بدلات مدرسية لأولاده، واكتفى بشراء أحذية مدرسية تكلفتها عشرة آلاف، ذات جودة متدنية، لن تصمد أكثر من شهرين. وبعدما حسب التكاليف كاملة لأربعة تلاميذ من قرطاسية وحقائب وملابس، فهو يحتاج لمائة وخمسين ألفا على أقل تقدير. وأشار إلى أنه اشترى للولد الأكبر قميصا وبنطلونا فقط، دفع ثمنها ستة آلاف ليرة.

أما ماريا، فلديها بنت وحيدة مسجلة في مدرسة خاصة بمنطقة هادئة نسبيا في دمشق، وبالإضافة لرسم التسجيل وهو خمسين ألف ليرة هناك اشتراك الحافلة، واللباس واللوازم الأخرى، وتبين معها أنها عليها دفع نحو مائتي ألف ليرة.

وتقول ماريا: «المشكلة أن البضائع المتوافرة في الأسواق ذات جودة منخفضة، وفي كثير من الأحيان نضطر إلى شراء حقائب وملابس وأحذية جديدة منتصف العام»، وتضيف بسخرية مريرة: «سابقا كنت أصرف مبالغ كبيرة على هدايا لابنتي من أدوات القرطاسية المميزة لتشجيعها على الدراسة، اليوم أبحث عن الأرخص والأقل جودة وتكلفة».

ويرجع باعة الألبسة والتجهيزات المدرسية ارتفاع الأسعار إلى ارتفاع تكاليف التصنيع، فقد وصل سعر متر القماش إلى 450 ليرة بعد أن كانت تكلفته 170 ليرة، وسعر السحاب النحاسي إلى 225 ليرة بعد أن كان سعره لا يتجاوز 55 ليرة. علاوة على ندرة الأيدي العاملة وارتفاع أجرها.

ويضاف إلى ذلك ارتفاع أجرة الشحن والتأمين على البضاعة المرسلة من وإلى المحافظات، خاصة في ظل الظروف الحالية وتوقف الكثير من ورشات الخياطة عن العمل. ويقول صاحب مخزن في الصالحية: «هذا أول موسم لا نعاني فيه الازدحام والاضطرار للاستعانة بموظفين موسميين، بالكاد نبيع ما لدينا ومعظمه من الموسم الماضي».