أبو مازن يتعهد بتحرير جميع الأسرى.. وإسرائيل ترد بتسريع الاستيطان

زغاريد وبكاء وشموع وحنة أعراس في استقبال دفعة منهم

الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال استقباله عددا من الأسرى أطلقتهم إسرائيل فجر أمس (أ.ف.ب)
TT

غطت الزغاريد والدموع على كل شيء آخر في مقر الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) في رام الله، فجر أمس، فيما كان 21 أسيرا فلسطينيا يدخلون المقر عند الساعة الثانية صباحا محمولين على الأكتاف، ويتنفسون هواء الحرية بعد نحو ربع قرن، داخل أربعة جدران محروسة بالجنود.

لم يكن الأسرى أنفسهم استوعبوا اللحظة، وراحوا يقبلون كل من في الطريق، أولئك الذين ما زالوا يتذكرونهم، أو الذين ولدوا بعد اعتقالهم بسنوات، قبل أن يعانقهم أبو مازن نفسه، ويقول لهم: «نبارك لكم ونحيي إخوتنا الأبطال القادمين من وراء القضبان إلى دنيا الحرية، نرحب ونهنئ أنفسنا ونهنئكم جميعا بهذه الفرحة العظيمة التي تلم الشمل وتعيد أبناءنا إلينا، ونؤكد أننا قلنا فليعودوا لبيوتهم وليس إلى مكان آخر».

كان هذا حلم الأسرى الأول، أن يعودوا إلى منازلهم، لكن قبل ذلك كان عليهم أيضا أن يعثروا على أحبائهم ويعانقوهم طويلا.

انتبه أبو مازن إلى لهفة الحاجة أمونة التي شاهدت ابنها عيسى عبد ربه على مقربة منها بعد 29 عاما على اعتقاله، فلم تتمالك نفسها بكاء ودعاء وهي تحاول الوصول إليه من بعيد، فأبلغ مرافقيه أن يأخذوا عيسى إلى والدته فورا، حتى قبل انتهاء المراسم، وبداية كلمته. بكت الحاجة أمونة طويلا وطمأنت ولدها إلى أنها ستعد له أول فطور مشترك منذ 30 عاما في بيتهما في مخيم الدهيشة.

في زاوية أخرى، بكت أم الأسير هزاع السعدي، وكانت تحمد الله تارة وتزغرد تارة، وهي تحتضن رأس ولدها، بقرب «الحنة» (الحنة المستخدمة في الأعراس) والشموع التي أحضرتها معها من مخيم جنين، وراحت تقول بأعلى الصوت: «صار إلي ابن يا ناس.. صار إلي ابن يا ناس». وأضافت: «راح أزوجه من نوارة (بنت جميلة)».

وفي مشهد ثالث عانق الأسير رزق صلاح من بلدة الخضر، ابنه الذي تركه بعمر الشهور وعاد إليه في سن الشباب، طويلا، وبكى كمن يشتاق إلى البكاء.

وفي هذه الأثناء، كان خمسة آخرون يدخلون إلى قطاع غزة وسط موج بشري هادر، فطغى العناق الحار على كل ما عداه.

وقال أبو مازن: «اليوم الفرحة الثانية وبعد شهرين الفرحة الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، حتى تبيض السجون ويعود أهلنا إلينا (..) لن تتم الفرحة إلا بإخراج الجميع من السجون». وأضاف: «ومن هنا أوجه ندائي إلى عميد الأسرى كريم يونس وأقول له الفرج قريب وآت آت إن شاء الله». وتابع: «نحن تعهدنا أننا سنستمر في جهودنا لإطلاق كل الأسرى مهما كانت مدتهم أو أطيافهم أو أماكنهم، شرط أن يعودوا إلى بيوتهم وليس إلى مكان آخر». وأردف: «لن أطيل لكن بعضا من غير الوطنيين، يشيعون أننا عقدنا هذه الصفقة مقابل عدم وقف الاستيطان، خسئوا، فالاستيطان باطل وباطل. قد توجه لنا انتقادات هنا وهناك، لن نسأل بها، عندنا أسير واحد أهم من كل التفاهات التي يطلقونها عبر الأقمار الاصطناعية».

