وزير خارجية المغرب: سننهج لغة الصرامة والحزم تجاه المس بوحدة تراب بلادنا

الجزائر تتهم الرباط بـوضع العلاقات الثنائية في حالة انسداد

وزير الخارجية الجزائري رمضان لعمامرة أثناء مؤتمر صحافي له في العاصمة أمس (رويترز)
TT

تزايدت وتيرة التراشق الكلامي بين المسؤولين المغاربة والجزائريين جراء نزاع الصحراء الذي طال أمده. فبينما أعلن صلاح الدين مزوار، وزير الخارجية المغربي أن الرباط ستنهج لغة الصرامة والحزم تجاه أي مس بالقضايا الأساسية للمغرب، قال رمضان لعمامرة، وزير الخارجية، إن بلده «له كل الحق في أن يشك بأن حادثة تدنيس العلم الجزائري مفتعلة من طرف السلطات المغربية».

وأوضح مزوار، الذي كان يتحدث الليلة قبل الماضية في لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين بالخارج في مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) خصص لمناقشة الموازنة الفرعية لوزارته للعام المقبل، أنه قرأ في خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 38 للمسيرة الخضراء تحولا جديدا في السياسة الخارجية المتعلقة بالوحدة الترابية، معدا الخطاب الملكي تعبيرا عن توجه جديد للدبلوماسية المغربية يطبعها الحزم والصرامة في قضية الوحدة الترابية.

وأبرز مزوار أن «الجميع اعتاد من المغرب التعامل بلطف وهدوء»، لكن «كان يفهم لدى الخصوم على أنه ضعف من بلدنا»، مشددا على القول: «لن نسمح بعد اليوم بالسب والهجوم علينا وسنرفع من اللهجة حينما تتطلب الأحداث ذلك».

في غضون ذلك، اتهم وزير الخارجية المغربي السلطات الجزائرية بتطويق المحتجزين (اللاجئين) في مخيمات تندوف «واستغلالهم في الاتجار بأحاسيسهم ومشاعرهم»، مضيفا أنه لوترك لهم «الخيار لقرروا جميعا العودة إلى المغرب». وأبرز مزوار أن المحتجزين في مخيمات تندوف الموجودة على الأراضي الجزائرية «أدركوا أنهم كانوا ضحايا نصب وتلاعب من قبل خصوم المغرب وحصلوا على المساعدات والأموال باسمهم من دون أن يصلهم منها شيئا».

واتهم مزوار الجزائر بتسخير الآلة الدعائية ودبلوماسية المصالح لتقويض جهود المغرب وتركيعه، معدا أن «حكام الجزائر يتصرفون بعقلية الخمسينات والستينات»، مؤكدا «أن نفس الجيل ما زال يتحكم في مصير هذا البلد الشقيق».

وأعلن مزوار أن المغرب سيواجه دبلوماسية «المصالح والدعاية والمناورة» التي تقودها الجزائر بتسويق النموذج المغربي في الإصلاحات السياسية والإجماع الوطني، مبرزا أن استثناءات المغربي يتجسد في وحدة الثوابت التي تشكل مناعة للمغرب وهي الضامن لاستقراره.

ورفض مزوار الكشف عن الخطوط العريضة للدبلوماسية المغربية في حلتها الجديدة، وخصوصا فيما يتعلق بقضية الصحراء والتي تتزامن مع تصاعد التوتر بين الرباط والجزائر، وقال: «لا أحد يبيع استراتيجيته للخصم»، معلنا عن «اتخاذ تدابير جديدة لتنشيط الدبلوماسية الرسمية والموازية خلال الأيام المقبلة».

وفي ما يتعلق بالعلاقة مع دول الخليج، قال مزوار إنها توجد على رأس الأولويات الدبلوماسية في حلتها الجديدة، واصفا العلاقات التي تجمع المغرب بدول الخليج بـ«السليمة والصحيحة والمتميزة»، لكنها «تتطلب الرفع من وتيرتها»، موضحا أن دول الخليج هي «الفضاء الذي لا يواجه فيه المغرب عراقيل اقتصادية أو سياسية أو دبلوماسية».

ونوه مزوار بدعم مجلس التعاون الخليجي للمغرب بخمسة مليارات دولار، مضيفا أن هذه الشراكة ينبغي أن تتكثف لتمس «جيلا جديدا من الاستثمارات على مستوى البنى التحتية».

في غضون ذلك، قدم وزير الخارجية المغربي تفسيرات رسمية حول تأجيل زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري للمغرب التي كانت مقررة اليوم. وأوضح مزوار أن أجندة كيري تعرضت لبعض التعديلات المفاجئة بسبب اجتماع جنيف حول الملف النووي الإيراني، موضحا أن الرئيس الأميركي أوباما طلب من كيري الانتقال إلى العاصمة السويسرية لحضور اجتماع الذي جمع إيران ومجموعة (5+1)، التي تضم الأعضاء الخمسة دائمي العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا.

