النظام الداخلي لمجلس النواب المغربي يؤجج الخلاف بين البرلمان و«الدستوري»

أمين «التقدم والاشتراكية»: الائتلاف الحكومي لم يضع بصمته السياسية على الموازنة

فريق التقدم الديمقراطي في مجلس النواب المغربي خلال اليوم الدراسي حول موازنة 2014 أول من أمس (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

أدت جلسة التصويت على النظام الداخلي لمجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى) التي عقدت مساء أول من أمس إلى تأجيج الخلاف بين مجلس النواب والمجلس الدستوري (المحكمة الدستورية) بعد رفض هذا الأخير 42 مادة من النظام الداخلي بدعوى عدم دستوريتها.

واضطر النواب على مضض إلى الاستجابة لكل الملاحظات التي أثارها قضاة المجلس الدستوري بالنظر لإلزاميتها وغير قابليتها لأي نوع من أنواع الطعن، بيد أن موافقة مجلس النواب لم تخلُ من توجيه أعضائه لرسائل نقد لعمل المجلس الدستوري، متهمين إياه بعدم التأقلم مع المساحات الديمقراطية التي يضمنها دستور 2011.

وانتفض عبد اللطيف وهبي، رئيس الفريق النيابي للأصالة والمعاصرة المعارض، في وجه قرارات المجلس الدستوري، متهما إياه بإصدار قرارات دستورية تتماشى مع دستور 1996 وليس دستور 2011، وهو ما يعني عدم تأقلمه مع الوثيقة الجديدة. ووصف وهبي قرارات المجلس الدستوري بالمتناقضة، موضحا أنه أصدر قرارا سنة 2011 حول اللائحة الوطنية للنساء التي عد أنها تدخل ضمن التدابير المناسبة لمشاركة النساء في العمل الديمقراطي ومن القيم التي يبنى عليها الدستور. في المقابل رفضت الهيئة ذاتها في قرارها بمناسبة النظر في دستورية النظام الداخلي منح مجلس النواب 30 في المائة من مناصب المسؤولية للمرأة داخل البرلمان، وهو ما عُدَّ، حسب وهبي، تناقضا صارخا في الموضوع نفسه.

وعبر النائب حسن طارق (الاتحاد الاشتراكي المعارض) عن المنحى نفسه من المجلس الدستوري، وقال إن قرارات المجلس تبقى في العمق محافظة وغير قادرة على تمثل روح الطفرة التي عرفها البرلمان على ضوء دستور 2011.

وأبدى طارق استغرابه الشديد حول دافع توجه المجلس الدستوري للتضييق على الصلاحيات الرقابية لمجلس النواب.

ولم تقتصر حالة انعدام الرضا عن قرارات المجلس الدستوري على قادة الكتل البرلمانية للمعارضة، فقد اتسعت دائرة الغاضبين على المجلس الذي يختص برقابة دستورية القوانين لتصل إلى كتل الأغلبية.

وشن محمد حنين، رئيس لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، بدوره، هجوما على تأويلات المجلس الدستوري لمقتضيات دستور 2011 في علاقتها بالنظام الداخلي، وقال: «لا بد من تسجيل اختلافنا مع عدد من الملاحظات التي تتعلق بالمناصفة واستقلالية المؤسسة البرلمانية عن المؤسسات الدستورية الأخرى والرقابة المالية للبرلمان على الحكومة». وأبرز حنين أن المجلس الدستوري خلال ملاحظاته على بنود النظام الداخلي لمجلس النواب اكتفى باتباع تأويل متقادم وبعيد عن التأويلات الديمقراطية للدستور.

في غضون ذلك، وافق مجلس النواب بالإجماع مساء أول من أمس على المواد التي أرجعها المجلس الدستوري للبرلمان للتدقيق فيها من الناحية الدستورية.

ويراهن المتتبعون للعمل التشريعي بشكل كبير على النظام الداخلي، وخصوصا في الجزء السادس منه التي تتضمن مدونة (قانون) للأخلاقيات للجم بعض السلوكيات المسيئة للمؤسسة البرلمانية، وهي الاختلالات التي ساهمت في تشكيل صورة نمطية سلبية عنها وعن البرلمانيين.

