أدى الأمير تركي بن عبد الله بن عبد العزيز، نائب أمير منطقة الرياض، بجامع الملك خالد، عقب صلاة عصر أمس الأحد، صلاة الميت على وزير التربية والتعليم «الأسبق» الدكتور محمد بن أحمد الرشيد، وتقدم المصلين الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام السعودية رئيس هيئة كبار العلماء رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، كما أدى الصلاة عليه الأمير سعود بن عبد الله بن ثنيان، رئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع، والأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز مساعد وزير البترول والثروة المعدنية لشؤون البترول، والأمير عبد الرحمن بن عبد الله بن فيصل محافظ المجمعة.
وعرّف الدكتور محمد بن أحمد الرشيد، الوزير الأسبق لوزارة التربية والتعليم السعودية (وزارة المعارف سابقا)، عصاميته التي بنى بها صاحب المثل سؤدده، فقال حين سئل: «نفس عصام سوّدت عصاما وعلمته الكرّ والإقداما وصيرته بطلا هماما».
لم يولد الرشيد وفي يده ملعقة من ذهب حتى يتسلم الوزارة على طبق من ذهب أيضا، فقد عمل فراشا وطباخا ومأذون أنكحة، قبل أن يتسلم الكثير من المناصب الحكومية والأكاديمية.
وأخذ الرشيد على عاتقه حينما تسلم «وزارة المعارف»، محاولة أن يكون عهده بالوزارة نوعا من التحول وإحداث شيء من النقلة، حيث عرف في عهده دمج الرئاسة العامة لتعليم البنات بالوزارة تحت مسمى «وزارة التربية والتعليم» الذي يعرف بها حاليا.
وعندما ترجل الرشيد عن كرسي الوزارة الذي جلس فيه في الفترة من العام 1996 وحتى 2005. وجد نفسه في عالم الكتابة يستأنس بما يجود به مداد قلمه حينا وفي مواقع التواصل الاجتماعي حينا آخر، حيث غرد قبل 12 ساعة من مغادرته الدنيا، وبث خلال تغريدته رسالة تذمّ البخل والشح.
ولد الوزير الأسبق في محافظة المجمعة التي تبعد عن شمال العاصمة السعودية 180 كلم، وذلك في عام 1944، حيث يعتبر من أوائل السعوديين الذين سلكوا طريق التعليم في الخارج، حصل بعدها على شهادة الماجستير من جامعة إنديانا بالولايات المتحدة الأميركية عام 1969. ومن ثم حصل على درجة الدكتوراه في إدارة التعليم العالي من جامعة أوكلاهوما بالولايات المتحدة الأميركية عام 1972.
وبعد أن نال قسطا وافرا من التعليم عمل أستاذا وعميد كلية التربية بجامعة الملك سعود، ثم مدير عام مكتب التربية العربي لدول الخليج من عام 1979 وحتى 1988، كما كان المسؤول عن إنشاء جامعة الخليج العربي بالبحرين ونائب رئيس الهيئة التأسيسية لها في الفترة ذاتها، قبل أن يعمل رئيسا للجنة تقديم التعليم في دولة قطر من عام 1990 وحتى نهاية 1992.
كذلك عمل الراحل، نائبا لرئيس الهيئة التأسيسية لجامعة الخليج العربي وعضو لجنة التخطيط الشامل للثقافة العربية، ثم عضو المجلس التنفيذي للمجلس العالمي لإعداد المعلمين في الولايات المتحدة الأميركية، فيما اشتغل رئيسا لمجلس إدارة مدارس الرياض الأهلية وعضو المجلس لفترات متعددة كان آخرها عام 1987.
كما كان عضوا لمجلس الخدمة المدنية في السعودية الذي يرأسه خادم الحرمين الشريفين منذ عام 1992. ومن ثم عضوا لمجلس إدارة مدارس الملك فيصل - الرياض، قبل أن يتم اختياره عضوا لمجلس الشورى السعودي عام 1994. وعضو لجنة الشؤون التعليمية والثقافية والإعلامية.
ومع كل ذلك لم يردف لقب دكتور مع اسمه في غلاف كتابه الذي تناول فيه سيرته الذاتية، إيمانا منه بأن هذا اللقب لا يضيف شيئا لصاحبه إذ لم تكن نفسه كبيرة يتعب في مرادها الآخرون، وهو لا يستنكف أن يتحدث فيه عن أنه في عمر السابعة كان يرعى غنم أبيه.
أرّخ في هذا الكتاب لأسلوب الحياة على أيامه في مختلف مراحل عمره، حيث يقول: «أستقبل مع والدي الزوار المعتادين، وبعد صلاة العشاء يأوي كُلٌّ إلى فراشه، فإن كان الفصل شتاء ففي الغرف، وإن كان صيفا نمنا على أسطح المنازل، وليس لأحد من الأولاد، سواء الذكور أم الإناث، غرفة خاصة، بل إن الغرفة كانت تزدحم بالفرش».
وقال أيضا: «كانت (كهرباؤنا) هي السُّرُجُ، ووقودها الجازولين (المازوت)، ومطابخنا توقد من الحطب، وماؤنا نمتحه من الآبار الجوفية بالدلو، ومعظمنا ينقله من البئر - التي عادة ما تكون قرب المسجد - بقدور من النحاس كبيرة، نحملها فوق رؤوسنا، ونضع قماشا ملفوفا ليحمي الرؤوس من ضغط الإناء الصلب».
وبعد هذه الرحلة الحافلة بالعصامية والإنجازات، لم يكن يدري الرشيد الوزير الأسبق، أنه سوف يغادر الدنيا إثر أزمة قلبية حادة، بعد سويعات من تغريدته التي أطلقها على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، وتناقلها نشطاء الموقع في حينها، تحدث فيها عن الموت والميراث.
وكانت آخر تغريدات الراحل الذي وافته المنية مساء السبت الماضي عن عمر يناهز 69 عاما تقول: «يا لحماقة بعض الموسرين، يقتر على نفسه في الدنيا ليثري وريثه من بعده، ولو أنه سأل وريثه يوم القيامة حسنة واحدة لرفض الوريث طلبه».