وقال مزوار إن كيري أخبره بأنه سينتقل بعد الاجتماع إلى البيت الأبيض لمقابلة الرئيس الأميركي لإطلاعه على آخر تطورات الملف النووي الإيراني.

وبخصوص موعد زيارة وزير الخارجية الأميركي للمغرب، قال مزوار إنها ستجري بعد زيارة الملك محمد السادس لواشنطن يوم 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، موضحا أن لقاءه بكيري سيجري في إطار استكمال جولات الحوار الاستراتيجي بين الرباط وواشنطن.

وفي الجزائر، قال رمضان لعمامرة، وزير الخارجية، إن بلده «له كل الحق في أن يشك بأن حادثة تدنيس العلم الجزائري مفتعلة من طرف السلطات المغربية»، في إشارة إلى إنزال علم الجزائر من مبنى قنصليتها بالدار البيضاء قبل 11 يوما. وجرى ذلك في سياق تراشق حاد بين مسؤولي البلدين على خلفية خلافهما التاريخي حول نزاع الصحراء.

وقال لعمامرة أمس في مؤتمر صحافي بالعاصمة، عقده مع وزير الإعلام عبد القادر مساهل، إن السلطات المغربية «كانت تعرف ماذا تفعل جيدا»، وفهم من كلامه أن الرباط هي من دفعت شبابا إلى تنظيم مظاهرة أمام القنصلية الجزائرية بالدار البيضاء، التي انتهت بإنزال العلم من المبنى. وذكر لعمامرة، أن «العمل لم يكن معزولا والصور التي درسناها تؤكد ذلك»، مشيرا إلى أن الجزائر طلبت من المغرب رسميا إشراك فريق من المختصين الجزائريين، في التحقيق الذي أعلن عنه لتحديد المسؤولين عن الحادثة، التي وقعت في 1 نوفمبر الحالي، الذي يصادف ذكرى انطلاق ثورة الاستقلال (1954 - 1962). وقد كان لذلك «أثر عميق في نفوس الجزائريين»، بحسب لعمامرة الذي قال: «هذه القضية مرتبطة بالعلاقات الثنائية التي تحكمها اتفاقات وأعراف دبلوماسية، فإذا جرى تجاوزها نصبح أمام انهيار أخلاقي».

وأفاد لعمامرة بأن الجزائر «تفصل بين حادثة تدنيس العلم وقضية الصحراء. الأولى تتعلق بالعلاقات الثنائية والقانون الدولي والحصانة الدبلوماسية للدول، وكل المجموعة الدولية معنية بذلك لأن المغرب انتهك الحصانة والأخطر من ذلك أن الحادثة وقعت في أول نوفمبر». وأضاف: «أما الثانية فهي متصلة بنزاع له مسار معروف هو الأمم المتحدة».

وعاد لعمامرة إلى خلفية الأزمة المتجددة بين أكبر جارين بالمنطقة المغاربية، وهو خطاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (قرأه وزير العدل) في نيجيريا الشهر الماضي، الذي طالب فيه بـ«إنشاء آلية لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية». ورد المغرب على الخطاب، باستدعاء سفيره لدى الجزائر للتشاور، وهي خطوة وصفتها الجزائر بـ«العمل العدائي». وقال لعمامرة بهذا الخصوص: «عندما تحدثنا عن مراقبة حقوق الإنسان، لم نفعل سوى ترديد ما يكتبه أمين عام الأمم المتحدة في تقاريره (حول نزاع الصحراء) لمجلس الأمن». واتهم الوزير الرباط بـ«وضع العلاقات الثنائية في حالة انسداد بسبب هذه التصرفات».

وقال وزير الإعلام مساهل، بشأن الأزمة مع المغرب، التي طغت على المؤتمر الصحافي، إن الجزائر «تنظر إلى النزاع على أنه متصل بحق الصحراويين في تقرير مصيرهم، ومرتبط أيضا باحترام حقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية».

وكان الملك محمد السادس قد أعلن في خطاب ألقاه قبل أيام بمناسبة الذكرى الثامنة والثلاثين للمسيرة الخضراء، أن المغرب يرفض أن يتلقى الدروس في مجال حقوق الإنسان، خاصة من طرف من ينتهكونها بطريقة ممنهجة. وزاد العاهل المغربي قائلا: «من يرد المزايدة على المغرب، فعليه أن يهبط إلى تندوف (جنوب غربي الجزائر)، ويتابع ما تشهده عدد من المناطق المجاورة من خروقات لأبسط حقوق الإنسان».