إقالة قادة شرطة أشرفوا على توقيف أبناء وزراء أتراك

مستشار أردوغان لـ «الشرق الأوسط»: هناك منظمة داخل الشرطة والقضاء تعمل لإحراج الحكومة التركية

رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يمر أمام وزرائه خلال حفل في أنقرة أمس (رويترز)
TT

كشفت التطورات الأخيرة في تركيا، بعد توقيف الشرطة لأبناء وزراء ومستشارين في حكومة حزب العدالة والتنمية، انقطاع «شعرة معاوية» التي كانت تربط بين الحزب وجماعة فتح الله غولن، الداعية الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة الذي كان جزءا من التركيبة الحاكمة في البلاد منذ وصول حزب العدالة إلى السلطة في تركيا.

وإذ أثبتت هذه التطورات قدرة الجماعة ونفوذها الكبير داخل المؤسسات التركية، التي وصلت إلى حد اعتراف مستشار بارز لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لـ«الشرق الأوسط» بوجود «منظمة داخل الشرطة والقضاء»، فإن رد فعل أردوغان جاء سريعا عبر إقالة قيادات الشرطة التي أشرفت على عملية الاعتقالات التي تعد أقوى ضربة يتعرض لها أردوغان على أبواب انتخابات محلية مرتقبة في مارس (آذار) المقبل وأخرى رئاسية في الصيف.

وكشفت وسائل إعلام تركية أمس عن إقالة خمسة من قيادات الشرطة التركية الذين أشرفوا على حملة الاعتقالات بعد مرور يوم على قيام الشرطة بإجراء سلسلة من المداهمات في الفجر أسفرت عن اعتقالات جماعية على خلفية التورط في دفع رشاوى تتعلق بالمناقصات العامة.

وقال رئيس الوزراء التركي بأن تحقيقات الفساد التي اعتقل خلالها العشرات جزء من «عملية قذرة» ضد حكومته. وقال في مؤتمر صحافي: «في الوقت الذي نكافح فيه لجعل تركيا ضمن الدول العشر الأولى في العالم ينخرط البعض في جهود لوقف نمونا السريع. هناك الموجودون في الخارج... وهناك امتدادات لهم داخل بلدنا».

وبدوره قال نائب رئيس الوزراء التركي بولند أرينج بأن تحقيقات الفساد هي جزء من «عملية مدبرة» لتشويه صورة الحكومة. ولم يذكر تفاصيل بشأن من الذي قد يكون وراء مثل هذه الجهود لكنه قال: إن تصريحاته غير موجهة إلى رجل الدين الذي يقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن الذي له أنصار يتولون مناصب مؤثرة في الشرطة والقضاء.

وقال أحد أبرز مستشاري أردوغان، طه كينتش لـ«الشرق الأوسط» بأن الحكومة لا يمكن أن تتحدث عن تبعية لجماعة ما، لكن هناك منظمة موجودة داخل الشرطة والقضاء تريد أن تحرج الحكومة في الانتخابات المقبلة. وأشار كينتش إلى سابقة أخرى حصلت في العام الماضي عندما حاولت نفس الجماعة ضرب رئيس الاستخبارات هاكان فيدان وتم استدعاؤه للتحقيق، مشيرا إلى أن ما يلفت النظر هو أنه رغم الادعاء بأن الشرطة تابعت الموضوع لأكثر من سنة، فإن مدير أمن إسطنبول لم يكن لديه علم بما يجري، ولا نائبه، وكذلك رئيس الدائرة المعنية بجرائم الأموال. مستغربا في الوقت نفسه كيف أن أعضاء من شرطة إسطنبول هم من ذهبوا إلى أنقرة لتوقيف نجل وزير الداخلية ومستشاريه ومدير مصرف «خلق» (الشعب) من دون إطلاع شرطة أنقرة على الموضوع في إجراء مخالف لكل النظم المعمول بها في الشرطة التركية.

