تحالف ثلاثي أميركي ـ بريطاني ـ فرنسي لإصدار قرار دولي «قوي» ضد الأسد

لافروف يحذر من «عدم فهم» الأوروبيين لاتفاقه مع كيري .. واتفاق على اجتماع موسع في نيويورك بحضور المعارضة

TT

بعد التهميش الذي عانت منه بسبب غيابها عن مفاوضات جنيف الثنائية الأميركية - الروسية الأسبوع الماضي، عادت باريس إلى قلب الأزمة السورية من خلال استقبالها وزيري خارجية الولايات المتحدة جون كيري وبريطانيا ويليام هيغ ثم لاحقا وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو لتنسيق المواقف وتشكيل جبهة موحدة في مجلس الأمن الدولي.

ونشط وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس على أكثر من جبهة: فبعد زيارة سريعة أول من أمس إلى بكين للتشاور مع المسؤولين الصينيين يجري اليوم زيارة سريعة أخرى إلى موسكو للقاء نظيره سيرغي لافروف، فيما بدأت «المعركة الدبلوماسية»، على حد قول مصدر دبلوماسي فرنسي رسمي في مجلس الأمن على صياغة القرار الدولي الذي يفترض أن يتضمن تفاصيل اتفاق جنيف لنزع الترسانة الكيماوية السورية.

وأعلن فابيوس في المؤتمر الصحافي، الذي أعقب اجتماعا أول مع نظيريه كيري وهيغ وآخر سريع في قصر الإليزيه مع الرئيس هولاند، أن مجموعة «P3» التي تضم الدول الغربية الثلاث دائمة العضوية في مجلس الأمن التي ستتقدم سريعا بمسودة قرار إلى مجلس الأمن الدولي «تريد قرارا دوليا قويا ينص بالطبع على عواقب خطيرة إذا لم ينفذ»، من جانب النظام السوري. الأمر الذي وافقه عليه كيري وهيغ، بيد أن فابيوس كان الوحيد الذي استخدم صفة «خطيرة» إذ اكتفى كيري وهيغ بالحديث عن «نتائج». فالأول الذي تحدث مباشرة بعد فابيوس أشار إلى أنه «يتعين على العالم أن يكون جاهزا لاستخلاص النتائج»، إذا لم ينفذ السوريون التزاماتهم. كما قال إن الاتفاق المعروض على الرئيس السوري ليس بمثابة طوق نجاة وأن الأسد «فقد كل شرعيته»، وأضاف «إذا لم يلتزم الأسد في الوقت المحدد بشروط إطار العمل هذا فلتتأكدوا أننا كلنا متفقون ومن بيننا روسيا على ضرورة أن تكون هناك عواقب».

فيما أكد الثاني (هيغ) أنه «إذا لم يطبق الأسد الاتفاق بشأن السلاح الكيماوي، فستكون هناك نتائج». وأضاف لاحقا أنه «في حال فشلت الدبلوماسية، فإن الخيار العسكري ما زال موجودا على الطاولة».

وكان لافتا أن الرئيس هولاند تحدث مساء أول من أمس في حديث تلفزيوني عن «عقوبات» في حال فشل النظام السوري في الوفاء بالتزاماته وليس عن «عواقب». ولم يعرف ما إذا كان الاختلاف لغويا أم إن باريس عادت أمس لتبني موقف أكثر تشددا بالنظر لما تنتظره من تقرير المفتشين الدوليين عن استخدام النظام للسلاح الكيماوي على مستوى نطاق واسع صبيحة 21 أغسطس (آب) في الغوطتين الشرقية والغربية.

وتعتقد باريس أن مرحلة «النشوة» التي اعترت النظام السوري بعد المبادرة الدبلوماسية الروسية واعتبار أن النظام «نجا بجلده» قد «انتهت». وقال المصدر الفرنسي المشار إليه لـ«الشرق الأوسط» إنه إذا كان الرئيس السوري بشار الأسد ظن أنه «كسب المعركة» بسبب قبوله اتفاقية منع استخدام السلاح الكيماوي، وأنه قادر على الاستمرار «في المناورة والتأخير بالاستناد إلى دعم روسيا فإنه يرتكب خطأ كبيرا». وترى فرنسا أنها نجحت في إعادة الأمور إلى نصابها أي العودة إلى موقف متشدد إزاء سوريا وذلك عن طريق التمسك بأمور أربعة: الأول، إقامة جبهة غربية متماسكة تتشكل من البلدان الثلاث دائمة العضوية وتستند إلى دعم عربي خليجي وتحظى بمساندة أوروبية، أقله سياسيا، تؤيد أو تقبل «الخيار العسكري». والثاني، إعادة تأكيد الوقوف إلى جانب المعارضة السورية ممثلة بالائتلاف الوطني السوري وسيظهر هذا الأمر في اجتماع أصدقاء الشعب السوري في نيويورك الأسبوع القادم على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة وفق ما أعلنه الوزير الفرنسي. ويتمثل الأمر الثالث في إعادة التأكيد على رفض إفلات أركان النظام السوري من العقاب بسبب «الجريمة الكيماوية» التي ارتكبوها في ضواحي دمشق وضرورة محاسبتهم أمام العدالة الدولية.

