اتهمت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية جماعات إسلامية معارضة بـ«قتل 190 مدنيا وإعدام 67 منهم، واحتجاز 200 كرهائن لديها بريف اللاذقية، في أغسطس (آب) الماضي»، في حادثة وصفتها بأنها «جريمة ضد الإنسانية»، وتعهد «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» بمحاسبة المرتكبين على أفعالهم. في حين كثفت القوات النظامية السورية أمس قصفها على مناطق الغوطة الشرقية بريف دمشق، مستهدفة الأحياء القريبة من المساجد إثر خروج المصلين بعد صلاة الجمعة، واستولت على ضاحيتين جنوب العاصمة، بمساندة قوات من حزب الله وميليشيا عراقية.
وعرضت «هيومن رايتس ووتش» في تقرير صادر عنها أمس أدلة على «قتل مدنيين في الرابع من شهر أغسطس الفائت، وهو أول أيام العملية، التي شنتها جماعات المعارضة على قرى موالية للحكومة السورية». وأشارت إلى أن «جماعتين معارضتين شاركتا في العملية، هما (الدولة الإسلامية في العراق والشام) و(جيش المهاجرين والأنصار)»، لافتة إلى أن الجهتين «ما زالتا تحتجزان رهائن، الأغلبية العظمى منهم من النساء والأطفال». وعد جو ستورك، مدير «هيومن رايتس ووتش» بالوكالة لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه الانتهاكات.. عملية مخطط لها ضد مدنيين في هذه القرى العلوية»، واصفا إياها بـ«جرائم ضد الإنسانية».
وكانت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) قد أعلنت في شهر أغسطس الماضي، العثور على «مقبرة جماعية» بريف اللاذقية الشمالي، في منطقة كانت خاضعة لسيطرة مقاتلين معارضين، موضحة أن «أسباب الوفاة تعود لعمليات ذبح وإطلاق رصاص». كما بث التلفزيون الرسمي مقطع فيديو يظهر عناصر من الجيش وهم ينتشلون جثثا مدفونة، قال إنها تعود لمواطنين جرى تصفيتهم من قبل مجموعات معارضة مسلحة كانت تسيطر على تلك المنطقة بريف اللاذقية.
وعدت المنظمة أن «النتائج تشير بقوة إلى أن أعمال القتل واحتجاز الرهائن وغيرها من الانتهاكات ترقى لمصاف جرائم الحرب». ودعت إلى «توفير العدالة للضحايا»، مطالبة مجلس الأمن الدولي بـ«إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية فورا». وأفادت المنظمة بأن «ما لا يقل عن عشرين جماعة معارضة مسلحة شاركت في العملية التي دامت حتى 18 أغسطس الماضي»، مشيرة إلى أنه من «غير الواضح إن كانت جميع هذه الجماعات أو أغلبها قد وجدت في الرابع من أغسطس الذي شهد الأغلبية العظمى من الانتهاكات». كما أوضحت أن خمس جماعات تولت حشد التمويل والتنظيم والتنفيذ للهجمات، وكانت موجودة منذ بداية العملية وهي «أحرار الشام» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام» و«جبهة النصرة» و«جيش المهاجرين والأنصار» و«صقور العز». وتوصلت المنظمة إلى أن «قوات المعارضة قتلت بشكل غير مشروع ما لا يقل عن 67 شخصا من بين المدنيين الـ190 الذين تم التعرف عليهم ضمن القتلى».
في المقابل، أدان المتحدث باسم «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» خالد صالح جميع انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، متعهدا بمحاكمة «أي جماعة معارضة تخضع للائتلاف ارتكبت أعمالا مماثلة». وأشار إلى أن الائتلاف «ألزم نفسه في وقت سابق بتطبيق قواعد حقوق الإنسان على جميع الألوية التي تعمل معه»، مؤكدا أن «تحقيقات ومحاكمات عادلة ستطال كل المتورطين». وأكد أن «واقعة اللاذقية ليست استثناء وستلقى المعاملة نفسها التي طبقت على عمليات سابقة».
من جهته، نفى أبو محمد الحسيني، رئيس المكتب السياسي في جماعة «أحرار الشام» الإسلامية أن «يكون مقاتلو الجماعة قد قتلوا أي مدنيين في هجومهم على ريف اللاذقية»، مؤكدا في الوقت نفسه «ضرورة الدفاع عن النفس في حال تعرضت الجماعة لهجوم من خصومها».
من ناحيته، شكك عضو اتحاد تنسيقيات الثورة السورية في اللاذقية عمار الحسن بصحة هذه المعلومات، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المقاتلين الإسلاميين ارتكبوا بعض الأخطاء لكن ليس لدرجة قتل 67 شخصا». ولم ينف الحسن «وجود رهائن من أبناء الطائفة العلوية لدى بعض الكتائب الإسلامية»، معتبرا أن ذلك «دليل إضافي على عدم صحة تقرير المنظمة، فلو كان لدى المعارضة نية بقتل مدنيين موالين لقتلت الرهائن». وشدد على «معاملة الرهائن بشكل جيد، وهم سيعودون إلى ذويهم حين يوافق النظام على مبادلتهم بسجناء المعارضة الموجودين في زنازينه».
وكانت اشتباكات عنيفة قد دارت بين القوات النظامية وعناصر من المعارضة المسلحة في مناطق من ريف اللاذقية في شهر أغسطس الماضي، حين أعلنت المجموعات المعارضة سيطرتها على 11 قرية علوية ليعلن الجيش النظامي في التاسع عشر من الشهر ذاته استعادة تلك القرى.
في موازاة ذلك، أعلن ناشطون معارضون أن «القوات النظامية مدعومة بمقاتلين من لواء أبو الفضل العباس استعادت السيطرة على ضاحيتي الذيابية والحسينية بعد اقتحامهما، ما أسفر عن مقتل 70 شخصا على الأقل. وشهدت مناطق في العاصمة السورية دمشق أمس قصفا نظاميا عنيفا استهدف بلدة سقبا في الغوطة الشرقية. وأفاد ناشطون بأن القوات النظامية استخدمت راجمات الصواريخ، مستهدفة جامع الفردوس في البلدة ما أدى إلى مقتل خمسة أشخاص وجرح 15 آخرين.
وفرضت الدبابات النظامية حصارا على مدينة عربين مركزة قصفها على محيط مسجد عثمان بن عفان تزامنا مع سقوط عشرات الجرحى في بلدة كفربطنا نتيجة قصفها براجمات الصواريخ وقذائف الهاون، وسط انتشار حالة من الهلع بين المدنيين والتجائهم إلى الطوابق السفلية من الأبنية.
وفي الرقة، شرق سوريا، تعرضت منطقة الكراج لقصف بقذائف الهاون، ما أدى إلى مقتل خمسة مدنيين إضافة إلى أضرار مادية. وأشار ناشطون إلى أن مصدر القذائف هو الفرقة 17 التابعة للقوات النظامية. ويعتبر حي الكراج في الرقة من أكثر الأحياء اكتظاظا بالمدنيين.