أنهى أبو مازن خطابه، بينما بدأ عناق طويل ومستمر ولا ينتهي بين الأسرى وأحبائهم، وعلت الأغنية الفلسطينية المعروفة «طلعنا وقهرنا السجان».

استمر العناق حتى مطلع الفجر، فلم ينم الأسرى ومعهم المحتفلون الذين كانوا جميعا منتشين «بالنصر» على السجان، وإن جاء وسط العتمة، بعدما تعمدت إسرائيل الإفراج عنهم بعد منتصف الليل لحرمان الفلسطينيين من صورة «النصر».

لكن الاحتفالات لم تتوقف لحظة. وتحولت منازل الأسرى في الضفة الغربية وغزة إلى محج للمسؤولين والناس طيلة أمس، ويتوقع أن يستمر ذلك لعدة أيام. كان الأسرى يستعيدون الذاكرة ويتعرفون إلى الوجوه ويجربون الحياة الطبيعية بعد كل هذه السنين.

ولم تنتظر إسرائيل طويلا، فبعد أن أطلقت سراح الأسرى ليلا، أخذت قرار الاستيطان في النهار، فأقر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بناء وحدات استيطانية جديدة بعد ساعات فقط من إطلاقهم.

وقالت وزارة الداخلية الإسرائيلية إن 1500 وحدة سكنية ستقام في «رامات شلومو» في القدس الشرقية. وكان هذا المخطط أثار أزمة قبل 3 سنوات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فجمدته تل أبيب، وعادت لتدفع به الآن.

واتفق نتنياهو ووزير الداخلية غدعون ساعر، على تسريع تنفيذ خطط البناء في «رامات شلومو»، وإقامة حديقة توراتية في القدس ومناطق استجمام ومسارات، فيما قررت «الإدارة المدنية» الإسرائيلية تسريع مخططات بناء 582 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنات الضفة الغربية.

ويضم المخطط الاستيطاني الجديد 160 وحدة استيطانية في مستوطنة «يكير» (شمال غربي سلفيت) و296 وحدة استيطانية أخرى في مستوطنة «بيت إيل» (شرق مدينة رام الله)، و96 وحدة استيطانية في مستوطنة «ألموغ» القريبة من البحر الميت.

وكان مسؤولون إسرائيليون قالوا إنه سيعلن عن مشروعات سكنية هذا الأسبوع في مستوطنات تعتزم إسرائيل الاحتفاظ بها في أي اتفاق للسلام، وذلك في محاولة لإرضاء اليمين في الائتلاف الحاكم الذين عبروا عن الغضب والرفض لإطلاق سراح 26 أسيرا فلسطينيا.

وقالت حركة «السلام الآن» الإسرائيلية المناوئة للاستيطان، إن تسريع هذه المشاريع يأتي «لتوضيح موقف رئيس الوزراء نتنياهو بأنه يتجه نحو المناطق (الضفة الغربية) وليس الخروج منها، الحكومة الإسرائيلية ليست معنية بشكل حقيقي في السلام».

ودان المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة قرار الحكومة الإسرائيلية بناء مئات الوحدات السكنية الجديدة في بعض الأحياء في شرق وشمال القدس. وقال في تصريح صحافي: «إن هذه السياسة الإسرائيلية مدمرة لعملية السلام، وهي رسالة للمجتمع الدولي مفادها أن إسرائيل دولة لا تلتزم بالقانون الدولي، وتواصل وضع العراقيل أمام عملية السلام». وأضاف «أن القرار الإسرائيلي يدفع الجانب الفلسطيني والعربي إلى فقدان الثقة بقدرة هذه الحكومة على صنع السلام».