رحيل أسامة الباز.. عميد الدبلوماسية المصرية

ابتعد عن المسرح السياسي قبل 9 أعوام من تنحي مبارك

د. أسامة الباز
TT

غيب الموت في القاهرة، أمس، الدكتور أسامة الباز المستشار السياسي للرئيس الأسبق حسني مبارك، بعد رحلة عطاء خصبة امتدت على مدى نحو 82 عاما، وذلك إثر أزمة صحية ألمت به بعد صراع طويل مع المرض، حيث كان يرقد في العناية الفائقة بأحد مستشفيات العاصمة. وبرحيله تفقد مصر سياسيا من الطراز الرفيع، وشخصية عامة مميزة أثرت في الحياة السياسية في مصر على مدى عقود، شهد خلالها حروبا واتفاقات سلام ومتغيرات جذرية في منطقة الشرق الأوسط.

تخرج الباز في كلية الحقوق جامعة القاهرة، ونال دراساته العليا في القانون من جامعة هارفارد الأميركية عام 1961، وقبلها صعد سلم العمل السياسي من باب النائب العام، عام 1953، ثم انتقل إلى السلك الدبلوماسي في السبعينات من القرن الماضي حتى وصل إلى منصب وكيل أول وزارة الخارجية، وكان مديرا لمكتب إسماعيل فهمي وزير الخارجية، آنذاك، ثم منحه القدر فرصة العمل مديرا للمكتب السياسي لمبارك عندما كان نائبا لرئيس الدولة في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات، ثم أصبح المستشار السياسي لمبارك بعد توليه الحكم في مطلع ثمانينات القرن الماضي.

والباز كان أحد مستشاري مركز الدراسات الإسرائيلية والفلسطينية بمؤسسة «الأهرام»، ومديرا لمكتب الأمين الأول للجنة المركزية للشؤون الخارجية، ثم مقررا للجنة الشؤون الخارجية المنبثقة من اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي آنذاك، ومديرا للمعهد الدبلوماسي المصري، أحد مراكز الدبلوماسية العريقة في منطقة الشرق الأوسط.

وأطلق على الباز المولود في القاهرة عام 1931 لقب «خزانة أسرار السلطة» و«عميد الدبلوماسية المصرية»، بسبب قربه من دوائر صناعة القرار في مصر على مدى ثلاثة عهود مضت، وعمل كمستشار لمبارك، وكان بجواره طوال سنوات حكمه. وشارك في مفاوضات «كامب ديفيد» وصياغة معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، وتولى الملف الفلسطيني - الإسرائيلي لفترة طويلة، وهو أيضا شقيق فاروق الباز، عالم الجيولوجيا بوكالة الفضاء الأميركية «ناسا».

وشيعت جنازة أسامة الباز، أمس، من مسجد السيدة نفيسة (جنوب القاهرة) إلى مقابر أسرته بمدينة نصر (شرق العاصمة). وشارك في تشييع الجنازة عدد من الوزراء الحاليين والسابقين والشخصيات العامة، ونعته مؤسسة الرئاسة في مصر. ويرى مراقبون أن «أسامة الباز إحدى الشخصيات التي دار حولها انقسام في الشارع المصري بعد أن ابتعد عن المسرح السياسي قبل أعوام من رحيل مبارك».

واختار الباز طوعا الابتعاد عن المسرح السياسي قبل نحو 9 أعوام من تنحي مبارك عن سُدة الحكم في 10 فبراير (شباط) عام 2011، ولم يظهر بعد ذلك إلا نادرا في تصريحات مقتضبة. وربط محللون بين هذا الغياب وظهور الملامح الأولى لما كان يشاع عن مشروع توريث الحكم في عهد مبارك لنجله جمال، وهو ما أشار إليه الباز عام 2012، بقوله «لم أكن وراء ملف التوريث، بل هو من الأسباب الرئيسة في ابتعادي عن مؤسسة الرئاسة، ولا أنكر أنني كُلفت من قبل مبارك بتعليم نجله جمال مبارك السياسة، ولم أكن من الداعمين لتوليه رئاسة مصر».

«ليس غريبا أن تجد أسامة الباز وهو يمشي بجوارك في الشارع».. أو «يركب المواصلات العامة».. هكذا يقول منير سيد، أحد جيران الراحل، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «كان الباز يمشي وحيدا مستقلا المواصلات العامة ومن بينها مترو أنفاق القاهرة أثناء تحركه من منزله في حي المعادي (جنوب القاهرة) إلى مقر عمله بالقرب من ميدان التحرير (بوسط القاهرة).. كما أنه يفضل الجلوس على المقاهي وسط المصريين». ويعلق أسامة الباز على ذلك، بقوله إن «ذلك يرجع لحبي لأن أكون طول عمري موجود وسط الناس».

«الأولاد اللي عملوها جدعان.. وأنا شايف إنها هتنجح».. كلمات وصف بها أسامة الباز ثورة 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، وهي الثورة التي أطاحت بنظام مبارك، وقت نزوله للمشاركة في المظاهرات بميدان التحرير (مفجر الثورة)، ويرى أنها «نجحت إلى حد ما في تحقيق بعض أهدافها، رغم جميع التحفظات، التي يرددها البعض».

ومن أقوال الباز «من الأفضل أن تحكم البلاد شخصية مدنية، وهذا ليس موقفا ضد العسكر فهم مصريون وليسوا أجانب، إلا أن الأنسب هو شخصية مدنية قريبة من الشارع المصري بعكس الشخصية العسكرية التي قضت غالبية حياتها في نمط مغاير من الحياة».

وفي سنواته الأخيرة طلب سياسيون من أسامة الباز كتابة مذكراته وفتح قلبه عن الفترة التي خدم فيها بجوار مبارك، لكنه قال، وذلك قبل وفاته بعام «هناك أشياء كثيرة لا أحب أن أتحدث فيها الآن.. ولا بد أن يمر وقت كاف حتى تتضح الرؤية تماما.. فهناك أحداث كثيرة لم تكتمل بعد، وعندما تكتمل يكون لكل حادث حديث».

ونعت مؤسسة الرئاسة الراحل. وقال أحمد المسلماني، المستشار الإعلامي للرئيس المصري، إنه «شارك في تشييع جنازته كممثل عن الرئاسة». وأضاف المسلماني، أمس، أن «الباز عمل بإخلاص من أجل خدمة بلاده، وقدم نموذجا رفيعا بمستوى الكفاءة والوطنية لخدمة البلاد».

من جهته، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي، خلال مشاركته في تشييع جنازة الباز، إن «الراحل قدم للدبلوماسية المصرية الكثير في الفترة الماضية، وأدى دوره بكفاءة في خدمة الوطن طوال عمره».