سبعة قتلى و23 جريحا حصيلة اندلاع جولة القتال الـ18 في طرابلس

الجيش اللبناني يتدخل.. وميقاتي يمنح القوى الأمنية غطاء للقيام بدورها

صبي لبناني يركض مسرعا لتفادي القناصة بينما تحذر لافتة كبيرة من نيرانهم في طرابلس أمس (رويترز)
TT

عادت مدينة طرابلس في شمال لبنان إلى واجهة الأحداث في لبنان أمس، مع اندلاع جولة جديدة من الاشتباكات بين منطقتي جبل محسن، ذات الغالبية العلوية، وباب التبانة ذات الغالبية السنية، أودت بحياة سبعة قتلى وأدت لإصابة 23 شخصا في محصلة أولية مساء أمس.

وتأتي جولة الاشتباكات هذه، وهي الجولة القتالية الثامنة عشرة بين المنطقتين المنكوبتين منذ عام 2008، بعد أقل من عشرين يوما على توقف جولة الاشتباكات الأخيرة بين الطرفين، علما أن حوادث فردية تكررت خلال الأسبوعين الأخيرين، تخللها إطلاق النار من قبل مجهولين على عمال علويين في المدينة.

واندلعت الاشتباكات أمس بعد إطلاق «عناصر مسلحة في حي المنكوبين في طرابلس، النار باتجاه أحد مواطني محلة جبل محسن وإصابته بجروح»، وفق ما أعلنته قيادة الجيش اللبناني في بيان صادر عنها أمس. وأصيب وسيم الخطيب، وهو علوي من سكان جبل محسن، يعمل كبائع متجول، في رجليه بعد إطلاق النار عليه في منطقة البداوي - المنكوبين أثناء توجهه إلى عمله في عكار.

وكان سكان من منطقة جبل محسن، تعرضوا منذ توقف الاشتباكات السابقة في العاشر من الشهر الماضي (نوفمبر/تشرين الثاني) لاعتداءات متكررة أثناء توجههم إلى أعمالهم، ومرورهم في شوارع طرابلس. وتكررت حوادث إطلاق النار عليهم وتصويرهم ونشر صورهم وهم مصابون على مواقع التواصل الاجتماعي، ما أثار احتقانا شديدا في جبل محسن. وتخطى عدد الذين استهدفوا وهم عزل أثناء تجوالهم في المدينة ما يزيد على عشرين شخصا، حتى يوم أمس. وهدد «الحزب العربي الديمقراطي» في جبل محسن تكرارا بأن الصبر بدأ ينفد إلى أن جاءت حادثة أمس، لتكون النقطة التي يطفح بها الكيل.

وذكرت قيادة الجيش اللبناني أنه بعد إطلاق النار على الخطيب «شهدت منطقة جبل محسن - التبانة عمليات قنص، كما تعرض عدد من مراكز الجيش لإطلاق النار». وردت وحدات الجيش على مصادر إطلاق النار، كما أوقفت أحد الأشخاص المشتبه فيهم بالاعتداء على الخطيب، «معززة من وجودها وإجراءاتها الأمنية وملاحقة المسلحين، لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه».

واشتعلت الاشتباكات، على مختلف المحاور، ورد الجيش على الطرفين بالمضادات محاولا ردع المعتدين، فيما تعرض عناصره لإطلاق نار متكرر، ما أوقع ستة عسكريين جرحى بينهم ضابط برتبة ملازم، بجروح مختلفة، وأحدهم حالته حرجه، بحسب ما أعلنته قيادة الجيش بعد ظهر أمس، نتيجة استهداف مراكز عسكرية. واشتدت عمليات القنص التي حصدت عددا من المدنيين، إذ سجل سقوط سبعة قتلى وما يزيد على 23 جريحا. وتوفي أحد الضحايا، البالغ من العمر 70 سنة، بذبحة قلبية، خوفا وهلعا، بعد أن أطلقت النار باتجاهه، كما استهدفت حافلة مدرسية، وأصيب طفل بجروح.

وحوصر تلامذة «مدرسة لقمان» في منطقة الملولة في باب التبانة، بسبب كثافة الرصاص، مع بدء الاشتباك ما اضطر الجيش للتدخل وإخلائهم، وإيصالهم إلى منازلهم.

وساد جو من التشاؤم الشديد أمس أوساط بعض المشايخ الذين عرفوا بدفاعهم الشديد عن باب التبانة ومقاتليها، وأكد أحدهم لـ«الشرق الأوسط» رافضا الكشف عن اسمه، بأنه «لا توجد مجموعات رئيسة تشارك في هذه المعركة في باب التبانة». وتابع: «لا بل أقول أكثر من ذلك، كل من يطلق طلقة في هذه المعركة على جبل محسن، أو على المواطنين العلويين في طرابلس، هو يخدم حزب الله والنظام السوري»، مستنكرا «التعرض لأبرياء في طرابلس لأي طائفة انتموا».

وشدد المصدر ذاته على أن «هذه المعركة هي تدمير لطرابلس وقتل لأهلها»، مؤكدا أن «الإسلاميين لا يقاتلون، ومن يطلق النار من باب التبانة، هم تابعون لسياسيين أو جهات أمنية أو جهات مشبوهة، لا تريد الخير لطرابلس». وقال إنه مقابل «عشرين جريحا في طرابلس وسبعة قتلى لا يوجد إلا ثلاثة جرحى في جبل محسن»، متسائلا: «من المتضرر إذن؟ ولمصلحة من تدور هذه المعركة؟».