وبحسب باريس، فإن التقرير المتوقع من المفتشين الدوليين إذا جاء «دامغا» فسيضع النظام السوري وحلفاءه في موقف «حرج» إذ سيصعب عليهم الاستمرار في الدفاع عن النظام ورفض مشروع قرار قوي بحقه.

وأخيرا، نجحت باريس في إعادة التركيز على أن المبتغى النهائي، رغم أهمية الملف الكيماوي يبقى وضع حد للحرب السورية عبر التوصل إلى حل سياسي يقوم على مبادئ «جنيف1» وأهمها إقامة سلطة انتقالية تعود إليها كل السلطات الحكومية والرئاسية بما فيها الإشراف على الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة ما يعني تجريد الأسد من أية سلطة.

وقال الوزير الفرنسي في المؤتمر الصحافي المشترك إنه «يتعين علينا أن نفهم النظام السوري ألا خيار أمامه سوى الجلوس إلى طاولة المفاوضات ونحن نعلم أنه من أجل التفاوض على حل سياسي يتعين أن نزيد دعمنا للائتلاف السوري المعارض». وأيد كيري هذا التوجه من غير الدخول في تفاصيل المساعدات والدعم الذي ستحصل عليه المعارضة. وكان هولاند أعلن أن بلاده تريد مساعدة «المعارضة الديمقراطية لأنه لا رغبة لديها في إحلال الجهاديين محل النظام الديكتاتوري». وتعي باريس (ومعها حلفاؤها) التي تعتقد أن ثمة إمكانية للتوصل إلى قرار في مجلس الأمن بنهاية الأسبوع الحالي بعد «مساومات مريرة» في مجلس الأمن بسبب رفض روسيا قرارا ينص على «تهديدات» بحق سوريا وفق ما جاء على لسان لافروف بعد وقت قصير للغاية من المؤتمر الصحافي للوزراء الثلاثة. وسبق أن رفض لافروف مسودة قرار فرنسية رفعت لبعض أعضاء المجلس الأسبوع الماضي لأنها تفتح الباب أمام أعمال عسكرية ضد سوريا. واعترض لافروف أمس على ما وصفه بدعوات أوروبية لصدور قرار سريع من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي قد يتضمن استخدام القوة، قائلا إن ذلك يوضح «عدم فهم» للاتفاق الأميركي الروسي بشأن الأسلحة الكيماوية السورية. وأضاف «شركاؤنا (الأوروبيون) يريدون مرة أخرى أن يراجعوا من جانبهم ما اتفقنا عليه مع الأميركيين. وهذه ليست الطريقة لأداء العمل، وأنا واثق من أنه رغم هذه التصريحات التي تأتي من عواصم أوروبية فإن الأميركيين سيتمسكون كمفاوضين بما جرى الاتفاق عليه»، في جنيف السبت الماضي. وتقول المصادر الفرنسية إن «موسكو تريد أن يعود مجلس الأمن للاجتماع لاتخاذ قرار جديد إذا تبين أن النظام السوري لم يحترم تعهداته التي سيتضمنها قرار مجلس الأمن الأول، ما يعني أن روسيا وربما الصين ستكون قادرة على تعطيل صدور القرار عن طريق اللجوء إلى حق النقض (الفيتو)».

وفي رأي باريس، فإن صيغة مشروع القرار الأول يمكن ألا، تشكل قاعدة لبلورة مشروع القرار الثلاثي الذي سيقدم سريعا جدا إلى مجلس الأمن. ويريد الغربيون إلزام دمشق ببرنامج دقيق للإعلان عما تمتلكه من سلاح كيماوي مع كل التفاصيل وكذلك توفير وصول المحققين الدوليين إلى كل المواقع دون أي عوائق واحترام مهل التخلص من هذه الترسانة في المواعيد المحددة. ولذا فإن المعركة في مجلس الأمن ستكون حامية ولا شيء يكفل أن ينجح المجلس في إصدار القرار الذي يريده الغربيون في المهل المحددة.