وحسب المقتضيات الواردة في المدونة فإنها تتضمن أربعة مبادئ أخلاقية تؤطر ممارسة البرلمانيين ومهامهم النيابية، أولها إيثار الصالح العام على كل مصلحة فئوية أو خاصة، وتجنب تضارب المصالح مع المهام النيابي،ة وثانيهما الاستقلالية والابتعاد عن شبهة تبعية النائب لأي شخص ذاتي أو اعتباري أو أي التزام مالي لأفراد أو منظمات قد تؤثر على أداء واجباتهم النيابية، أما ثالث المبادئ فهي المسؤولية والالتزام، التي تعني تحمل البرلمانيين لمسؤولياتهم كاملة عن قراراتهم تجاه المواطنات والمواطنين، وأخيرا الأمانة والاستقامة التي تدل وفق مدونة السلوك على صيانة ممثلي الأمة لثقة ممثليهم، بما في ذلك تجنب النائبات والنواب استعمال ألفاظ أو عبارات تنطوي على التهديد أو الترهيب أو الاستفزاز أو الشتم.

على صعيد آخر، خرج أول سهام النقد لموازنة 2014 من قوس أحد أحزاب التحالف الحكومي قبل أن تبدأ المعارضة معركتها السياسية ضد مشروع الموازنة التي انطلقت منذ أمس. وانتقد نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية المشارك في الحكومة، التوجهات التقشفية لموازنة 2014، معلنا أول من أمس خلال يوم دراسي بمجلس النواب «أن إجراءات التقشف لا تعطي انطلاقة جديدة للاقتصاد الوطني، لأنه يمكن توظيفها في تدبير التوازنات المالية، لكنها لا تعطي انطلاقة جديدة للاقتصاد»، وهو ما عد من طرف المراقبين محاولة من حليف عبد الإله ابن كيران للاحتفاظ ببعض هوامش المناورة لإدخال تعديلات قبل التصويت عليه، داعيا كتلته النيابية إلى إجراء تمحيص نقدي لمشروع الموازنة، وإضفاء النبرة «التقدمية» عليها.

وواصل بن عبد الله انتقاده الناعم للموازنة، معلنا أن التوجهات العامة لمشروع موازنة 2014 التي جرت المصادقة عليها في المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك محمد السادس، لم تحظ بلمسة سياسية، مؤكدا أن هذه التوجهات لم تناقش داخل آليات الأغلبية الحكومية للتأشير السياسي عليها، وقال: «لم تتح لنا في الأغلبية مناقشة المشروع في توجهاته السياسية المؤطرة»، مشيرا إلى أن «إعداد مشروع الموازنة غلب عليه الطابع الإداري والتقني ولم نتمكن من الاهتمام به».

وعزا بن عبد الله الذي يشغل حقيبة وزارة السكنى وسياسة المدينة غياب اللمسة السياسية عن قانون الموازنة إلى الظروف السياسية الصعبة والمعقدة، في إشارة إلى تزامنه مع مشاورات تشكيل النسخة الثانية من حكومة ابن كيران التي استغرقت ثلاثة أشهر.

وشدد بن عبد الله على ضرورة إجراء تهذيب على مقتضيات الموازنة، معلنا أن حزبه داخل الغرفة الأولى سيقدم تعديلات جوهرية تشمل العديد من مواد المشروع التي يتحفظ عليها، ومشيرا إلى أن وجود حزبه ضمن مكونات الأغلبية لا يمنع «من أن تكون هناك لمسات على القانون، وهو ما سنسعى إليه»، مضيفا: «لسنا في ثكنة عسكرية داخل الأغلبية، حتى ننضبط لجميع القرارات، لدينا حرية لإبداء الرأي، وسنقوم بالإجراءات اللازمة لتعديل الموازنة».

ويبدو أن الإجراءات الضريبية التي تضمنتها الموازنة لا تحظى بقبول حزب التقدم والاشتراكية، حيث عد بن عبد الله أن التدابير التي حملها القانون المالي (الموازنة) في المجال الضريبي «لا تشفي الغليل».

واعترف بن عبد الله بوجود صعوبات سياسية تحول دون القيام بإصلاحات جوهرية لصندوق المقاصة (صندوق دعم المواد الأساسية) وصناديق التقاعد، التي يهدد بقاؤها دون إصلاح انهيار النسيج الاجتماعي التي تسهر هذه المؤسسات على ضمان توازنه.

في غضون ذلك، أكد بن عبد الله على ضرورة تجنب دفع الفئات الفقيرة لفاتورة أعباء الإصلاحات، معلنا ضرورة إضفاء مزيد من الحيوية على مستوى معيشة المواطنين، والحفاظ على القدرة الشرائية للطبقات المعوزة.