لبنان: معارضو المفتي قباني يعيدون تحريك عريضة لعزله من منصبه

نائب رئيس المجلس الشرعي يؤكد أنه ما عاد بالإمكان السكوت وانتظار انتهاء ولايته

TT

استأنف المجلس الشرعي الأعلى في لبنان، المعارض لمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني، العمل باتجاه إعادة تحريك عريضة تهدف لعزل الأخير من منصبه، كان سبق أن وقعها 85 عضوا من أصل 104 من أعضاء المجلس. وتثير غالبية أعضاء المجلس ما تصفه بـ«مخالفات» ارتكبها قباني، علما بأن أسبابا سياسية ومذهبية متعلقة بـ«خصوصية» مقام المفتي أدت إلى تجميد العريضة في الأشهر الأخيرة.

على رأس الحملة المناوئة للمفتي رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة مدعوما من أبرز أعضاء المجلس القديم الممدد لنفسه، ويضم بالإضافة إلى السنيورة رؤساء الحكومات السابقين ويرأسه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في مواجهة «المجلس» الجديد، المدعوم من قباني، الذي اكتمل أعضاؤه بانتخابات الشمال التي أجريت نهاية الأسبوع الماضي.

هذه الانتخابات جاءت لتدق ناقوس الإنذار الأخير في أزمة دار الفتوى اللبنانية المتفاعلة منذ أشهر عدة، بينما أعلن قباني أنه سيدعو إلى عقد جلسة قريبة للمجلس من أجل انتخاب نائب الرئيس ولجان المجلس. وكانت هذه الانتخابات قد أنجزت بعد تأجيلها قبل أسبوعين، لتعذر توفر النصاب القانوني لها في الجلستين الأولى والثانية، بناء على قرار صادر عن قباني في 26 سبتمبر (أيلول) الماضي، أشار فيه إلى أنه في حال عدم توافر النصاب القانوني في الجلسة الثانية تدعى الهيئات الناخبة لدورة اقتراع ثالثة لنصاب يكون بمن حضر من أعضاء الهيئات الناخبة، وهذا أمر الذي وضعه نائب رئيس المجلس الشرعي الوزير السابق عمر مسقاوي، في «خانة التجاوزات القانونية التي لا يمكن بعد اليوم السكوت عنها».

وأوضح مسقاوي لـ«الشرق الأوسط» أنه «ما من مادة قانونية تنص على مبدأ (بمن حضر)، بل يجب أن تجرى الانتخابات بحضور ثلثي أعضاء الهيئة الناخبة في الجلسة الأولى، وإذا لم يتوفر العدد المطلوب في الأولى، تجرى في الثانية بـ(النصف زائدا واحدا)».

ومن جهته، لفت بسام برغوث - وهو أيضا من أعضاء المجلس الشرعي المعارض لقباني - إلى أن الانتخابات أجريت بحضور 13 عضوا فقط من الهيئة الناخبة، مشيرا إلى أن المباحثات بين رؤساء الحكومات والمجلس الشرعي مستمرة، وقد يتخذ قرار في هذا الشأن خلال الأيام القليلة المقبلة.

وشدد برغوث على أن «المجلس سيد نفسه ويحق له قانونيا الطلب من المفتي التنحي لكننا لا نريد أن نتخطى الرئيس ميقاتي»، وأردف: «كنا قد تركنا مجالا للمصالحة، لكن اليوم الأجواء غير مريحة أبدا وهناك استياء لدى كل الأوساط، وأصبحت كل الاحتمالات واردة».

تجدر الإشارة إلى أن انتخابات المجلس الشرعي (الموالي لقباني) في الشمال، يوم الأحد الماضي، أجريت في كلية الشريعة في طرابلس بسبب إقفال دائرة الأوقاف الإسلامية الواقعة في دار إفتاء طرابلس. وكانت الدائرة قد أقفلت منعا لإجراء الانتخابات بناء على قرار وقعه مسقاوي بصفته نائب رئيس المجلس الإسلامي الشرعي (الممددة ولايته) يطلب فيه من مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار منع إجراء الانتخابات في مقر دار الفتوى بطرابلس «باعتبارها باطلة».