وقال كينتش بأن موضوع مصرف «خلق» أثير أول مرة من قبل الأميركيين، حيث تحدث عدد من النواب الأميركيين عن انزعاجهم مما قالوا: إنها مخالفات يرتكبها المصرف لجهة التعامل مع إيران.

وإذ استغرب كينتش كيف يتهم بالفساد حزب نجح في القضاء على الفساد وأوصل البلاد إلى التقدم الكبير اقتصاديا، أكد أن الحكومة مصرة على تنقية الجسم الإداري ممن هم شركاء للخارج ولبعض الداخل، متابعا في تلميح غير مباشر لجماعة غولن: «نحن لم نعتقد يوما أنهم قد ينزلون يوما إلى هذا المستوى المتدني».

وردا على سؤال عما إذا كان الأمر عبارة عن صراع مع جماعة غولن على خلفية إقفال المدارس الخصوصية، قال كينتش بأن الأمر ليس كذلك على الإطلاق، لأن موضوع المدارس الخصوصية أعلنه أردوغان منذ 5 سنوات، كما أن مجموع ما تمتلكه الجماعة من مدارس لا يتعدى الـ25 في المائة من المدارس المراد تحويلها إلى مدارس خاصة لا إقفالها، وبالتالي الأمر ليس موجها ضدها.

ويرى كينتش أن الذين لم يستطيعوا أن يقضوا على حزب العدالة والتنمية في أحداث جيزي كتبوا خطة أخرى بدأوا تنفيذها في توقيت مشبوه مع اقتراب الانتخابات.

ويرى ينار دونماز مدير مكتب أنقرة في جريدة «عقد» المقربة من الحكومة أن ما يجري هو دليل على «الفصل بين السلطات وترسيخ الديمقراطية»، مشيرا إلى أن ما يجري «دليل على أن الحكومة لا تؤثر على عمل القضاء».

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن ثمة نحو 50 شخصا يتم التحقيق معهم، مشيرا إلى أنه من الصعب التحقق من مسار الأمور الآن. وقال: إن لدى وسائل الإعلام والسياسيين وجهات نظر مختلفة، فمنهم من يربط الأحداث بـ«صراع داخلي» ومنهم من يرى أنها امتداد لأحداث حديقة جيزي - المظاهرات ضد الحكومة في يونيو (حزيران) الماضي. وإذ أكد ضرورة «ملاحقة الفاسدين ومن يقف وراءهم»، اشترط أن لا تكون «وسيلة للهجوم على الحكومة أو محاولة الإطاحة بها».

أما أمر الله أوصلو، الكاتب في صحيفة «طرف» التابعة لجماعة غولن، فيقول لـ«الشرق الأوسط» بأن الجميع كان على دراية وعلم بحجم الرشوة والفساد الذي يقوم به المسؤولون وخاصة في الحكومة ولكن ظهر للعلن أمس عندما قامت الشرطة بالعملية واعتقال المشتبه بهم. وأضاف: «كانت الرشوة والمحسوبية والفساد منتشرة في جميع مؤسسات الدولة وقد عملت الحكومات على التخفيف منها، ولكن مع الأسف عندما يتعلق الأمر بالصفقات الكبيرة أو المناقصات على مشاريع للدولة لم تتوقف هذه الرشى بل زادت خاصة محيط وأقارب المسؤولين في الحكومة»، معتبرا أن من «حد من الرشى الصغيرة أبقى الكبيرة للمقربين منه». وقال: «أتذكر بأن رئيس الوزراء (أردوغان) كان يقول بأنه سيلاحق الفساد حتى لو كان الفاعل أو من يقف وراءه والدي، ولكننا نرى اليوم بأن من يمارس الفساد ليس الآباء وإنما الأبناء وأردوغان يقف مكتوف الأيدي ولا يحاسبهم أو لا يوجد لديه القدرة على محاسبتهم».

