زيباري ينصح كرزاي بقبول الاتفاق الأمني مع أميركا

الرئيس الأفغاني يتهم واشنطن بالضغط عليه.. والوزير العراقي يقول انه قدم ملاحظات بحسن نية

هوشيار زيباري (أ.ب) و حميد كرزاي (أ.ب)
TT

في الوقت الذي يجد نفسه مسؤولا عن إدارة واحدة من أهم الفترات في تاريخ أفغانستان، عقد الرئيس حميد كرزاي اجتماعا خلال الشهر الحالي مع وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، الذي يتولى حقيبة الخارجية العراقية منذ فترة طويلة.

وتعد زيارة زيباري الأولى من نوعها لمسؤول عراقي منذ سنوات طويلة لأفغانستان. وكان السبب الرسمي المعلن لتلك الزيارة هو تسهيل سفر الأفغان الشيعة إلى العراق لزيارة المقامات الدينية الشيعية هناك. بيد أن الزيارة جاءت في التوقيت المناسب، في وقت يبدي كرزاي تشددا ويرجئ توقيع الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأميركية، تاركا الدعم العسكري الغربي، الذي امتد لسنوات طويلة، والمساعدات التي تساوي مليارات الدولارات في مهب الريح.

في لحظة صراحة ومكاشفة، أعطى زيباري الرئيس كرزاي نصيحة لم يكن من المتوقع الحصول عليها من مسؤول عراقي قبل عامين. فقد نصح زيباري الرئيس كرزاي بقوله: «تجاوز خلافاتك مع الأميركيين ووقع الاتفاق». وأضاف زيباري مخاطبا كرزاي: «لا تقع فريسة لوهم أنه مهما فعلت سيبقى الأميركيون في أفغانستان، فطالما قال كثيرون ذلك عن الوجود الأميركي في العراق، غير أن الأميركيين كانوا يرغبون بشدة في مغادرة العراق، وهي الرغبة نفسها التي يتوقون إلى تحقيقها فيما يخص بلادك».

عندما رحلت آخر قوات أميركية من العراق في عام 2011 في أعقاب انهيار اتفاقية أمنية مماثلة، احتفى كثير من العراقيين بذلك واعتبروا رحيل القوات الأميركية لحظة من لحظات الفخر الوطني، وأعربوا عن إيمانهم العميق في قدرة حكومتهم على الحفاظ على الأمن. بيد أنه ومنذ ذلك الحين، عادت البلاد إلى العنف، إذ قتل الآلاف في هجمات طائفية وقعت العام الحالي.

وحسب رواية مسؤولين عراقيين وأفغان حضروا الاجتماع، قال زيباري للرئيس الأفغاني إنه على الرغم من عوائد النفط التي تقدر بمليارات الدولارات والقوات الأمنية المدربة، لم تعد الحكومة العراقية قادرة حتى على حفظ الأمن في العاصمة بغداد. والسؤال الآن: كيف ستتمكن الحكومة الأفغانية، التي تستطيع بالكاد تمويل 20 في المائة من ميزانيتها كل عام، من السيطرة على البلاد من دون مساعدة الولايات المتحدة الأميركية؟.

وجاء اللقاء في وقت يقف فيه كل من الزعيمين عند مرحلة مختلفة في مسيرتيهما، فأحدهما يتأمل مستقبل بلاده في مرحلة ما بعد الولايات المتحدة، بينما يدخل الآخر في خصومة معها. بيد أنه تبقى الحقيقة أن كرزاي سمع تلك النصيحة مرات كثيرة من قبل.

في الحقيقة، استشهد المسؤولون الأميركيون بالانسحاب من العراق وما جرى بعده كمثال تحذيري، ينبغي وضعه في الحسبان، عند الحديث مع الصحافيين والمسؤولين الأفغان عن الجهود الشاقة من أجل التوصل لاتفاقية أمنية مع الأفغان. وخلال الفترة التي تلت تصريح كرزاي أنه سيرجئ التوقيع على الاتفاقية الأمنية، حذره كثير من المسؤولين الأميركيين الكبار من أنه سيجد نفسه مجبرا على البدء في النظر بشأن «الخيار صفر»، الذي يعني انسحابا نهائيا للقوات الأميركية من أفغانستان في عام 2014، إذا لم يتبن مسارا مغايرا لذلك الذي ينتهجه في الوقت الحالي.