ورأى مسقاوي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا يمكن الانتظار حتى نهاية ولاية المفتي بعد 11 شهرا»، مؤكدا أن «القانون هو الحل الوحيد». وأوضح أنه «في حالة مماثلة، يحق للمجلس الشرعي الاستناد إلى المادة 6 من المرسوم 18، وذلك بأن يطلب المجلس الشرعي من المفتي الاستقالة، وإذا رفض ذلك، فعندها يدعو المجلس الشرعي إلى اجتماع الهيئة الناخبة للتباحث في موضوع عزله. وإذا لقي موافقة 75 في المائة من أصوات أعضائها، أي 78 عضوا، فعندها يمكن اتخاذ قرار عزله». وأشار مسقاوي إلى أن هذه النسبة مؤمنة من خلال الموقعين على «عريضة العزل» التي سبق أن أعدت، من دون أن ينفي أن للواقع السياسي والطائفي دوره في اتخاذ هذا القرار.

وفي حين رفض مسقاوي استباق الأمور، وبالتالي توقع ما قد يصدر عن الاجتماع الطارئ الذي دعا إليه المجلس الشرعي الإسلامي السبت المقبل في طرابلس لبحث الأوضاع المستجدة في الإفتاء والمجلس الشرعي، ذكر أن «المباحثات مستمرة ولا نعرف ما قد يحدث يوم السبت»، مطالبا في الوقت عينه «رؤساء الحكومة بممارسة مهامهم والحضور». وأضاف أنه، من موقعه كنائب لرئيس المجلس الشرعي، بإمكانه طرح موضوع عزل المفتي على التصويت، في أي جلسة للمجلس الشرعي، إذا جرى التوافق على ذلك، وعمد من وقع على العريضة من الهيئة الناخبة إذا لم يتمكنوا من الحضور، إلى إرسال كتاب يؤيدون بموجبه الخطوة أو عدمها، لإضفاء الصفة القانونية على هذه الخطوة. وللبحث في هذه القضية، عقد اجتماع طارئ قبل أول من أمس بين مفتي طرابلس والشمال الشيخ الشعار ومسقاوي، في حضور المفتي السابق الشيخ طه الصابونجي.

ووصف مسقاوي انتخابات الشمال وما سبقها من تجاوزات بـ«الكارثة الكبرى»، وقال: «علينا أن نضعها أمام أعيننا وإيجاد حل نهائي وسريع لما يحصل، لأن هذا التمادي في الاستخفاف بالقوانين وبالأنظمة وبالتعالي عليها والتفرد في المسؤولية التي يتولاها وحده مفتي الجمهورية هو أمر، مع تقديرنا لهذا الموقع وحمايتنا له، هو مستنكر». واستطرد: «إننا انحدرنا إلى مستوى لم تصله مواقع هذه الطائفة على مدى تاريخها، وإجراء الانتخابات هو انتهاك صريح لهذا المرسوم ولكل القواعد والأنظمة التي يمكن أن تعتمد في مثل هذه الأحوال».

من جهة ثانية، أعرب المفتي الشعار عن أمله أن «تكون الفترة التي نمر بها سريعة وتذهب إلى غير رجعة، ويهمنا أن نفكر مع أصحاب السماحة وأصحاب الدولة وأصحاب المعالي بما ينبغي أن نتوصل إليه من حل لإعادة الأمور إلى نصابها حتى نحفظ لدار الفتوى دورها». وتابع: «ما حدث أمر مؤلم لكن لا يسعنا إلا أن نمتثل للقانون وأن نفكر جميعا بحركة واعية ورشيدة نسدد فيها الخطى ونختار فيها أفضل المواقف والحلول التي تحفظ للجميع كراماتهم، وخصوصا لدار الفتوى، آملا أن (يكون الحل قريبا)».