ونفى مصدر ميداني مطلع في باب التبانة، أن يكون هناك «أي اتفاق أو بوادر حل ظهرت خلال الاجتماع الذي عقده رئيس حكومة تصريف الأعمال أمس في طرابلس مع سياسيي المدينة ونوابها وعدد من الأمنيين»، معتبرة أن «الجولة القتالية رقم (18) قد بدأت وأن القتال قد يدوم لعدة أيام ولا بوادر لأي إجراءات مختلفة عن التي سبقتها».

ووصف المصدر الخطة الأمنية، لا سيما الجزء الثاني منها، الذي نفذت خلاله قوى الأمن الداخلي انتشارا واسعا في باب التبانة، لحفظ الأمن بـ«فيديو كليب» عابر، وقال إن «عناصر قوى الأمن انسحبوا ولم يعودوا إلى المنطقة، وتركونا لوحدنا»، مستبعدا أن يكون «لهذه القوى، حتى لو بقيت، القدرة على ضبط الأمن، ووقف المعارك».

وقال الرئيس ميقاتي تعليقا على ما يحدث في طرابلس أمس «إننا نحاول العمل، والوعود والكلام يترجمان بالكلام، وهناك إجراءات نأمل في أن تأخذ مجراها»، مشيرا إلى أن «حوادث إطلاق النار مدانة وكل الفئات ترفض هذا العمل، ولم نتقاعس عن القيام بأي عمل».

وقال ميقاتي إن «علي عيد (النائب العلوي السابق ورئيس الحزب العربي الديمقراطي في جبل محسن) متهم بالتفجير (في إشارة إلى تفجيري مسجدي السلام والتقوى خلال أغسطس/آب الماضي)، وصدرت بحقه مذكرة بحث وتحر، ويجب أن تقوم الأجهزة القضائية بدورها كي لا نسمح لأحد بالثار لنفسه»، مؤكدا منح «كل الغطاء للأجهزة الأمنية للقيام بدورها»، علما بأن عيد مطلوب للتحقيق حول دوره في تهريب مطلوبين في قضية تفجيري طرابلس ولم يمثل أمام القضاء اللبناني.

وكانت مجموعة أطلقت على نفسها اسم «اللجنة العسكرية لأولياء الدم في تفجيرات مساجد طرابلس» أعلنت قبل أيام استهدافها «أبناء الطائفة العلوية في طرابلس، واستمرارها في ذلك، ما لم يسلم زعيم الطائفة العلوية علي عيد وابنه رفعت نفسيهما للعدالة».

وقال أحد فعاليات باب التبانة الذين بدا انقسامهم كبيرا أمس إن «هذه الأفعال وهذه الشروط المستحيلة تدخلنا جميعا في ورطة دموية».

وتواصلت الاشتباكات على مختلف المحاور بين جبل محسن والتبانة والريفا والبقار والمنكوبين ومشروع الحريري، حيث سجل سقوط قذائف صاروخية عدة أدت إلى احتراق منازل. ولم تتمكن فرق الإطفاء من الوصول إلى المكان نتيجة أعمال القنص والقصف. واستخدمت الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وعلى الرغم من جهود الجيش الكبيرة، لردع المقاتلين، فإن ذلك لم يخفض وتيرة المعارك التي يبدو أنها لن تتوقف سريعا.

وفي سياق متصل، نقلت وكالة الأنباء «المركزية»، الخاصة في لبنان، عن مصادر بارزة في حزب الله قولها إن «كل ما كان يحذر منه الحزب في طرابلس يحصل»، مشيرة إلى أنه «منذ ثلاثة أسابيع وبعد اغتيال عضو جبهة العمل الإسلامي الشيخ سعد الدين غية ونحن نشعر أن هناك إصرارا على إحداث فتنة بين السنة والعلويين في طرابلس».

واعتبرت مصادر حزب الله أن «استعمال سنّة طرابلس ولبنان كورقة للمشاركة في الحرب على سوريا لن يجر إلا الويلات»، داعية إلى «حل سياسي بين باب التبانة وجبل محسن ورفع الغطاء عن العصابات المسلحة وترك القوى الأمنية والعسكرية تنتشر لفرض الاستقرار وملاحقة المسلحين والمخلين بالأمن».

وكان حزب الله اتهم قبل يومين، في بيان أصدره غداة إطلاق مجهولين النار على أربعة عمال علويين في بلدية طرابلس، فريق «14 آذار» بـ«التغطية السياسية لجرائم عصابات القتل والإجرام»، في حين شدد رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق فؤاد السنيورة، على أن «ما تشهده بعض أحياء طرابلس من حوادث وتعديات واعتداءات على أبرياء بين حين وآخر، هو عمل مجرم ومستنكر ومدان من قبلنا». وقال السنيورة، الذي يرأس كتلة تيار المستقبل في البرلمان اللبناني، إن الاعتداء على عمال من جبل محسن «عمل جبان ومشبوه يقصد تشويه صورة طرابلس وصورة أهلها وتسامحهم واعتدالهم، ولتصويرهم على غير ما هم عليه تحضيرا لفتنة كبرى في المدينة تعم لبنان».