غير أنه بدا واضحا أن كرزاي لم يستمع جيدا لنصيحة زيباري، وهذا ما جعل المسؤولين الأفغان يشعرون بخيبة أمل كبيرة، إذ كانوا يأملون أن يستوعب رئيسهم الدرس من المشكلات التي يعانيها العراق حاليا. وتعليقا على ما جاء في اجتماعه مع زيباري، قال كرزاي لمجموعة صغيرة من المسؤولين الأفغان بعد نهاية الاجتماع، «أرأيتم؟ الأميركيون يحتاجون بشدة لتوقيع هذه الاتفاقية، فقد لجأوا إلى العراقيين لممارسة الضغط علي للقبول بها».

وفي لقاء عبر الهاتف، أصر زيباري على أن نصيحته لكرزاي جاء تعبيرا عن حسن النية، ولم تكن أبدا بإيعاز من الأميركيين. وأضاف زيباري: «بعد مرور عامين على انسحاب القوات الأميركية من العراق، وبسبب تصاعد العنف في البلاد، عدنا إلى واشنطن، طالبين منهم استمرار الدعم والمساعدة العسكرية»، في إشارة إلى الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى الولايات المتحدة في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بعد الزيادة الكبيرة في الهجمات التي تشنها القاعدة والمسلحون السنة في العراق، مشيرا إلى أنه «ينبغي على المرء أن يستفيد من تجربة العراق في هذا الشأن».

في عام 2011، فشلت واشنطن وبغداد في عقد الاتفاقية الأمنية بسبب ما كان يحدث على الساحة السياسية الداخلية في العراق. إلا أنه يبدو في رد كرزاي على نصيحة زيباري واحد من الأسباب الرئيسية التي قد تدفع الولايات المتحدة إلى مغادرة أفغانستان على الفور ودون أي تأخير، على الرغم من أنه يوجد كثيرون في إدارة الرئيس باراك أوباما ممن لا يريدون أن يروا عقدا من الزمان تزهق فيه الأرواح ويضيع كثير من المال هباء.

ورغم إلمامه بالعواقب المحتملة لانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، يبدو كرزاي كأنه اختزل تلك الفترة الأهم من تاريخ أفغانستان مرة أخرى في شخصه هو. وبغض النظر عما إذا كان ذلك نابعا من جنون العظمة أو شكوك مبررة، فلا شك أن رد فعل الرئيس الأفغاني ينم عن شعور عميق بانعدام الثقة في حلفائه الأميركيين.

وفي حديثه مع صحيفة «لوموند» الفرنسية الأسبوع الماضي، قال كرزاي: «حتى وإن كانوا لا يريدون خداعنا، فلن نخضع للضغوط من أجل توقيع الاتفاقية إلا إذا تحققت مطالبنا. ما سمعته هذه الأيام، وما سمعته قبل ذلك لا يعبر بأي حال من الأحوال إلا عن نموذج من نماذج الاستغلال ذات الطابع الاستعماري».

وفي جميع الأحوال، لم يجر استخدام شبح النموذج العراقي فقط للتهديد، إلا أنه كان يطل برأسه في كل خطوة من خطوات المفاوضات، التي عقدت في البيت الأبيض والقصر الرئاسي الأفغاني، بشأن وجود طويل الأمد لقوات أميركية في أفغانستان.

يرى الأميركيون، الذين يودون الاحتفاظ بقوات عسكرية في أفغانستان، الوضع في العراق نموذجا قد يدفع الأفغان إلى العدول عن موقفهم من توقيع الاتفاقية. ويقول مسؤول كبير في الإدارة الأميركية: «يمكنك الإشارة إلى ما يجري في العراق، وساعتها تستطيع أن تقول: لا يمكننا أن نسمح لذلك أن يحدث في أفغانستان».

أما أولئك الذين يريدون انسحابا كاملا للقوات الأميركية من أفغانستان، فلديهم إحساس بأن بلادهم تجنبت فشلا كبيرا في العراق. ويقول مسؤول أميركي آخر إنه لم ينتج عن مغادرة القوات الأميركية للأراضي العراقية أية خسائر سياسية في أميركا، كما أنها ساعدت في حقن دماء كثير من أبناء الأميركيين.

وعلى الرغم من ذلك، لا يرغب المؤيدون للانسحاب الكامل في رؤية دماء تراق في أفغانستان مثل ذلك الذي يحدث في العراق الآن. وكان اجتماع المجلس الأعلى لزعماء القبائل في أفغانستان (لويا جيرغا) قد أسفر عن موافقة المجتمعين على توقيع الاتفاقية الأمنية، في إشارة إلى أن بعضا من الشعب الأفغاني يرغبون في استمرار الدعم الأميركي لبلادهم. وأضاف المسؤول الكبير في الإدارة الأميركية أن المسؤولين الأميركيين لا يريدون «معاقبة الشعب الأفغاني» بسبب التعنت الذي يبديه كرزاي.

* خدمة «نيويورك تايمز»