وأشار أوصلو إلى جانب آخر مهم في العملية هو العامل الإيراني حيث «تم نقل الأموال من إيران عن طريقه في حين يوجد حظر اقتصادي على هذا البلد حيث أدخلت المليارات من اليورو إلى تركيا مما سيترتب عليه وضع تركيا في موقف محرج أمام العالم». وإذ نفى أن تكون العملية من «إدارة وتخطيط أياد أجنبية، أعرب عن اعتقاده بوجود (مشاركة إيرانية)».

ورأى أوصلو أن الحكومة تحاول الآن لعب دور المظلوم عبر التلميح بأن هذه العملية من تدبير الموساد الإسرائيلي واللوبي الصهيوني لأنها تعرف موقف الشارع التركي من إسرائيل والمؤسسات اليهودية الدولية، حيث بدأ الإعلام الأردوغاني للترويج لهذا السيناريوهات لإعادة تعاطف الشارع مع أردوغان وحكومته. واستغرب أوصلو كلام أردوغان عن أن من يقف وراء هذه التطورات هو «الدولة الخفية»، معتبرا أن وجود هذه الدولة «دليل على أن أردوغان ضعيف ولا يحكم البلاد».

ويرى كمال أوكيان رئيس تحرير جريدة «صول» اليسارية أن ما يحصل يخفض من شعبية حزب العدالة ويقلل من أصواته في الانتخابات المقبلة، مشيرا إلى احتمال دخول حزب المعارضة الرئيسي «الشعب الجمهوري» في ائتلاف حاكم مع العدالة والتنمية لمواجهة القوى اليسارية والجماعات الأخرى.

أما جيم كوجك الكاتب في جريدة «يني شفق» الموالية فقد رأى أن تركيا استطاعت أن تنهي خلال العشر سنوات نظام الوصاية الذي كان يغللها بالسلاسل، ولكن مع الأسف أثناء التخلص من الوصاية القديمة وقعت تحت رحمة وصاية جديدة (في إشارة إلى تحالف أردوغان – غولن). وقال لـ«الشرق الأوسط» بأن هذه الوصاية «تتمثل بزمرة متحكمة في القضاء والأمن تابعة لجماعة فتح الله غولن وتعمل هذه الزمرة حسب تعليمات تأتيها من خارج الحكومة ولا تصغي حتى لمسؤوليها من الوزراء، فمنذ أكثر من عام تقوم هذه الزمرة بالدسائس للتقليل من هيبة حزب العدالة والإطاحة بالسيد رجب طيب أردوغان وهم يتمثلون في القضاء من مدعين عامين وحكام ومديرين للشرطة بجميع فروعها والهدف هو وضع الحكومة في مأزق قبل الانتخابات المحلية».

وأشار كوجك إلى أن الحكومة «لم تقف مكتوفة أمام هذا فقامت بتغيير أماكن 5 من رؤساء الدوائر وتعيينهم في أماكن أخرى لأنه في الدول الديمقراطية لا يمكن للوصاية أن تحقق أي نجاح ولن يستطيعوا تركيع الشرعية ولهذا ستكسب الديمقراطية».

ولم يستبعد وجود صلة لإسرائيل بالموضوع، مشيرا إلى أن صحيفة «حرييت» نشرت مؤخرا خبرا مفاده بأن المنظمة اليهودية العالمية مستاءة من تصرفات بنك خلق وعلاقته بإيران لأنه يقوم بدفع قيمة الغاز الذي تستورده تركيا من إيران بالذهب وهذا الاستياء لم يقف على الوكالة اليهودية بل رددته إسرائيل والموساد عدة مرات ولهذا ليس من الغريب أن يكون لإسرائيل ضلع في العملية ويجب أن لا ننسى عندما حاول جماعة فتح الله غولن بالإطاحة بمستشار المخابرات هاكان فيدان كان الموساد متورطا في تلك العملية.